< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم الوصف

الثاني: دعوى وجود ظهورات ثلاثة في الجملة الوصفية تتمّ بمجموعها الدلالة على المفهوم:

الأول: الظهور العرفي للوصف في كونه علّة للحكم، وذلك لأن الوصف قيد والأصل في القيود أن تكون احترازية؛ لأنه مأخوذ في موضوع الحكم إثباتاً، فلا بد من أن يكون مأخوذاً فيه ثبوتاً أيضاً؛ لأصالة التطابق بين الإثبات والثبوت، فحيث أن قيد العدالة قد أخذ في طرف النسبة الإرسالية إثباتاً وفي مرحلة المدلول التصوري للكلام، فالأصل أن يكون مأخوذاً فيه ثبوتاً وفي مرحلة المدلول التصديقي، أي: في مرحلة الجعل والوجوب أيضاً، وبهذا يثبت أنه قيد احترازي، وتثبت عليته للحكم؛ إذ لا يُراد بالعلية أكثر من كونه مأخوذاً في موضوع الحكم، وقد ثبت ذلك بهذه القرينة العامّة المستفادة من الظهور العرفي القائلة بأن الأصل في القيد الاحتراز باعتبار أن الأصل هو تطابق الإثبات والثبوت.

الثاني: الظهور العرفي للوصف في كونه بخصوصه وبعنوانه علّة للحكم، لا بما هو فرد من الجامع المنطبق عليه وعلى غيره.

الثالث: ظهور المعلول في كونه عبارة عن طبيعي الحكم وسنخه، لا شخص الحكم.

 وهذان الظهوران الأخيران بمجموعهما يُثبتان الانحصار وكون الوصف علّة منحصرة لطبيعي الحكم بعد ثبوت أصل العليّة بالظهور الأول.

 وحينئِذٍ تتم بذلك دلالة الوصف على المفهوم؛ وذلك لأن افتراض وجود علّة أخرى للحكم غير الوصف لا يخلو عن إحدى حالات:

 فإمّا أن يُفترض أنهما - أي: الوصف كالعدالة وتلك العلّة الأخرى كالهاشمية - علّتان وموضوعان لشخص الحكم، وبعبارة أخرى: لجعل واحد. ومن الواضح أن هذا مستحيل؛ لأن الجعل الواحد وشخص الحكم لا يتحمّل أكثر من موضوع واحد.

 وإما أن يفترض أنهما موضوعان لطبيعي الحكم، بأن تفرض حصّتان من طبيعي الحكم وجعلان وشخصان لوجوب الإكرام:

أحدهما: موضوعه الوصف، أي: العدالة.

والآخر: موضوعه الهاشمية مثلاً.

 وهذا الفرض وإن لم يكن مستحيلاً، لكنه خلاف الظهور الأخير وهو ظهور المعلول في كونه طبيعي الحكم لا شخصه؛ لأن هذا الظهور مفاده أن المعلول للوصف - أي: العدالة - هو طبيعي الحكم وسنخ وجوب الإكرام، بينما الفرض المذكور هو أن المعلول له حصّة من الطبيعي وشخص وجوب الإكرام.

 وإما أن يفترض أن الجامع بينهما موضوع لطبيعي الحكم، وهذا الفرض أيضاً وإن لم يكن مستحيلاً، لكنه خلاف الظهور الثاني من الظهورات الثلاثة؛ لأن ذاك الظهور مفاده هو أن الوصف بخصوصه وبعنوانه موضوع وعلة للحكم، لا بما هو فرد ومصداق للجامع المنطبق عليه وعلى غيره.

 إذن، فأي حصة تُفترض للحكم لابد من أن تكون علّته منحصرة في الوصف المأخوذ في الكلام، فيثبت المطلوب، وتتمّ الدلالة على المفهوم[1] .

 هذا هو بيانه الثاني ره، وكأنه أراد في هذا البيان أن يعوّض عن القرينة الخاصّة التي افترض ره في البيان الأول قيامها على كون الوصف علّة بالقرينة العامة المستندة إلى احترازية القيد وتطابق الإثبات والثبوت والتي تُعطي الظهور الأول من الظهورات الثلاثة، وأراد هنا أن يعوّض عن القاعدة الفلسفية التي ذكرها في البيان الأول القائلة بأن الواحد لا يصدر من الكثير والتي كانت تُثبت الانحصار بالظهورين الأخيرين من الظهورات الثلاثة الذَيْن يُثبتان الانحصار كما تقدّم.

وعلى كل حال

فهذا البيان الثاني أيضاً غير تام كسابقه؛ إذ يرد عليه:

أولاً: أن الجمع بين إثبات العلّية للوصف بمقتضى الظهور الأول من الظهورات الثلاثة - وهو ظهور القيد في كونه احترازياً - وبين إثبات كون المعلول عبارة عن طبيعي الحكم بمقتضى الظهور الثالث من تلك الظهورات يستبطن التهافت؛ لأن الظهور الأول ظهور تصديقي لا تصوّري، فإن اكتشاف كون الوصف علةً وموضوعاً للحكم ثبوتاً لم يتم من خلال الدلالة التصورية للكلام كما هو واضح، -إعداد وتقرير الشيخ محسن الطهراني عفي عنه- وإنما دل الكلام على ذلك دلالةً تصديقيةً بمعنى أننا فهمنا من خلال ذكر الوصف إثباتاً أن الوصف دخيل ثبوتاً وموضوع وعلة للمدلول التصديقي والمراد الجدي للمولى.

 ومن الواضح أن المدلول التصديقي والمراد الجدي جزئي؛ لأنه عبارة عن جعلٍ لشخص الحكم قائم في نفس المولى، وهذا الجعل موجود جزئي. وحينئِذٍ فلا معنى لإجراء الإطلاق فيه وإثبات أن المعلول للوصف هو طبيعي الحكم.

 نعم، لو كان الظهور الأول تصورياً وكانت العليّة مستفادة من الدلالة التصورية لم يكن هناك تهافت بينه وبين الظهور الثالث، ولأمكن حينئذٍ أن يقال: إن الأمر يدل دلالةً تصوريةً على طبيعي الطلب، والوصف يدل دلالة تصورية أيضاً على أنه موضوع وعلة لطبيعي الطلب، فلا تهافت بينهما، ولكن الأمر ليس كذلك كما هو واضح.

والحاصل: أننا تارة

ننظر إلى قوله مثلاً: «أكرم الفقير العادل» في مرحلة دلالته التصورية، وحينئِذٍ يكون المدلول التصوري لقوله: «أكرم» عبارة عن طبيعي الطلب - بالمعنى الحرفي، أي: النسبة الإرسالية - إلا أنه لا يُفهم في هذه المرحلة من الدلالة علية العدالة لطبيعي الطلب؛-إعداد وتقرير الشيخ محسن الطهراني عفي عنه- لأن العليّة إنما تثبت بأصالة التطابق كما عرفنا، ومن الواضح أن أصالة التطابق تعيّن المدلول التصديقي والمراد الجدي؛ إذ تقول: إن كل ما أخذ تصوراً فهو مراد تصديقاً وجداً. إذن، فإثبات العليّة إنما كان في مرحلة الدلالة التصديقية لا التصورية.

وأخرى ننظر إليه

في مرحلة دلالته التصديقية، وحينئِذٍ يكون المدلول التصديقي للوصف المذكور في الكلام عبارة عن كونه علةً وموضوعاً للمدلول التصديقي والمراد الجدي، إلا أن المدلول التصديقي والمراد الجدي ليس عبارة عن طبيعي الحكم، بل هو شخص الحكم الذي هو جزئي لا معنى لإجراء الإطلاق فيه.

والخلاصة

أنه في مرحلة الدلالة التصورية يستفاد طبيعي الحكم، لكنه لا تستفاد علية الوصف، وفي مرحلة الدلالة التصديقية تستفاد العليّة، لكنه لا يستفاد طبيعي الحكم، فكلامه ره متهافت.

 هذا أولاً وبقية المطلب تأتي غداً إن شاء الله.

[1] - نهاية الدراية: ج2، ص177.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo