< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الأدلة المحرزة/الدليل الشرعي/الدليل الشرعي اللفظي/دلالة الدليل/المفاهيم/مفهوم الوصف

كان الكلام في مفهوم الوصف فقلنا إن هناك طريقين لاستفادة المفهوم من أي كلام.

الطريق الأول: استفادة المفهوم من الدلالة التصورية للكلام وهذا الطريق مشروط بشرطين:

الشرط الأول: دلالة الكلام على الربط التوقفي الالتصاقي وثانيهما دلالة الكلام على أن المتوقِّف هو طبيعي الحكم ونوعه. وقلنا إن هذين الشرطين غير متوفرين في الجملة الشرطية، وقد تقدم شرح عدم توفر الشرط الأول في الجملة الوصفية.

الشرط الثاني: فهو منتف أيضاً لعدم دلالة الكلام على أن المتوقف هو طبيعي الحكم؛ لأن هذه الدلالة إنما تتم فيما إذا جرى الإطلاق (لأن الإطلاق هو الذي يثبت الطبيعي) وإجراء الإطلاق متوقف على أن تكون النسبة بين الحكم وبين القيد (أيا كان القيد كالشرط في الجملة الشرطية والوصف في الجملة الوصفية واللقب والعدد وهكذا باقي القيود التي يبحث عنها في علم الأصول) نسبةً تامة[1]

). فمتى ما كان الدال على القيد نسبة تامة (نظير «إن زالت الشمس فصل») فيمكن إجراء الإطلاق في المتوقف (أي: في «صل»). أما إذا كان الدال على القيد نسبة ناقصة (نظير «صل عند الزوال») ولا يمكن السكوت على النسبة الناقصة، فلا يمكن إجراء الإطلاق في المتوقف (أي: في «صل»). والفرق بينهما هو أنه لطالما أن الدال على القيد دال على النسبة الناقصة (وهو قوله: «صل عند الزوال») فلابد أن تكون النسبة الناقصةُ مندكّةً في تلك النسبة التامة (التي يدل عليها «صل»). والمقصود من «مندكة» أنها أصبحت طرفاً من طرفي النسبة التامة؛ فإنه لو لم نقل بالاندماج والاندكاك فمعنى ذلك بقاؤه (أي: جملة «صل عند الزوال») على النقصان وحاجته إلى مكمِّل (وهو اتصاله بالماء الكر)، ومن الواضح والبديهي والوجداني أن هذا الكلام لا يحتاج إلى مكمل، فلا يشك عربي في أن «صل عند الزوال» يحتاج إلى مكمل. وهذا معناه أن هذه النسبة الناقصة لم تبق لحالها، أي: بما هي ناقصة، بل اندمجت واندكت في النسبة التامة التي تدل عليها هيئة «صل» وأصبحت طرفاً من طرفي (فإن النسبة الإرسالية التي تدل عليها هيئة «صل» لها طرفان: 1- المرسَل والمخاطَب، 2- الفعل وهو «الصلاة عند الزوال»، فأصبح «عند الزوال» طرفاً لهذه) النسبة التامة. أي: أصبح هذا الكلام يدل على حصة خاصة من «وجوب الصلاة» وهو وجوب الصلاة عند الزوال) لا أكثر. ولا معنى لإجراء الإطلاق في الحصة الخاصة والوجوب الخاص (وهو هذا الوجوب من الصلاة)؛ لأن الإطلاق يجري لإثبات مطلق الوجوب.

وما نحن بصدده من «أكرم الفقير العادل» نظير قوله: «صل عند الزوال». أي: هنا أيضاً نفرق بين لسان الشرط مثل قوله: «إن كان الفقير عادلاً فأكرمه»[2]

) مثلما كان يقول هناك: «إن زالت الشمس فصلّ» وبين لا بلسان الشرط «أكرم الفقير العادل».

إذن، تبين عدم إمكانية سلوك الطريق الأول (بالدلالة التصورية) في الجملة الوصفية لاقتناص المفهوم، لأن هذا الطريق الأول مشروط بشرطين هما منتفيان في الجملة الوصفية.

وأما الطريق الثاني: هو القول بأن للكلام دلالة تصديقية على مطلب هو يثبت أن الوصف علّة منحصرة لطبيعي الحكم، بأن يكون وصف العدالة علّة منحصرة لطبيعي وجوب الإكرام (مثل الجملة الشرطية أن الشرط علّة منحصرة للجزاء)، وحينئذٍ من الواضح أن بانتفاء العلّة المنحصرة ينتفي المعلول.

ولكن الصحيح هو عدم إمكان سلوك هذا الطريق أيضاً في الجمل الوصفية؛ وذلك لأن الجملة الوصفية لا تدل على ما يبرهن ويثبت انحصار علّة الحكم في الوصف؛ فمن الممكن أن يكون إكرام الفقير واجباً حتى لو لم يكن عادلاً وذلك بملاك آخر غير ملاك العدالة. فهذا الكلام لا يدل على المفهوم الذي هو انتفاء مطلق الوجوب؛ لأن هذا الكلام لا يدل على أن العدالة علّة منحصرة لوجوب الإكرام.

وبعبارة أخرى: الجملة الوصفية ليس لها مفهوم بنحو السالبة الكلية، ومعنى السالبة الكلية هو أن يدل قوله »أكرم الفقير العادل» على أن كل فقير غير عادل لا يجب إكرامه أياً كان هذا الفقير سواء كان عالماً أو هاشمياً أم لم يكن. نعم لها دلالة على المفهوم بنحو السالبة الجزئية وهذا ليس مفهوماً حسب المصطلح الأصولي. أي: معنى قوله: »أكرم الفقير العادل» هو »بعض الفقير الفاسق لا يجب إكرامه»؛ فإنه لو لم يكن يدل على هذا المقدار أيضاً فكان معناه: «وجوب إكرام كل فقير عادل» و«وجوب إكرام كل فقير فاسق»؛ فلماذا قيّد الكلام فكان عليه أن يقول: «أكرم الفقير» مطلقاً سواء العادل أم الفاسق. وهذه تدخل تحت قاعدة احترازية القيود، أي: إن المتكلم يريد أن يحترز بقيد العدالة عن الفسق.

[1] - وهذا ما شرحناه سابقاً في التنبيه الخامس من تنبيهات مفهوم الشرط حيث عقدنا ذاك التنبيه أساساً للفرق بين النسبة التامة في مثل قوله «إن زالت الشمس فصل» وبين النسبة الناقصة في مثل: «صل عند الزوال»، فذكرنا هناك فرقين بينهما أحدهما يرتبط ببحث اليوم وهو ثبوت المفهوم فيما إذا جرى الإطلاق في المتوقف وهو وجوب الصلاة، أي: مطلق وجوب الصلاة متوقِّف على الزوال، وإجراء الإطلاق في المتوقِّف منوط بأن تكون النسبة بين وجوب الصلاة وبين هذا القيد - وهو الزوال - نسبةً تامة.

[2] - »إن» تدل على توقف الجزاء على الشرط، ولكن الدال على القيد والشرط نفسه هو »كان الفقير عادلاً». سواء قلنا أداة الشرط وضعت في لغة العرب للدلالة على التوقف، أو قلنا هيئة الجملة الشرطية بكاملها (بأداتها وشرطها وجزائها) وضعت للدلالة على التوقف. وما يهمنا هنا هو أن الدال على القيد عبارة عن شيء دالٍ على النسبة التامة (»كان الفقير عادلا» و»زالت الشمس»).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo