< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 قلنا إن كلمة «كُلّ» إذا دخلت على النَّكِرَة أفادت الاستيعاب الأفرادي وذكرنا النُّكْتَة وَالتَّفْسِير لهذه الإفادة، وإذا دخلت على المعرفة أفادت الاستيعاب الأَجْزَائِيّ على القاعدة؛ لأَنَّ مدخولها عبارة عن المفهوم الَّذي هو عبارة عن الطَّبيعة، والطبيعة تَتِمّ بأجزائها، فكلمة «كُلّ» تدلّ على استيعاب أجزاء هذه الطَّبيعة.

 هذا واضح فيما إذا كان مدخول المعرفة مفرداً، من قبيل «كلّ الكتاب» «كلّ الدرس» «كلّ اليوم»، وأمّا إذا كان مدخول المعرفة جمعاً، من قبيل «كلّ الكتب» أو دخلت على ما هو بحكم الجمع من قبيل اسم الجمع مثل «كلّ القوم» و«كلّ النَّاس»، فهل تفيد الاستيعاب الأَجْزَائِيّ أو الاستيعاب الأفرادي؟ هنا قلنا: إن الاستيعاب و العموم الَّذي نفهمه من أمثال هذه الجملة يمكن تخريجه بكلا النحوين:

 يمكن أن يكون استيعاباً أَجْزَائِيّاً، بمعنى أن تكون «كُلّ» مستوعبة لتمام أجزاء هذا المدخول، والمدخولُ هو الجمع، بحيث يكون كل واحد من وحدات الجمع (كل كتاب من الكتب أو كل واحد من القوم) جزءاً لهذا الجمع المدخول، وتكون كلمة «كُلّ» دالَّة على استيعاب هذه الأجزاء.

 ويمكن أيضاً أن يكون استيعاباً أَفْرَادِيّاً، بمعنى أن تكون «كُلّ» مستوعبة لتمام أفراد المدخول، بحيث يكون كل واحد من وحدات الجمع (كل كتاب من الكتب أو كل واحد من القوم) فرداً لهذا الجمع المدخول (أي: أن يكون «كُلّ» جمعاً مُرَكَّباً من أجزاء)، وحينئِذٍ تدلّ كلمة «كُلّ» على الاستيعاب الأَجْزَائِيّ. وإذا اعتبرنا كل واحد من وحدات الجمع فرداً للجمع، أي: لم نعتبر الجمع كُلاًّ مُرَكَّباً من أجزاء، فحينئذٍ يكون الاستيعاب أَفْرَادِيّاً.

 فكلا التخريجين ممكن إلاَّ أَنَّنَا قلنا بالأَمْسِ أن الأظهر (في موارد دخول «كُلّ» على الجمع) هو الأوّل، أي: أن يكون الاستيعاب أَجْزَائِيّاً لا أَفْرَادِيّاً.

 وكذلك الأمر في موارد دخول كلمة «كُلّ» على اسم العدد المعرَّف، من قبيل «العشرة» و«الخمسة» و«الأربعة» وأي اسم من أسماء الأعداد فيما إذا كان معرَّفاً ودخلت عليها «كُلّ» (أي: «كُلُّ العشرة»)، فالاستيعاب المستَفادُ من كلمة «كُلّ» في مثل هذه الموارد إنّما هو استيعاب أجزائي (أي: استيعاب ناظر إلى أجزاء العشرة)، وأجزاء العشرة هي آحاد العشرة. إذن، هو استيعاب بِالنَّظَرِ إلى كل واحدٍ واحد من آحاد العشرة. فقولنا مثلاً: «كل العشرة» في قِبَال قولنا «كل العشرة إلاَّ واحداً منها». أي: إلاَّ واحداً من آحاد العشرة، فنكون قد استثنينا أحداً من آحاد العشرة، الآحاد الَّتي هي أجزاء للعشرة. وآحادها إنّما هي أجزاؤها، فنكون قد استثنينا جزءاً من أجزاء تلك العشرة. فإذا لم يكن يوجد هناك استثناء (حيث أن الاستثناء يقابل الكلّ) فكلمة «كُلّ» تفيد استيعاب هذه الأجزاء، وليس النَّظَر هنا إلى استيعاب أجزاء كل واحد من آحاد العشرة وإنَّما النَّظَر إلى استيعاب آحاد العشرة الَّتي هي أجزاء للعشرة.

فإن قلتم: إن كلمة «كُلّ» إذا دخلت على اسم العدد المعرَّف من قبيل «كل العشرة» تفيد الاسْتِيعَاب الأفرادي لا الأَجْزَائِيّ؛ بدليل أَنَّهُ لو استثنينا الجزءَ فيكون هذا الاستثناء غير صحيح، فلو قال: «كل العشرة إلاَّ هذا الجزء من الكتاب» فإنَّ هذا الاستثناء غير صحيح ومستهجن، بخلاف ما إذا استثنينا فرداً من العشرة وقلنا: «كل العشرة إلاَّ واحداً» فهذا الاستثناء ليس مستهجناً، فهذا يكشف عن أن الاستيعاب استيعاب أفرادي ولذا يصحّ أن نستثني فرداً، وليس أَجْزَائِيّاً ولذا لا يصحّ أن نستثني جزءاً.

قلنا: إن الاستيعاب - كما قلنا - أجزائي وليس أَفْرَادِيّاً، وإنَّ كلمة «كُلّ» تدلّ على استيعاب تمام العشرة، لكن أجزاء العشرة ليست إلاَّ آحادها، وليست أجزاء لآحادها. أي: المفروض أن كلمة «كُلّ» داخلة على العشرة بما هي عشرة، والعشرة إنّما تكون عشرة فيما إذا كانت واجدة لأجزائها. فكلمة «كُلّ» تدلّ على استيعاب هذه الأجزاء، أي: استيعاب هذه الآحاد، ومن هنا يصحّ أن نستثني أحد هذه الآحاد، أو اثنين من آحادها.

 فحاصله ما نريد قوله هو أَنَّهُ كما أن الحال في اسم العدد المعرَّف المدخول لكلمة «كُلّ» يكون الاستيعاب الْمُسْتَفَاد منها استيعاباً أَجْزَائِيّاً، فليكن الجمع واسم الجمع مثل اسم العدد أيضاً، فإذا دخلت كلمة «كُلّ» على الجمع أو على اسم الجمع يكون الاستيعاب استيعاباً أَجْزَائِيّاً وَنَاظِراً إلى أجزاء المدخول؛ لأَنَّ المدخول هو الجمع، والجمع بما هو جمع بأجزائه، وأجزاؤه عبارة عن آحاده. فأجزاء الكتب (في الجمع بما هو جمع) آحاد الكتب، يعني: هذا الكتاب وذاك الكتاب وذلك الكتاب. فهذه أجزاء الكتب وليست آحاد للكتب، ولذلك يصحّ أن نستثني أحد هذه الأجزاء ونقول: قرأت كل الكتب إلاَّ هذا الكتاب، ولا يصحّ أن نستثني جزءاً من أحد هذه الكتب ونقول: «قرأت كل الكتب إلاَّ هذا الجزء من هذا الكتاب» فهذا استثناء غير عُرْفِيّ ومستهجن وغير مقبول.

 فيقال كما قلنا في اسم العدد، يقال بأن الاستيعاب هنا استيعاب أجزائي، والأجزاء عبارة عن الآحاد.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كلمة «كُلّ» إذا دخلت على المفرد المعرَّف أفادت الاستيعاب الأَجْزَائِيّ على القاعدة (لأَنَّنَا قلنا: إن «كُلّ» تدلّ على استيعاب مفهوم مدخولها، ومفهوم مدخولها هنا الطَّبيعة، فإن الكتاب يعني طبيعة الكتاب، وطبيعة الكتاب إنّما هي بأجزائها كالغلاف والأوراق)، وإذا دخلت على الجمع أو اسم الجمع أمكن كلا النحوين من الاستيعاب (أي: يمكن الاستيعاب الأَجْزَائِيّ بأن نعتبر الجمعَ كُلاًّ مُرَكَّباً من أجزاء، وكل واحد من وحداته جزء له، كما يمكن أن يكون الاستيعاب أَفْرَادِيّاً إذا لم نعبر الجمع كلاًّ مُرَكَّباً من أجزاء)، لكن قلنا: إنّ الأظهر هو الأوّل؛ لأَنَّ أجزاء الجمع هي آحادها (= أجزاء الكتب آحَاد الكتب، وأجزاء القوم آحاد القوم)، كما هو الحال في اسم العدد كـ«العشرة» و«الخمسة». هذا بالنسبة إلى المفرد والجمع واسم الجمع واسم العدد المعرَّف.

أما إذا دخلت «كُلّ» على المثنى، كقولنا: «قرأت كل الكتابين» أو «كتبتُ كلَّ الدرسين»، أو «طالعتُ كُلَّ المجلدين» وهكذا.. فنريد أن نقول: إن الاستيعاب هنا أجزائي أيضاً (أي: بِالنَّظَرِ إلى أجزاء كل واحد من الكتابين)، ولا يمكن فيه الاستيعاب الأَفْرَادِيّ؛ لأَنَّ المدخول هنا تثنية، والاثنان الَّذي هو المدخول لا يناسب التَّكَثُّر و الاسْتِيعَاب الأَفْرَادِيّ، فـ«عدم صلاحية وعدم مناسبة المدخول هنا لِلتَّكَثُّر والاستيعاب الأَفْرَادِيّ» بنفسه تكون قرينة على أن النَّظَر إلى أجزاء كل من الكتابين، أي: قولنا «قرأت كل الكتابين» ليس في قِبَال قولنا: «قرأت الكتابين إلاَّ واحداً منهما»، فمَن أراد أن يُفهِم ذاك المعنى يقول: «قرأتُ واحداً منهما»، فإنَّني لا أرى الاستثناء في «قرأت الكتابين إلاَّ واحداً منهما» استثناءً عُرْفِيّاً بل هو استثناء مرفوض وغير صحيح؛ لأَنَّهُ لا يصحّ استثناء الواحد من الاثنين حتّى نؤكّد عدم الاستثناء بكلمة «كُلٍّ»، وإنَّما قولنا «قرأت كلَّ الكتابين» في قِبَال قولنا: «قرأت الكتابين إلاَّ بعضاً من أحدهما». أي: في مقابل استثناء جزءٍ من أجزاء أحد الكتابين، لا في مقابل استثناء «أحد الكتابين».

فالحاصل: أن كلمة «كُلٍّ» الداخلة على المعرَّف تدلّ على الاسْتِيعَاب الأَجْزَائِيّ، يعني: استيعاب أجزاء المدخول، بلا فرق بين أن يكون المدخول المعرَّف عبارة عن المفرد أو أن يكون عبارة عن الجمع أو أن يكون عبارة عن اسم الجمع أو أن يكون عبارة عن اسم العدد المعرَّف أو أن يكون عبارة عن المثنى، فلم نَشُذّ عن القاعدة الَّتي أسسناها (وهي أن الكلّ إذا دخلت على المعرَّف أفادت الاستيعاب الأَجْزَائِيّ) في كل هذه الموارد، غاية الأمر أن أجزاء الجمع عبارة عن آحَاده، وكذلك أجزاء العدد عبارة عن آحاده، أما في المثنى فإن أجزاء المثنى عبارة عن أجزاء كل واحد من الفردين، فأجزاء الكتابين عبارة عن صفحات الكتابين، وليس عبارةً عن الفردين؛ لأَنَّهُ تثنية وليس تَكَثُراً، ولا تَكَثُرَ في الآحاد كما لا تَكَثُّر في التَّثْنِيَة، فلا معنى للاستيعاب الأَجْزَائِيّ فيه.

 هذا تمام الكلام في هذه الجهة الثَّانية من جهات البحث عن كلمة «كُلّ»، فقد استوعبنا أن لحد الآن أن كلمة «كُلّ» تدلّ على استيعاب مدخولها، وبعد ذلك يجب أن ندخل في الجهة الثَّالثة، وهي جهة تخريج دلالة كلمة «كُلّ» على الاستيعاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo