< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 الثَّانية من أدوات العموم وألفاظه هو «الْجَمْعُ الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ»، مثل الفقراء والعلماء و«المساكين» وهكذا سائر الجموع المعرَّفة بِاللاَّم، وحول هذه اللفظة توجد ثلاث جهات لا بُدَّ من البحث فيها:

الجهة الأولى: كيفيَّة دلالتها على العموم ثبوتاً وتصوّراً.

الجهة الثَّانية: فِي تحقيق أصل دلالة هذه اللفظة على العموم إثباتاً، فهل تَدُلّ فعلاً على العموم.

الجهة الثَّالثة: فِي البحث عن أن العموم الْمُسْتَفَاد من هذه اللفظة من أي نوع من أنواع العموم؟ مجموعيّ أو استغراقيّ؟

أَمَّا الجهة الأولى: فالكلام فيها يقع:

تارةً بناءًا على التَّعْرِيف المتقدّم من المُحَقِّق الخُراسانيّ للعموم وَالَّذِي تقدّمت دراسته فِي بداية بحثنا عندما كُنَّا نبحث عن تعريف العموم، حيث فسر العموم بهذا التَّعْرِيف: «العموم هو شمول الْمَفْهُوم لجميع ما يصلح لأَن ينطبق عليه». إذن، العموم عنده عبارة عن استيعاب مفهومٍ لأفرادِ نفسه.

وأخرى نتكلّم بناءًا على التَّعْرِيف المختار حيث عرفنا العموم بأَنَّهُ عبارة عن «استيعاب [وَضْعاً] مفهوم لأفرادِ مفهوم آخر» (لا استيعاب مفهوم لأفراد نفسه)، إما ذاتاً وإما بدالٍّ آخر، كما تقدّم توضيح ذلك كُلّه.

أَمَّا على تَفْسِير الخراساني للعموم فنحتاج إلى مفهومٍ اسمي واحدٍ يكون مستوعِباً لأفراد نفسه (حتّى يكون هو العامّ). إذن، نحن بحاجة أوَّلاً إلى ما يَدُلّ على هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ، وثانياً بحاجة إلى ما يَدُلّ على استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ لأفراد نفسه.

 فإذا أتينا إلى «الْجَمْعِ الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ» مثل «العلماء» وحللنا هذه اللفظة رأينا أنَّها مشتملة على ثلاثة دوال: مادّة الجمع وهيئة الجمع وَاللاَّم. أَمَّا الْمَادَّة فلا إِشْكَال ولا كلام فِي أنَّها تَدُلّ على مفهومٍ اسمي وهو عبارة عن «طَبِيعِيّ العالم». وأمّا «اللاَّم» فأيضاً لا إِشْكَال فِي أنَّها (باعتبارها حرفا) تَدُلّ على معنىً حرفي، طبعاً علينا أن نحدّد هذا المعنى الْحَرْفِيّ، ولكن بالمآل طبيعة المعنى معنى حرفي. وأمّا «هيئة الجمع» فهي محط الجدل والبحث الدائر لدى الأُصُولِيِّينَ.

 يوجد هنا فرضان:

الفرض الأوّل: أن نفترض أن مدلول هذا الدَّالّ عبارة عن مفهوم اسمي، وإن شئتم عبروا عنه بـ«المتعدد من أفراد مدلول الْمَادَّة [أي: من أفراد طَبِيعِيّ العالم]» أو إن شئتم عبروا بـ«ما لا يقلّ عن ثلاثة من أفراد مدخول الْمَادَّة» أو عبروا عن هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ الَّذي تَدُلّ عليه هيئة الجمع بـ«الجمع من أفراد الْمَادَّة» أي: «الجمع من أفراد طَبِيعِيّ الْمَادَّة».

 والمُهِمّ فِي هذا الفرض الأول أن تُفترض لهيئة الجمع معنىً اسميّاً.

والفرض الثَّانِي: أن نفترض أن مدلول هذا الدَّالّ عبارة عن مفهوم حرفي. فهاتان فرضيتان.

 فإذا أردنا أن نتكلّم وَفقاً لتعريف الخُراسانيّ (كما هو المفروض الآنَ) فتارة نتكلّم بناءًا على الفرض الأوّل وأخرى بناءًا على الفرض الثَّانِي:

أَمَّا بناءًا على الفرض الأوّل وهو أَنْ تَكُونَ هيئةُ الجمع دالَّة على معنى اسمي وَالَّذِي نعبر عنه بـ«الجمع من أفراد مدلول الْمَادَّة» أو «الجمع من أفراد طَبِيعِيّ الْمَادَّة»، فَسَوْفَ يكون هذا المعنى الاِسْمِيّ هو العامّ الَّذي يستوعِب تمامَ أفراد نفسه. يبقى هذا السُّؤَال الأساسي وهو أَنَّهُ كيف يستوعب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ تمامَ أفراد نفسه؟ وكيف نصوِّر استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ لأفراد نفسه؟!

 فقد يجاب عنه بأن تصويره يَتُمّ بأحد وجوه:

الوجه الأوّل: أن يقال بأن هذا المفهوم الاِسْمِيّ وهو مفهوم «الجمع من أفراد مدلول الْمَادَّة (= أفراد العالم)» يستوعِب كل فرد فردٍ من أفراد العالم؛ وذلك باعتبار أن كل فرد من العلماء هو فرد من الجمع (من هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ) لأَنَّ كل فرد من الجمع مندرج تحت الجمع.

وهذا التَّصْوِير باطل؛ وذلك لأَنَّه بحسب الفرض (تعريف الآخوند) يكون العموم عبارة عن استيعاب أفراد نفسه، والمفروض أن الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ الَّذي تَدُلّ عليه هيئة الجمع افترضناه عبارة عن الجمع، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ كل فردٍ من الأفراد لَيْسَ من مصاديق الجمع، بل الفرد من مصاديق الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ لكلمة «الفرد». الفرد لا من مصاديق الجمع ولا من مصاديق الْمُثَنَّى، بل هو من مصاديق «المفرد» فِي مقابل الجمع وفي مقابل الْمُثَنَّى. وهذا بخلاف الثَّلاثة والأربعة والخمسة و.. فهي من مصاديق الجمع ومراتبه. فلا يقتضي استيعاب الجمع لتمام مصاديق نفسه استيعابَ كل فرد؛ لأَنَّ المفرد لَيْسَ من مصاديق الجمع، فلا ينطبق تعريف الخُراسانيّ فِي المقام.

الوجه الثَّانِي: أن يقال إن هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ (وهو الجمع) يستوعب كل ثلاثة ثلاثةٍ من أفراد العالم؛ لأَنَّ كل ثلاثة هي مصداق للجمع، فهذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ يستوعب كل ثلاثة ثلاثةٍ من العلماء، وبالتَّالي فهذا الْمَفْهُوم يستوعب كل فرد باعتباره جزءاً من ثلاثة، فَيَكُونُ مندرجاً تحته.

هذا أيضاً غير تامّ؛ لأَنَّهُ يرد عليه أن الثَّلاثة هي إحدى مراتب الجمع، وهي من مصاديق الجمع، وهناك أفراد ومصاديق أخرى للجمع غير الثَّلاثة، فالأربعة والخمسة والعشرون و.. أيضاً مصاديق أخرى للجمع؛ فإن هيئة الجمع لم تُوضع للثلاثة بشرط عدم الزيادة. فمقتضى العموم هو استيعاب جميع مصاديق الجمع، ومن مصاديق الجمع كل ثلاثة ثلاثةٍ من العلماء، كما أن من مصاديقه كل أربعة أربعةٍ وكذا كل خمسة خمسةٍ وهكذا إلى آخر حلقات ومصاديق الجمع إن كان للجمع نهاية.

الوجه الثَّالث: أن يقال إن هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ الَّذي وضعت له هيئةُ الجمع مفهومٌ مرِن نعبر عنه بهذا التَّعْبِير: «الجمع الَّذي لا يقل عن ثلاثة» وهذا له مصاديق عديدة. وهذا الْمَفْهُوم يستوعب كل هذه المصاديق والمراتب من الجمع، واستيعاب تمامها يتمثل خارجاً فِي المرتبة العليا من مراتب الجمع، وهي المرتبة المشتملة على جميع الأفراد. فمثلاً إذا كان العلماء 100 خارجاً فالمرتبة العليا من مراتب الجمع هي مرتبة المائة المشتملة على جميع الأفراد. وحينئِذٍ يكون هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ مستوعباً للمرتبة العليا، والمرتبة العليا مستوعبة للمراتب النازلة.

إلاَّ أَنَّهُ يرد على هذا الوجه أنَّ هذا بحسب الدِّقَّة لَيْسَ عموماً بالمعنى الدقيق، بل أصبح نتيجة العموم؛ لأَنَّ هذا لَيْسَ استيعاباً لتمام مصاديق الجمع؛ لأَنَّ المرتبة العليا من الجمع هي فِي الواقع أحد مصاديق الجمع، وليست جميع مصاديق الجمع. لكن تُجعل اللاَّم (الَّتي هي فِي اللُّغَة للتعيين) قرينةً على أنّ الْمُتِكَلِّم أراد هذه المرتبة العليا، باعتبار دخول سائر المراتب تحت هذه المرتبة، فلذلك يُرى كأن هذه المرتبة جميع تلك المراتب، وإلا فإن المائة ليست جميع تلك المراتب بل هي مرتبة فِي عَرض تلك المراتب.

 معنى العموم أن تَدُلّ اللاَّم مع مدخولها على استيعاب تمام أفراد نفسه، أي: استيعاب تمام الجموع، أي: استيعابُ الثلاثات واستيعاب الأربعات والخمسات والستات وهكذا، بينما «اللاَّم» دَلَّتْ فِي المقام على أن مدلولها متعين فِي المرتبة العليا (أي: المائة)، والمائة ليست مستوعِبة للمراتب الأخرى من الجمع. وامتياز المائة (الَّتي هي فِي المرتبة العليا) هو أنَّ سائر الموارد داخلة تحتها، لا أنَّها جميع تلك المراتب. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. فكأنها تُرى بأنها جميع تلك المراتب.

 هذه وجوه ثلاثة لتصوير كيفيَّة استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ (الَّذي افترضناه أَنَّهُ هو مدلول هيئة الجمع) لأفراد نفسه. هذا كُلّه بناءًا على الفرض الأول.

أَمَّا بناءًا على الفرض الثَّاني: وهو أَنْ تَكُونَ هيئة الجمع دالَّة على معنى حرفيٍّ وعلى نسبة بحتة، وهذا المعنى النِّسْبِيّ قائم بمدلول الْمَادَّة (= طَبِيعِيّ العالم) وبأفراد هذا الطَّبِيعِيّ. وما هو هذا المعنى النِّسْبِيّ الْحَرْفِيّ البحت؟ هو عبارة عن تعدّد هذه الأفراد، ولكن تعدّد كنسبة وربط، لا كمعنى اسمي. أي: النِّسْبَة التعددية، كما فِي سائر الهيئات.

 فَيَكُونُ الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ المستوعِب لأفراد نفسه (وَفقاً لتعريف الخُراسانيّ) شيئاً آخر؛ لأَنَّ مدلول الهيئة أصبح معنى حرفيّاً، فلا يمكن أن يكون هو العامّ؛ لأَنَّ العامّ عبارة عن مَفْهُومٍ اِسْمِيّ مستوعِب لأفراد نفسه (بناءًا على تعريف الآخوند)، فلا يمكن أن يكون هو العامّ المستوعِب لأفراد نفسه، وإنَّما الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ المستوعِب لأفراد نفسه سوف يكون هنا عبارة عن مدلول الْمَادَّة (أي: الطَّبِيعِيّ)، وتكون هيئة الجمع دالَّة على استيعاب هذا الْمَفْهُوم لأفراده. فالدال على أصل هذا الْمَفْهُوم هو الْمَادَّة، والدّال على استيعاب هذا الْمَفْهُوم لأفراده هو الهيئة.

 فالهيئة دالَّة على معنىً حرفي، وَاللاَّم حرف يَدُلّ على معنى حرفي كسائر الحروف. إذن، اجتمع لدينا معنيان حرفيان (معنى اللاَّم ومعنى هيئة الجمع) على هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ (أي: مدلول الْمَادَّة). وحينئِذٍ نواجه مسألةً وهي أَنَّهُ كيف يَتُمّ تصوير استيعاب هذا الْمَفْهُوم الاِسْمِيّ (مدلول الْمَادَّة، طَبِيعِيّ العالم) لأفراد نفسه؟! .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo