< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الجلسة الـ39

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

البحث الثالث

حل التعارض القائم بين الظهورين المتقدمين في البحثين السابقين.

وأما البحث الثالث وهو البحث عن كيفية حل التعارض القائم بين الظهورين المتقدمين (أي: الظهور المقتضي لعدم التداخل، والظهور المقتضي للتداخل) في البحثين السابقين.

ولمعالجة هذا التعارض ذُكر وجهانِ يُقدَّم فيهما الظهور الأول على الظهور الثاني:

الوجه الأول: ما أفاده المحقق الخراساني في متن الكفاية، وهو القول بأن الظهور الأول يرفع موضوع الظهور الثاني؛ وذلك لأن الظهور الثاني وهو إطلاق المادة في الجزاء ظهور إطلاقي، ومن جملة مقدمات الحكمة عدم البيان، (كما يأتي إن شاء الله في بحث الإطلاق بأن من شروط مقدمات الحكمة أن لا يذكر المتكلم القيدَ مع أنه في مقام البيان).

بينما الظهور الأول الذي يقتضي عدم التداخل (الحدوث عند الحدوث)، ليس ظهوراً إطلاقياً ثابتاً من خلال مقدمات الحكمة، بل هو ظهور وضعي أو عرفي، ثابت بالوضع. فيكون هذا الظهور العرفي بياناً للقيد، فيرتفع موضوع الظهور الثاني وشرطه تكويناً.

أقول: بناء على التقريب الأول (وهو التقريب المشهور - والذي ناقشناه - القائل بأن للقضية الشرطية ظهورٌ في أن الشرط علة تامة للجزاء) من البحث الأول (الظهور المقتضي لعدم التداخل) لا يتم كلام المحقق الخراساني في المقام، أي: لا يكون الظهور المقتضي لعدم التداخل رافعاً لموضوع الظهور المقتضي للتداخل؛ لأنه بناء على هذا التقريب سوف يكون الظهوران متساويين، أي: يكون كلاهما ظهوراً إطلاقياً ثابتاً بمقدمات الحكمة، لا بالوضع. والسبب في ذلك ما تقدم هناك من أن ظهور القضية الشرطية في كون الشرط علةً تامةً غير مستفادٍ من الوضع اللغوي، ولا مستفاد من العرف، وإنما هو مستفاد من الإطلاق الأحوالي (الإطلاق الواوي لدى المرزا)، فهذا الإطلاق يدل على أن الجزاء مترتب على الشرط في جميع الحالات، سواء انضم إليه شيء آخر، أم لا.

أما على التقريب الثاني للظهور المقتضي لعدم التداخل - وهو ما ذكره الآخوند - حيث كانت القضية الشرطية ظاهرة في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، (وليس مسألة العلية) وقد استفاد الآخوند من هذا الظهور عدم التداخل هناك.

لكن هذا الظهور وإن لم يكن في نفسه ظهوراً إطلاقياً مستفاداً من مقدمات الحكمة، بل وضعياً أو عرفياً، لكنه وحده لا يكفي لإثبات عدم التداخل؛ لما تقدم منا في ذاك البحث بأن ثبوت عدم التداخل بهذا الظهور متوقف على شروط ثلاثة:

1- أن يكون الجزاء فعلاً من الأفعال.

2- أن يتعاقب الشرطان.

3- وعلى أن يكون الحكم الأول باقياً ومستمراً إلى زمان حدوث الشرط الثاني.

وبهذه الشروط الثلاثة قبلنا أن ظهور القضية في الحدوث عند الحدوث ظهورٌ تام يدل على عدم التداخل. فلا يكفي هذا الظهور وحده لإثبات عدم التداخل من دون هذه الشروط.

وحينئذ نقول: إما نفترض إثبات بقاء الحكم الأول إلى زمان حصول الشرط الثاني بالإطلاق الأزماني للقضية الشرطية الأولى، فيصبح الظهور المقتضي لعدم التداخل محتاجاً إلى مقدمات الحكمة والإطلاق أيضاً. فلا يتم كلام الخراساني أيضاً؛ لأن الظهورين أصبحا إطلاقيين فهما متساويان، فلا يصبح الأول رافعاً لموضوع الثاني. ولا وجه لتقديمه على الثاني.

وأما إن لم يكن هذا البقاء ثابتاً من خلال الإطلاق الأزماني (بل كان أمراً معلوماً لنا من الخارج بأن الوجوب الذي أحدثه النوم يبقى مستمراً إلى زمان البول، من دون حاجة إلى الإطلاق الأزماني)، فيتم كلام المحقق الخراساني صغروياً! أي: يكون الظهور المقتضي لعدم التداخل في هذا البحث، ظهوراً وضعياً، بينما الظهور المقتضي للتداخل ظهور إطلاقي. فتتم هذه الصغرى القائلة بأن الظهور الموجب لعدم التداخل، ظهور ثابت بالوضع، أما الظهور الموجب للتداخل، ثابت بالإطلاق.

وأما كبرى كلام المحقق الخراساني هي أنه كلما كان كذلك فالظهور الثابت بالوضع مقدَّم على الظهور الثابت بالإطلاق ورافع لموضوعه.

فنقول: إن أراد ره به أن الظهور الوضعي مقدم على الظهور الإطلاقي ورافع لموضوعه، حتى وإن كان منفصلاً عنه، كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري رض[1]

[2] .

فيرد عليه ما أورده هو في المقام (في حاشيته على الكفاية)، حيث قال: إننا لا نقبل رأي الشيخ الأنصاري، بل مختارنا هو أن المقيِّد المنفصل لا يصلح لأن يكون بياناً حتى يهدم مقدماتِ الحكمة ويبطلها ويكسرها ورافعاً لشروط الإطلاق وموضوعه. بل من جملة مقدمات الحكمة هو عدم البيان المتصل، وهذا هو الحق كما يأتي إن شاء الله في بحث الإطلاق. نعم المقيد المنفصل يهدم حجية الإطلاق، لكن الظهور يبقى موجوداً. فإذا كان المتكلم في مقام بيان مراده ولم يذكر قيداً متصلاً بهذا الكلام، حينئذ تتم مقدمات الحكمة وينعقد له الإطلاق، فلا يخرب هذا الإطلاق شيء.

وهذا إيراد صحيحٌ وَفقاً لمبناه ومبنانا القائلين بأن من مقدمات الحكمة هو عدم البيان المتصل، وليس المنفصل أيضاً.

أما إن أراد المحقق الخراساني ره أن الظهور الوضعي المعارض مع الظهور الإطلاقي متصل به وليس منفصلاً عنه، بدعوى أن التعارض هنا واقع بين ظهوري كل واحد من الجملتين، لها ظهوران. مثلاً الجملة الأولى لها ظهوران: ظهور يقتضي عدم التداخل، وهو الظهور الوضعي (الحدوث عند الحدوث) ولها ظهور ثان يقتضي التداخل، وهو الظهور الإطلاقي (أي: إطلاق مادة الوضوء في الجزاء). وكذلك الجملة الشرطية الثانية تملك هذين الظهورين.

وبعبارة أخرى: لطالما يوجد ظهوران في كل قضية، فالظهور الوضعي يرفع موضوع الظهور الإطلاقي. فلا يأتي الإشكال السابق؛ لأن الظهور الوضعي المقتضي لعدم التداخل في جملة واحدة ومتصل بذاك الظهور الإطلاقي الذي يقتضي التداخل. فمادام متصلاً فيصبح كالمقيِّد المتصل، ولا شك في أن المقيد المتصل يرفع الظهور من أساسه. فهو من قبيل أن يقول: «أكرم العالم العادل»، في جملة واحدة. فلا شك بأن المقيد المتصل يرفع أصل الظهور الإطلاقي.

فهذا الظهور الذي يقتضي عدم التداخل موجود في نفس الجملة، لكونها وضعياً لا يحتاج إلى مقدمات الحكمة، فيصلح أن يكون بَياناً لتقييد إطلاق المادة في الجزاء، فلا يبقى لها إطلاق. فيقول: حصة من الوضوء، وليس طبيعي الوضوء.

إذن، لو كان مقصود الآخوند هذا، فيسلم من إشكال الانفصال! لكن يا تُرى هل يتم كلامه؟ هذا ما سيأتي شرحه غداً.

[1] - حيث ذهب إلى أن المقيد المنفصل يرفع الإطلاق ولا يبقى للكلام ظهور في الإطلاق، وليس أنه يرفع حجيّته فحسب، فلو قال أكرم العالم في دليل، وقال في دليل منفصل: لا تكرم العالم الفاسق، فهذا المقيِّد المنفصل يهدّم ظهور الأول في الإطلاق، ولا يُبقي له ظهوراً إطلاقياً، ويرفع موضوع الإطلاق).

[2] فهل يقصد الآخوند أن الظهور الوضعي الذي يقتضي عدم التداخل يرفع موضوع الظهور الذي يقتضي التداخل، ويهدم هذا الإطلاق المقتضي للتداخل، حتى وإن كان منفصلاً عنه. بحيث يرفع قولُهُ «إن بلتَ فتوضأ» (باعتبارها ظاهرة - ظهوراً وضعياً - في حدوث الوجوب عند حدوث البول) موضوعَ الظهور الإطلاقي الموجود في القضية الأولى القائلة بأنه «إن نمت فتوضأ»، حيث لها إطلاق المادة (الوضوء) في الجزاء، فهذا الإطلاق يقتضي أن يكون الوجوب متعلقاً بطبيعي الوضوء. وهذا معناه التداخل، لأن الطبيعي لا يجتمع عليه وجوبان. فذاك الإطلاق يقتضي التداخل، بينما هذا الظهور الوضعي في القضية الثانية (الحدوث عند الحدوث) يقتضي عدم التداخل. أي: هذا الظهور الوضعي بيان للقيد، فالمادة في الجزاء ليست مطلقة بل مقيدة، أي: وضوء آخر وليس طبيعي الوضوء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo