< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه التاسع: تعدد الشرط واتحاد الجزاء من حيث تداخل الأسباب والمسببات

كان الكلام في تداخل الأسباب وعدم تداخلها، حيث طرحنا بحوثاً ثلاثةً وذكرنا عناوينها بالأمس. والبحث الأول الذي دخلنا فيه هو عبارة عن البحث عن الظهور الذي يقتضي عدم التداخل. فقلنا إن هذا له أحد تقريبين، أولهما هو تقريب المشهور والذي ذكرناه بالأمس. وهو عبارة عن ظهور منطوق الجملة الشرطية في أن الشرط علة تامة للجزاء. وهذا الظهور موجود في كل من القضيتين الشرطيتين. فإذا قال: «إن نمت فتوضأ» وقال: «إن بلت فتوضأ» فالقضية الأولى ظاهرة في أن النوم سبب تام وعلة تامة لوجوب الوضوء. وكذلك القضية الثانية. وهذا معناه أنه إذا اجتمع السببان عند المكلف فيكون قد اجتمع سببان لوجوبين. وهذا معناه عدم التداخل.

رد التقريب: وقلنا إنه يرد على هذا التقريب أن هذا الظهور الذي ادعي في هذا التقريب لا نسلم به، والقضية الشرطية ليس لها ظهور وضعي في العلية التامة للشرط بالنسبة للجزاء. وإنما العلية التامة للشرط بالنسبة للجزاء نستفيدها من الإطلاق الأحوالي أو الواوي القائل بأنه بما أن الجزاء مترتب على الشرط فإطلاق هذا الترتب لكل الحالات يستفاد منه أن الشرط علة تامة للجزاء. والمقصود من كل الحالات هو إطلاق الترتب حتى لحالة انفراد الشرط وعدم انضمام شيء آخر إليه. أي: حتى لو كان الشرط وحيداً مع ذلك الجزاء مترتب على الشرط.

فيستفاد من هذا الإطلاق أن الشرط علة تامة؛ إذ لو لم يكن الشرط علة تامة (وكان جزء علة) فكان الشرط يحتاج إلى انضمام شيء آخر إليه، بينما نحن فرضنا أنه حتى لو لم ينضم إليه شيء آخر الجزاءُ مترتب على الشرط. فتثبت العلية التامة من خلال إطلاق ترتب الجزاء على الشرط.

وحينئذ نقول: فليكن الشرط منفرداً، فإننا لا نتحدث الآن عن حالة انفراد الشرط، وإنما نتحدث في هذا التنبيه عما إذا اجتمع شرطان على المكلف، ففي هذه الحالة لا يدل إطلاق الترتب على أن النوم علة تامة؛ لاستحالة اجتماع عليتين تامتين. مع ذلك إطلاق الترتب محفوظ. أي: ترتب الجزاء على جزء العلة ترتبٌ أيضاً، حتى لو اجتمع النوم مع البول وأصبح كل منهما جزء علة وأصبح وجوب الوضوء عليهما معاً، مع ذلك يصدق أن يكون وجوب الوضوء مترتباً على النوم، من باب ترتب المعلول على جزء علته.

وعلى أي حال فإن الجزاء مترتب على هذا الشرط (والذي هو جزء علته).

وبعبارة أخرى: كون الشرط علة تامة إنما ثبت في حالة انفراد الشرط، أما في فرض اجتماع النوم مع البول لم يثبت أن النوم علة تامة. فليكن جزء علة، وإذا كان جزء علة فهذا لا ينافي الترتب. فالتمامية الثابتة لا تجدي في هذا البحث، نعم إنها تفيد في التنبيه السابق، حيث كنا نعالج التعارض القائم بين إطلاق المنطوق وإطلاق المفهوم في قوله «إن خفي الأذان فقصر» وقوله: «إن خفي الجدار فقصر»، حيث كان موضوع ذاك البحث هو حالة انفراد الشرط (أي: فيما إذا خفي الأذان وحده دون الجدار)، فقلنا إن إطلاق منطوق إن خفي الأذان يقول بوجوب القصر، لكن مفهوم الدليل الثاني كان يقول عكس ذلك، يعني كان يقول: إن لم يخف الجدار لا يجب القصر حتى لو خفي الأذان.

أما هنا في بحثنا الحالي فلا نبحث عن حالة انفراد الشرط، بل نبحث عما إذا اجتمع السببان معاً. فالعلية التامة في هذا البحث لا تجدي شيئاً، فإن الإطلاق الأحوالي على حياد عما نريده، فإنه يثبت أن الجزاء مترتب على الشرط، وهو محفوظ في المقام، سواء افترضنا أن النوم علة تامة أو افترضناه جزء علة.

هذا التقريب الأول مع إشكاله.

التقريب الثاني: لإثبات أن ظاهر الكلام عبارة عن عدم التداخل، وهو ما أفاده المحقق الخراساني ره حيث قال: إن منطوق الجملة الشرطية يشتمل على ظهورين بمجموعهما يقتضيان عدم التداخل.

الظهور الأول: هو الظهور في حدوث الحكم المذكور في الجزاء عند حدوث الشرط. نلخصه في قولنا: «الظهور في الحدوث عند الحدوث». أي: إذا حدث المجيء يحدث وجوب الإكرام. المهم يريد أن يقول أنه ليس القضية الشرطية دالة على أن مجرد ثبوت الجزاء عند حدوث الشرط، وإنما ظاهرة في أن...

الظهور الثاني: كما ذكرناه بالأمس في التقريب الأول، وهو ظهور الكلام في أن الذي يحدث هو أصل الحكم وأصل الوجوب وليس تأكده وشدته وتقّويه هو الذي يحدث، وإنما أصل الحكم يحدث. ونكتة هذا الظهور نفس النكتة التي ذكرناها بالأمس.

أما الظهور الأول - وهو المحور والمهم - كأن المحقق الخراساني استبدل به الظهور الأول الذي كان في تقريب المشهور. والسبب في هذا العدول إما للإشكال الذي أوردناه على العلية التامة بالأمس (وهو أن الكلام ليس له ظهور في العلية التامة وإنما الكلام له ظهور في ترتب الجزاء على الشرط في كل الحالات..) أو باعتبار أن المحقق الخراساني لا يقبل أصل دلالة القضية الشرطية على علية الشرط للجزاء، فضلاً عن العلية التامة.

أي: مجموع الظهورين: أصل الجزاء يثبت إذا ثبت الشرط. فهذا يقتضي عدم التداخل. أي: إذا نام ثم بال ثبت عليه وجوبان للوضوء؛ لأن بمقتضى الظهور ثبت أصل وجوب وضوء. وكذلك بمقتضى الظهور الثاني ثبت أصل وجوب آخر، وليس وجوباً مؤكِّداً للوجوب الأول. هذا كلام الآخوند الخراساني.

والتحقيق: أن هذا التقريب مقبول في الجملة، لكنه بحاجة إلى ترميم وتعديل.

توضيح ذلك: هذا التقريب يحتاج إلى افتراضات وشروط ثلاثة، يتم التقريب في حال توفرها وهي كالتالي:

الشرط الأول: أن يكون الجزاء في القضية الشرطية عبارة عن جملة فعلية، وليست جملة اسمية، مثل أمثلة النوم والبول ومجيء زيد. والسبب في اشتراط هذا الشرط هو لأن الجزاء إذا كانت جملة فعلية فسوف يكون لها دلالة على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط، لأن الجزاء إذا كان فعلاً من الأفعال فالفعل يدل على الحدوث، سواء كان فعل أمر أو ماض أو مضارع.

وعلى ضوئه لا يتم التقريب الذي ذكره المحقق الخراساني ره في فرضين:

الفرض الأول: إذا كان الجزاء جملة اسمية، مثلاً قال: «إذا جاء زيد فإكرامه واجب»، وقال في جملة أخرى: «إن قرأ زيد القرآن فإكرامه واجب». فالجزاء في كلتا القضيتين جملة اسمية. فلا يوجد هنا ظهور في الكلام يدل على حدوث الجزاء عند حدوث الشرط؛ لأن الجزاء هنا جملة اسمية والجملة الاسمية لا تدل على الحدوث؛ فإن «إكرامه واجب» لا يدل على حدوث الوجوب، وإنما يدل على مجرد ثبوت الوجوب؛ لأنه ليس فعلاً حتى يدل على الحدوث. ومجرد الثبوت لا ينفع. فإن الثبوت الفعلي أعم من الحدوث الآنَ، فقد يكون مما حدث سابقاً وبقي مستمراً إلى الآن، فهو ثابت الآن. أي: ثبوت شيء الآن أعم من أن يكون قد حدث الآن أو حدث سابقاً واستمر. فإن الحدوث أخص من الثبوت.

فإن الفعل الماضي يدل على حدوث الإخبار، بمعنى أن الإخبار حدث الآن، وقبل الآن لم يكن يوجد إخبار، وسواء في ذلك أن يكون الخبر ماضياً أو مستقبلاً وكذلك فعل الأمر الدال على الإنشاء. أي: هذا الإنشاء أو الإيجاب أو الاستفهام حصل الآن. فالفعل أياً كان يدل على الحدوث خلافاً للاسم حيث لا يدل على الحدوث.

والنتيجة أن ثبوت الوجوب لا يفيد لأنه لا ينافي التداخل. مثلاً إذا قال: «إن نمت فالوضوء واجب» وقال في كلام آخر: «إن بلت فالوضوء واجب»، فكل من الكلامين ظاهر في أن وجوب الوضوء ثابت عند حدوث النوم ووجوب الوضوء ثابت عند حدوث البول. وهذا لا ينافي التداخل. فلو فرضنا أن السببين تداخلا وأوجدا وجوباً واحداً للوضوء يصدق حينئذ أن وجوب الوضوء ثابت عند ثبوت النوم ووجوب الوضوء ثابت عند ثبوت البول.

فلا يتم كلام المحقق الخراساني على أساس هذا الشرط الأول الذي ذكرناه، في هذا الفرض الأول الذي يكون الجزاء فيه جملة اسمية.

وكذلك لا يتم كلامه على أساس فرض ثان، وهو فيما إذا كان الجزاء جملة فعلية، لكنها ملحقة بالجملة الاسمية - لنكتةٍ ولسببٍ - كما في مثال الأذان، فإن الجزاء «فقصر» وإن كانت جملة فعلية، لكن هذا الجزاء في الحقيقة لا يدل على حدوث وجوب القصر؛ لأنه قوله «إن خفي الأذان فقصر» ليس من أدلة تشريع وإيجاب الصلاة، أي: هذا الكلام لا يدل على إيجاب مستقل للقصر وراء إيجاب الصلاة. وإنما هي إرشاد إلى أن صلاتك قصر. فكأنه يريد أن يقول: «إن خفي الأذان فصلاتك قصر»، مثلما يقال: «إن جاء زيد إكرامه واجب». فهذا القول وإن كان فيه فعل، ولكنه فعل ملحق بالاسم، أي: يدل على ثبوت وجوب القصر، ولا يدل على أن بخفاء الأذان حدث وجوب مستقل، بل نفس الوجوب السابق، ولكن الواجب اختلفت تركيبته. فلا يكون الكلام هنا دالاً على الحدوث عند الحدوث وإنما يدل على مجرد ثبوت الجزاء عند حدوث الشرط. وعليه فهذا لا ينافي التداخل كما هو واضح.

أي: لم يحدث وجوب جديد بموجب قوله «إن خفي الأذان فقصر».أي: «قصر» وإن كان فعل أمر ولكن هنا بالخصوص لا يدل على حدوث وجوب. أي: الظهور الذي يريده الآخوند ليس موجوداً هنا. وهو الظهور في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط. فلا يتم كلامه، رغم أن الجزاء فعل، لكنه فعل ملحق بالاسم.

وعليه فالكلام لا ينافي التداخل كما هو واضح، وللكلام تتمة تأتي إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo