< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

وفيه أنَّ أصالة التَّطَابُق هذه إِنَّمَا تقتضي مطابقة الْمَدْلُول التَّصديقيّ للمدلول التَّصوُّريّ فيما إذا كان المدلول التَّصديقي مُوَازِياً لنفس ذاك الْمَدْلُول التَّصوُّريّ دون ما إذا كان مُوَازِياً لمدلولٍ تصوُّريٍّ آخر، فلا يمكن إثبات لزوم كون الْمَدْلُول التَّصديقيّ للكلام فِي المقام مُوَازِياً لمفاد الْجَزَاء من خلال أصالة التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصديقيّ للكلام والمدلول التَّصوُّريّ لِلْجَزَاءِ.

وبعبارة أوضح: أنَّ جريان أصالة التَّطَابُق المذكورة فيما نحن فيه موقوف على أن يكون الْمَدْلُول والمراد التَّصديقيّ الْجِدِّيّ لِلْمُتِكَلِّمِ فِي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة القائلة مثلاً: «إن جاءك زيد فأكرمه» هو الإرسال وَالطَّلَب المنوط والمرتبط بِالشَّرْطِ (الَّذي هو موازٍ ومطابق مع النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة والطلبية المنوطة بِالشَّرْطِ الَّتي هي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلْجَزَاءِ) فإذا ثبت ذلك، فحينئذٍ تجري أصالة التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصديقيّ والمدلول التَّصوُّريّ وتُثبت أن الطّلب المراد جِدّاً مطابق فِي خصوصياته وتفاصيله تماماً مع النِّسْبَة الطَّلبيَّة الَّتي فهمناها تصوُّراً من الْجَزَاء.

 أَمَّا إذا لم يكن الْمَدْلُول والمراد الْجِدِّيّ التَّصديقيّ لِلْمُتِكَلِّمِ فِي هذه الْقَضِيَّة أساساً هو الإرسال وَالطَّلَب المرتبط بِالشَّرْطِ، بل كان عبارة عن قصد الكشف عن الرَّبْط بين الشرط وبين الإرسال وَالطَّلَب (الَّذي هو موازٍ ومطابق مع الرَّبْط التَّصوُّريّ الَّذي نفهم من هيئة الجملة الشَّرْطِيَّة) فلا معنى حينئذٍ لإجراء أصالة التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصديقيّ للكلام والمدلول التَّصوُّريّ لِلْجَزَاءِ؛ إذ لم يكن الْمَدْلُول التَّصديقيّ أساساً مُوَازِياً لِلْجَزَاءِ، بل كان مُوَازِياً لهيئة الجملة الشَّرْطِيَّة.

وَالْحَاصِلُ: كما أن هناك مدلولاً تصوُّريّاً لِلْجَزَاءِ مُرْتَبِطاً بِالشَّرْطِ وهو عبارة عن النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة، كذلك هناك مدلول تصوُّريّ لهيئة الجملة الشَّرْطِيَّة وهو عبارة عن الرَّبْط بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فلا بُدَّ من أن يثبت أوَّلاً أن الْمَدْلُول التَّصديقيّ موازٍ للمدلول التَّصوُّريّ الأوّل دون الثَّانِي، كي تجري أصالة التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصديقيّ والمدلول التَّصوُّريّ لتُثبت مطابقتهما فِي الجزئيات والخصوصيات، بينما نحن لم نُثبِت بعدُ كون الْمَدْلُول التَّصديقيّ للقضية الشَّرْطِيَّة مُوَازِياً لِلْجَزَاءِ، بل هو محلّ الكلام؛ فأصالة التَّطَابُق متوقّفة على موازاة الْمَدْلُول التَّصديقيّ لِلْجَزَاءِ، فكيف يُعقل إثبات هذه الموازاة بأصالة التَّطَابُق؟!

والصحيح هو أن الظَّاهِر من الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة كون مدلولها التَّصديقيّ مُوَازِياً لمفاد هيئة الجملة الشَّرْطِيَّة، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً من أَنَّهُ فِي عالَم الدِّلاَلَة التَّصوُّريَّة (أي: بحسب الْمَدْلُول التَّصوُّريّ) تكون النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة (الَّتي هي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لجملة الْجَزَاء فِي الموارد الَّتي يكون الْجَزَاء فيها جملة إنشائية طَلَبِيَّة) طرفاً لِلنِّسْبَةِ الربطية (الَّتي هي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ للجملة الشَّرْطِيَّة ككل كما تقدّم (فإن النِّسْبَة الربطية نسبة بين مفاد الشرط ومفاد الْجَزَاء، وليست النِّسْبَة الربطية طرفاً لِلنِّسْبَةِ الإِرْسَالِيَّة، بل النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة الثَّابِتَة فِي الْجَزَاءِ نسبة قائمة بطرفين مستقلين لها (وهما فِي مثل قولنا: «إن جاء زيد فأكرمه» عبارة عن المخاطب وإكرام زيد).

 وعليه، فإذا لم تكن النِّسْبَة الربطية طرفاً لِلنِّسْبَةِ الإِرْسَالِيَّة بِحَسَبِ عَالَم الدّلاَلَةِ التَّصوُّريَّة، بل كانت بحسب الْمَدْلُول التَّصوُّريّ نسبةً قائمة بين طرفين:

 أحدهما: مفاد الشرط (أي: مجيء زيد فِي المثال).

 والآخر: مفاد الْجَزَاء (أي: النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة المذكورة).

 إذن، فالمركز والمحور والمنظور الأساسي فِي عَالَم الدّلاَلَةِ التَّصوُّريَّة ومن بين المداليل التَّصوُّريَّة الموجودة فِي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة عبارة عن النِّسْبَة الربطية، لا النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة. فكأنما جيء بِالنِّسْبَةِ الإِرْسَالِيَّة كي يَتُِمّ بها طرفاً النِّسْبَة الربطية.

 وحينئِذٍ فلو كان الْمَدْلُول التَّصديقيّ والمنظور الأساسي للقضية الشَّرْطِيَّة فِي عالَم الدِّلاَلَة التصديقية مُوَازِياً وَمُطَابقاً لهذه النِّسْبَة الربطية الَّتي هي المنظور الأساسي لها فِي عَالَم الدّلاَلَةِ التَّصوُّريَّة (أي: كان مُوَازِياً لمفاد هيئة الجملة الشَّرْطِيَّة) تطابَق الْمَدْلُول التَّصديقيّ للقضية مع الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لها، وأمّا لو كان الْمَدْلُول التَّصديقيّ للقضية مُوَازِياً لِلنِّسْبَةِ الإِرْسَالِيَّة (أي: لمفاد جملة الْجَزَاء) انعكست المسألة ولم يحص التَّطَابُق بين عَالَم الدّلاَلَةِ التصديقية وعالَم الدِّلاَلَة التَّصوُّريَّة؛ إذ أصبح المنظور الأساسي فِي عالم الدِّلاَلَة التصديقية عبارة عن النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة وأصبحت النِّسْبَة الربطية منظورةً بالتبع، بينما المنظور الأساسي فِي عالَم الدِّلاَلَة التَّصوُّريَّة عبارة عن النِّسْبَة الربطية كما تقدّم قبل قليل.

 فمقتضى أصالة التَّطَابُق بين مقام الإثبات (أي: عَالَم الدّلاَلَةِ التَّصوُّريَّة) ومقام الثُّبوت (أي: عَالَم الدّلاَلَةِ التصديقية) هو أن الْمَدْلُول التَّصديقيّ للقضية موازٍ لمدلولها التَّصوُّريّ (أي: النِّسْبَة الربطية، لا النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة). أي: أن مصبّ القصد والإرادة الجدّيَّة فيها عبارة عن الكشف عن الرَّبْط بين مفاد الشرط ومفاد الْجَزَاء، أي: الرَّبْط بين مجيء زيد ووجوب إكرامه فِي المثال، وليس عبارة عن مفاد الْجَزَاء المرتبِط بِالشَّرْطِ، أي: وجوب إكرام زيد المرتبِط بالمجيء.

 إذن، فظاهر الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة عدم سريان الرَّبْط من الْمَدْلُول التَّصوُّريّ إلى الْمَدْلُول التَّصديقيّ؛ لأَنَّ ظاهرها كما تقدّم آنِفاً هو كون مدلولها التَّصديقيّ مُوَازِياً لمفاد هيئة الجملة الشَّرْطِيَّة، لا لمفاد الْجَزَاء. وقد قلنا: إِنَّه عندما يكون الْمَدْلُول التَّصديقيّ للقضية مُوَازِياً لمفاد هيئة الجملة الشَّرْطِيَّة لا يسري الرَّبْط إلى الْمَدْلُول التَّصديقيّ.

 وبهذا تَمَّ الكلام عن الجهة الثَّانية، وهي عبارة عن البحث عن دلالة الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة على ربط الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ، وقد عرفت أنَّها تَدُلّ على ذلك، وأن الظَّاهِر منها هو أن هذا الرَّبْط لا يسري إلى الْمَدْلُول التَّصديقيّ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo