< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

31/02/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

إلاَّ أن هذا الطَّرِيق أيضاً مسدود عَلَىٰ الرَّأْيِ الْمَشْهُورِ، ولا يمكن قياس الاِسْتِفْهَام بالحكم؛ إذ لَيْسَ للاستفهام جعل ومجعول كي يُناط جعله بفرض الشرط، ومجعوله بوجود الشرط خارجاً؛ فَإِنَّ الاِسْتِفْهَامَ حالة وجدانية لا اعتبارية كي يُتصوَّر فيها ما يُتصوّر فِي الأحكام من مرتبتين.

وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّ الاِسْتِفْهَامَ لَيْسَ حاله حال «الوجوب» كي يُتصوّر له جعل ومجعول، بل حاله حال «جعل الوجوب»، فَكَمَا أَنَّ «الجعل» أمر وجداني وليس له مرتبتان؛ إذ لَيْسَ أمراً اعتباريّاً، كذلك «الاِسْتِفْهَام» أمر وجداني لا اعتباري، فلا معنى لافتراض مرتبتين له.

 إذن، فلا يمكن للرأي الْمَشْهُور إثبات كون الاِسْتِفْهَام مَنُوطاً ومشروطاً بالوجود التَّقْدِيرِيّ لِلشَّرْطِ كما يريده الاحتمال الثَّالث الصَّحِيح.

 وعليه، فالاحتمال الثَّالث لا ينسجم مع الرَّأْي الْمَشْهُور، وبهذا يتكون لدينا دليل على بطلان ما تبنّاه المذهب الْمَشْهُور وصحّة ما تبناه المُحَقِّق الإِصْفِهَانِيّ رحمه الله.

 هذا هو الدَّلِيل الَّذي تبرع به سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رحمه الله للاستدلال على مُدَّعَى المُحَقِّق الإصفهاني رحمه الله، إلاَّ أَنَّهُ رحمه الله ناقشه وَقَالِ: إِنَّ الصَّحِيحَ بطلان هذا الدَّلِيل، وذلك:

أما أوَّلاً: فَلأَنَّ بالإمكان اختيار الاحتمال الثَّانِي وهو كون الاِسْتِفْهَام مَنُوطاً بالوجود الخارجيّ لِلشَّرْطِ، مِنْ دُونِ استلزام ذلك عدم فِعْلِيَّة الاِسْتِفْهَام (رغم عدم إمكان استفادة فِعْلِيَّة الاِسْتِفْهَام حينئذٍ من نفس اللَّفظ والكلام، باعتبار أن دلالته على إناطة الاِسْتِفْهَام وربطه بوجود الشرط خارجاً، وهو لم يوجَد بعدُ حَسَبَ الْفَرْضِ)؛ وذلك لوجود قرينةٍ عُرْفِيَّة فِي المقام يمكن بواسطتها استفادة فِعْلِيَّة الاِسْتِفْهَام، وهي عبارة عن نفس توجيه هذا الكلام والخطاب (وهو قوله: إن جاء زيد فهل تكرمه؟)؛ فإِنَّهُ قرينة عُرْفِيَّة على طلب الجواب فعلاً. وهذا لا يعني سوى كون الاِسْتِفْهَام فعليّاً.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَدْلُول التَّصوُّريّ للجملة وإن كان عبارة عن ربط الاِسْتِفْهَام وإناطته بوجود الشرط خارجاً، إلاَّ أَنَّهُ بقرينة توجيه الخطاب يُعرف أن مقصود الْمُتِكَلِّم هو الاِسْتِفْهَامُ الفعليّ وطلب الجواب فعلاً؛ فالمقصود الْجِدِّيّ والمدلول التَّصديقيّ لجملة «إن جاء زيد فهل تكرمه؟» هو أَنَّهُ هل تكرم زَيْداً إن جاء؟

 إذن، فالاحتمال الثَّانِي تامّ ولا إِشْكَال فيه، فلم ينحصر الاحتمال الصَّحِيح بالاحتمال الثَّالث الَّذي لا ينسجم مع الرَّأْي الْمَشْهُور، كي يَتُِمّ هذا الدَّلِيل.

وأمّا ثانياً: فَلأَنَّ الإشكال الَّذي كان يورد على الاحتمال الثَّانِي (وهو استلزامه عدم فِعْلِيَّة الاِسْتِفْهَام) يرد على الاحتمال الثَّالث أيضاً، لو قطعنا النَّظَر عمَّا ذكرناه من القرينة الْعُرْفِيَّة، وبالتَّالي فإن إِشْكَال لزوم عدم فِعْلِيَّة الاِسْتِفْهَام يرد حتّى على مبنى المُحَقِّق الإِصْفِهَانِيّ رحمه الله؛ لأَنَّ الاحتمال الثَّالث المنسجم مع مبناه رحمه الله يفترض الْجَزَاء (وهو الاِسْتِفْهَام) مَنُوطاً وَمُرْتَبِطاً بالوجود التَّقْدِيرِيّ الفرضي لِلشَّرْطِ كما تقدّم.

وحينئِذٍ نتساءل: هل هو منوط ومرتبط بفرض الشرط وتقديره بما هو فرض وتقدير، أم هو منوط ومرتبط به بما هو مرآة للمفروض والمقدَّر وفانٍ فيه؟

فإن قيل بالأول: لزم منه أن يكون الحكم المشروط فعليّاً بشأن المُكَلَّف، قبل تحقّق شرطه خارجاً، فإذا قال المولى مثلاً: «إن جاء زيد فأكرمه، فَحَيْثُ أَنَّ الْجَزَاء (وهو وُجُوب الإِكْرَامِ) أُنيط بفرض الشرط وتقديره بما هو فرض وتقدير، وهذا الفرض والتقدير فعلي قبل تحقّق الشرط خارجاً، فلا بُدَّ من الالتزام بأن وُجُوب الإِكْرَامِ يصبح فعليّاً على المُكَلَّف من الآنَ ويجب عليه امتثاله حتّى قبل تحقّق المجيء، وهذا خُلف كون الحكم مشروطاً ولا يلتزم به أحد حتّى المُحَقِّق الإِصْفِهَانِيّ رحمه الله نفسه.

وإن قيل بالثّاني: وهو كون الْجَزَاء مَنُوطاً بفرض الشَّكّ بما هو فانٍ فِي المفروض ويُرى به المفروض والوجود الخارجيّ لِلشَّرْطِ، فلا يلزم منه الإشكال المتقدّم آنِفاً بِالنِّسْبَةِ إلى الحكم المشروط؛ لأَنَّ الحكم أُنيط بفرض وجود الشرط بما هو عين وجود الشرط خارجاً، فلا يكون فعليّاً إلاَّ حين فِعْلِيَّة الشرط ووجوده خارجاً.

لكن يرد عليه فِي المقام أنَّ الْجَزَاء لمَّا كان عبارة عن الاِسْتِفْهَامِ كما هو المفروض، إذن فقد أنيط الاِسْتِفْهَامُ بفرض وجود الشرط بما هو عين وجود الشرط خارجاً، فلا يكون الاِسْتِفْهَامُ فعليّاً إلاَّ حين فِعْلِيَّة الشَّرطِ ووجوده خارجاً. فحال الاِسْتِفْهَامِ حينئذٍ حال الحكم المشروط. وحينئِذٍ فيعود الإشكال؛ إذ يقال: كيف أصبح الاِسْتِفْهَامُ فعليّاً مع عدم فِعْلِيَّة الشرط خارجاً؟

 إذن، فالاحتمال الثَّالث لا يدفع إِشْكَال عدم فِعْلِيَّة الاِسْتِفْهَام، وَالَّذِي يدفعه هو ما ذكرناه من القرينة الْعُرْفِيَّة.

 وبهذا يثبت أن الاحتمال الثَّالث على فرض صحته غير متعيَّن؛ لتمامية الاحتمال الثَّانِي أيضاً، ومعه فلا يَتُِمّ الدَّلِيل المذكور للاستدلال به على مبنى المُحَقِّق الإِصْفِهَانِيّ رحمه الله.

 وبهذا البيان اتَّضَحَ ضعف مناقشة السَّيِّد الهاشميّ حفظه الله فِي المقام لكلام سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رحمه الله، حيث قاس الاِسْتِفْهَام بالإيجاب وافتَرَضَ لكل منهما إنشاءً ومُنْشِئاً أو (بتعبير آخر) جعلاً ومجعولاً، وجَعَل إنشاء الاِسْتِفْهَامِ أو الإيجاب فعليّاً، والمُنشَأ منوطاً بفرض تحقّق الشرط وتقديره، وقال: حيث أن الَّذي يدخل فِي العهدة فِي باب التكاليف إِنَّمَا هو المنشأ والحكم الفعلي المجعول، لا الإنشاء والجعل، لذا لا يجب الامتثال إلاَّ حين تحقّق الشرط خارجاً، بينما الَّذي يحتاج إلى جواب فِي باب الاِسْتِفْهَام هو نفس إنشاء الاِسْتِفْهَام الفعلي كان لا بُدَّ من الإجابة.

 ووجه الضَّعْف فِي هذه المناقشة ما عرفته من عدم إمكان قياس الاِسْتِفْهَام بالحكم؛ إذ لَيْسَ للاستفهام إنشاء ومُنشأ، وجعل ومجعول، كي يُناط جعله وإنشاؤه بفرض الشرط وتقديره الَّذي هو فعلي، بل هو عبارة عن حالة وجدانية، بخلاف الحكم الَّذي هو أمر اعتباري لا وجداني، فيعقل افتراض مرتبتين له.

 وتأتي تتمة الكلام غداً إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo