< فهرست دروس

الاستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/01/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشرط / تنبيهات مفهوم الشرط / التنبيه الثامن: تعدد الشرط واتحاد الجزاء في دليلين

كنا نتحدث عن معالجة التعارض بين إطلاق المنطوق في كل من الدليلين الواردين، بناء على مبنانا المختار في مفهوم الشرط، والذي تقدمت الإشارة إليه بالأمس. فبناء على هذا المبنى وهذا الرأي يبقى الظهور الوضعي لكل من الدليلين على أصل التوقف محفوظاً، وسوف يفيدنا هذا الظهور في بعض الموارد، ولا مبرر لانثلامه. ولكن يتظاهر الإطلاقان الآخران: «إطلاق التوقف» و«إطلاق المتوقف» كما شرحنا بالأمس. ويتم التعارض في فرض خفاء أحدهما دون الآخر. أما في فرض خفائهما معاً فلا تعارض ولا مشكلة؛ لأن هذا (خفاء كلا الأمرين) هو القدر المتقين من المنطوقين.

والنتيجة التي وصلنا إليها بناءًا على الرأي المختار في مفهوم الشرط هو بقاء الظهور الوضعي لكل من الدليلين في المقام على أصل التوقف والالتصاق محفوظاً، وبهذا الظهور يُنفى وجود عدل آخر، أي: يُنفى الثالث ولكن يتعارض الإطلاقان المذكوران - أي: إطلاق التوقف والالتصاق وإطلاق المتوقِف والملتصِق - في فرض خفاء أحدهما - أي الأذان أو الجدار - دون الآخر؛ إذ في فرض خفائهما معاً لا ريب في وجوب القصر، لأنه القدر المتيقن من المنطوقين، وفي فرض عدم خفاء شيء منهما لا ريب في عدم وجوب القصر؛ لأنه القدر المتقين من المفهومين، وأما في فرض خفاء أحدهما دون الآخر فيشك في وجوب القصر وعدمه؛ إذ على تقدير أن يكون إطلاق التوقف والالتصاق قد تقيَّد، لا يجب القصر، وعلى تقدير أن يكون إطلاق المتوقِف والملتصِق قد تقيَّد يجب القصر، وحيث أننا نعلم إجمالاً من مجموع الدليلين بأن أحد التقييدين قد حصل قطعاً - كما تقدم - فيقع التعارض لا محالة بين إطلاق التوقف والالتصاق في كل من الدليلين وإطلاق الملتصِق والمتوقِف في الدليل الآخر، وفيه يسري التعارض أيضاً إلى داخل كل دليل بين إطلاق التوقف فيه وإطلاق المتوقف فيه وذلك بنفس نكتة السريان التي ذكرناها عند الكلام حول المقطع الثاني من كلام المحقق النائيني ره وهي عبارة عن التلازم بين الإطلاقين، فإطلاق التوقف في كل دليل يلازم إطلاق التوقف في الدليل الآخر ثبوتاً وسقوطاً وذلك لعدم معقولية أن يكون أحد التوقفين مطلقاً وثابتاً في جميع الحالات ويكون التوقف والالتصاق الآخر مختصاً بحالة خاصة؛ إذ يلزم لغوية التوقف والالتصاق الآخر وعليه فما يعارض أحدهما يعارض الآخر، فإطلاق المتوقِف في هذا الدليل إذا كان معارضاً لإطلاق التوقف في ذاك الدليل، إذن فهو معارض أيضاً لإطلاق التوقف في نفس هذا الدليل، وذلك لأن ملازم المعارض معارض.

وعليه فإذا خفي الأذان مثلاً دون الجدار يقع التعارض بين إطلاق التوقف والالتصاق في قوله: «إن خفي الأذان فقصّر» وإطلاق المتوقِف والملتصِق في قوله: «إن خفي الجدار فقصّر»، فمقتضى الأول وجوب القصر؛ لأنه يدل على أن توقف وجوب القصر على خفاء الأذان والتصاقه به ثابت في جميع الحالات حتى في حالة عدم خفاء الجدار، بينما مقتضى الثاني عدم وجوب القصر، لأنه يدل على أن جميع حصص وجوب القصر متوقِفة على خفاء الجدار وملتصقة به، فبانتفاء خفاء الجدار ينتفي وجوب القصر نهائياً، وإذا انعكس الأمر بأن اختفى الجدار دون الأذان يقع التعارض بين إطلاق التوقف والالتصاق في قوله: «إن خفي الجدار فقصّر» وإطلاق المتوقِف والملتصق في قوله: «إن خفي الأذان فقصّر»، فمقتضى الأول وجوب القصر، لأنه يدل على أن توقف وجوب القصر على خفاء الجدار والتصاقه به ثابت في جميع الحالات حتى في حالة عدم خفاء الأذان، بينما مقتضى الثاني عدم وجوب القصر؛ لأنه يدل على أن جميع حصص وجوب القصر متوقفة على خفاء الأذان وملتصقة به، فبانتفاء خفاء الأذان ينتفي وجوب القصر نهائياً.

إذن، يقع التعارض بين الإطلاقين بالنحو المذكور ومنه يسري التعارض إلى داخل كل دليل - كما عرفت - ومع عدم المرجح لأحد الإطلاقين على الآخر يتساقطان، ونرجع - في مورد التعارض والتساقط (وهو فرض خفاء أحدهما دون الآخر) - إلى سائر المراجع والأصول اللفظية - إن كانت - أو العملية إن لم تكن، وأما مع وجود المرجح لأحد الإطلاقين على الآخر فيقدَّم ما فيه المرجِّح ويُؤخذ به ويُقيَّد الآخر، كما إذا فهم العرف بحسب ذوقه العرفي ومناسبات الحكم والموضوع المركوزة في ذهنه أن كلاً من الشرطين المذكورين في الدليلين علة تامة مستقلة للجزاء، وموضوع برأسه للحكم، فإنه حينئذ يقدّم المنطوق على المفهوم، أي: يقدّم إطلاق التوقف والالتصاق على إطلاق المتوقِف والملتصِق؛ إذ يرى العرف حينئذ بفهمه العرفي أن الإطلاق الثاني غير مراد وبذلك ينحل العلم الإجمالي بكذب أحد الإطلاقين، من قبيل ما إذا ورد في دليل: «الماء إن بلغ قد كرّ لا ينجسه شيء» وورد في دليل آخر: «الماء إن كانت له مادّة لا ينجّسه شيء»؛ فإن مقتضى المنطوق وإطلاق التوقف والالتصاق في كل من الدليلين هو أن التصاق الجزاء بالشرط وتوقفه عليه ثابت في جميع الحالات حتى في حالة عدم وجود الشرط الآخر، وهذا معناه أن كلاً من الشرطين علة تامة مستقلة للجزاء، وموضوع برأسه للحكم، وليس مجموع الشرطين علة للجزاء وموضوعاً للحكم، بينما مقتضى المفهوم وإطلاق المتوقِف والملتصِق في كل من الدليلين هو أن جميع حصص الحكم المذكور في الجزاء ملتصِقة بالشرط ومتوقِفة عليه حتى تلك الحصة الملتصقة بالشرط الآخر والمتوقفة عليه، وهذا معناه أن كلاً من الشرطين جزء العلة للجزاء، ومجموعهما علة تامة له وموضوع للحكم.

ففي مثل هذا المورد يوجد مرجح للمنطوق على المفهوم، أي: هناك مرجح لإطلاق التوقف والالتصاق على إطلاق المتوقِف والملتصِق، وهذا المرجح هو الفهم العرفي، حيث أن العرف يفهم بحسب ذوقه العرفي ومناسبات الحكم والموضوع المركوزة في ذهنه أن كلاً من كرية الماء وثبوت المادة له علة تامة مستقلة لاعتصامه وعدم تنجسه بملاقاة النجس أو المتنجس؛ فإن العرف يستظهر من الدليل الأول أن نفس كثرة الماء - في الماء الكر - هو الموجب للحكم باعتصامه من قبل الشارع وإن لم تكن له مادّة، كما أنه يستظهر أيضاً من الدليل الثاني أن نفس وجود المادة للماء هو الموجب لحكم الشارع باعتصامه وإن لم يكن كراً، وهذا معناه أن العرف بفهمه العرفي يقدم المنطوق على المفهوم في مثل هذا المورد ويرى أن كلاً من الأمرين - الكرية وثبوت المادة - علة، أي: يقدّم إطلاق التوقف والالتصاق على إطلاق المتوقِف والملتصِق.

إذن، فلا ينتهي الأمر بنا في مثل هذا المورد إلى تساقط الإطلاقين والرجوع إلى سائر المراجع والأصول اللفظية أو العملية، وهذا بخلاف المورد والمثال الذي كنا نتحدث عنه في هذا التنبيه - وهو ورود مثل قوله: «إن خفي الأذان فقصّر»، وقوله: «إن خفي الجدار فقصّر» - فإنه هناك لم يكن يوجد مثل هذا المرجح والفهم العرفي الذي يقدّم إطلاق التوقف والالتصاق على إطلاق المتوقِف والملتصِق.

وبهذا يتم الكلام في معالجة التعارض في المقام بناءًا على المبنى الثاني من مباني القول بمفهوم الشرط، وهو المبنى المختار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo