< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/11/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مفهوم الشَّرْطِ/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كانَ الكلامُ في تعريف الْمَفْهُوم، وانتهينا إلى التَّعْرِيف الَّذي أفاده المُحَقِّق الخُراسانيّ وهذا نص عبارته:

«

المفهوم - كما يظهر من موارد إطلاقه - هو عبارة عن حكم إنشائيّ أو إخباري تستتبعه خصوصيّة المعنى الذي أريد من اللفظ، بتلك الخصوصيّة ولو بقرينة الحكمة، وكان يلزمه لذلك، وافَقَه في الإيجاب والسلب أو خالفه».

أقول: لنا على كلامه رَحِمَهُ اللَهُ تعليقان كما أفاد سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رَحِمَهُ اللَهُ:

الأوّل: حول العبارة الأخيرة الَّتي عَمَّمَ فيها التَّعْرِيف لمفهوم الموافقة؛ فَإِنَّ هذا التعميم فِي غير محلّه؛ لأَنَّ التَّعْرِيف الَّذي ذكره رَحِمَهُ اللَهُ لا يشمل مفهوم الموافقة ولا ينطبق عليه؛ وذلك لأَنَّ مفهوم الموافقة لأصل الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ، لا لِخُصُوصِيَّتِهِ. فمثلاً قوله تعالى: ﴿ ولا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما﴾(- سورة الإسراء (17): الآية 23.) يَدُلّ على حرمة شتم الأبوين أو ضربهما بالأولوية، وهذا هو مفهوم الموافقة، وهذه الْحُرْمَة لازم لنفس حرمة قول ﴿أفٍّ﴾ لهما، ومستفادة من نفس معنى اللَّفظ، لا من خُصُوصِيَّته، فنفس حرمة قول «أف لهما» تستلزم حرمة شتمهما وضربهما، لا أن خُصُوصِيَّتها تستلزم ذلك.

 فمفهوم الموافقة يعتبر من هذه الجهة مثل سائر الْمَدَالِيلِ الاِلْتِزَامِيَّةِ الَّتي هي لوازم لأصل الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ لا لِخُصُوصِيَّتِهِ، فهو مثل وجوب المقدّمة خارج عن التَّعْرِيف المذكور.

 وطبعاً لا نقصد من هذا التعليق أن نعترض على التَّعْرِيف الَّذي ذكره رَحِمَهُ اللَهُ بعدم شموله لمفهوم الموافقة؛ لأَنَّ المفروض فِي تعريف المفهوم فِي هذه السلسة من البحوث هو ذلك، أي: أن لا يكون شاملاً لمفهوم الموافقة.

 إذن، فالتعريف الَّذي ينبغي أن يُذكر للمفهوم فِي هذه البحوث هو التَّعْرِيف الَّذي لا يشمل مفهوم الموافقة؛ إذ المقصود من المفهوم الَّذي يبحث عنه فيها هو مفهوم المخالفة دون مفهوم الموافقة. ولذا نراهم يبحثون فيها عنه دون أن يبحثوا عن مفهوم الموفقة.

 فليس ما ذكرناه إشكالا على أصل التَّعْرِيف، وإنَّما نقصد فِي هذا التَّعْلِيقِ أن نقول: إن ما ذكره رَحِمَهُ اللَهُ من التَّعْرِيف يتهافت مع ما اعتَرَف به رَحِمَهُ اللَهُ من دخول مفهوم الموافقة فيه؛ فَإِنَّ التَّعْرِيف المذكور لا يدخل فيه مفهوم الموافقة.

الثَّانِي: حول أصل التَّعْرِيف الَّذي ذكره رَحِمَهُ اللَهُ؛ فإِنَّهُ يرد عليه أَنَّهُ ربما يكون المفهوم عبارة عمَّا يستلزمه إطلاق المنطوق، لا خُصُوصِيَّة داخلة فِي المنطوق وثابتة لِلْمَدْلُولِ الْمُطَابَقِيّ بالوضع، وذلك بناءًا على أن الانحصار فِي الْقَضِيَّة الشَّرْطِيَّة (الَّذي يستلزم ثبوت مفهوم الشَّرْط) ليس مدلولاً وَضْعِيّاً للقضية الشَّرْطِيَّة، بل هو مِمَّا يستلزمه إطلاق الْقَضِيَّة، كما ذهب إليه البعض فِي مفهوم الشَّرْط، وذكره المُحَقِّق الخُراسانيّ رَحِمَهُ اللَهُ وناقشه فِي محلّه مع تسليمه بتسميته مفهوماً على فرض صحَّة المبنى.

 إذن، فلا إشكال فِي أن مفهوم الشَّرْط بناءًا على هذا المبنى داخل فِي المفهوم المصطلح، مع أَنَّهُ مِمَّا استلزمه إطلاق الْقَضِيَّة المستلزم للانحصار المستلزم للمفهوم (وهو الانتفاء عند الانتفاء)؛ فإطلاق الْقَضِيَّة قد استلزم المفهوم بالواسطة وحينئِذٍ فإن كان استلزام إطلاق الْقَضِيَّة لمعنىً كافياً فِي تسمية ذاك المعنى بـ«المفهوم» اصطلاحا، كما يرشدنا إلى ذلك ما ذكره رَحِمَهُ اللَهُ فِي التَّعْرِيف من قوله: «ولو بقرينة الحِكْمَة..» لزم عدم كون التَّعْرِيف مانعاً؛ لشموله لبعض الْمَدَالِيلِ الاِلْتِزَامِيَّة الَّتي لا تعتبر من الْمَفَاهِيم اِصْطِلاَحاً؛ فَإِنَّ المفهوم إذا كان عبارة عمَّا هو لازم لِخُصُوصِيَّة المعنى والْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ حتّى وإن كانت هذه الْخُصُوصِيَّة مستفادة من المعنى بمعونة الإطلاق ومقدّمات الحِكْمَة ولم تكن ثابتة له بالوضع وداخلة فِي الْمَدْلُول الوضعيّ للكلام.

 إذن، فينبغي أن يُجعل وجوب المقدّمة مثلاً من الْمَفَاهِيم، وذلك بناءًا على بعض المسالك فِي دلالة الأمر على الوجوب، وهو مسلك المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ رَحِمَهُ اللَهُ القائل بأن الأمر بالشيء يَدُلّ على وجوبه بالإطلاق لا بالوضع؛ فَإِنَّ وجوب مقدّمة ذاك الشَّيْء حينئذٍ يكون مِمَّا استلزمه إطلاق الأمر المستلزم لوجوب ذي المقدّمة المستلزم لوجوب المقدّمة. فإطلاق الْقَضِيَّة قد استلزم وجوب المقدّمة بالواسطة، فَكَمَا أَنَّ مفهوم الشَّرْط (وهو الانتفاء عند الانتفاء) لازم لِخُصُوصِيَّة الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ (الَّتي هي عبارة عن الانحصار) وهذه الْخُصُوصِيَّة ثابتة للْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ بالإطلاق لا بالوضع (بناءًا على المبنى المشار إليه) فكذلك وجوب المقدّمة لازم لِخُصُوصِيَّة الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ للأمر بذي المقدّمة (الَّتي هي عبارة عن الوجوب) وهذه الْخُصُوصِيَّة ثَابِتَة للْمَدْلُول الْمُطَابَقِيِّ (أي: الطّلب) بالإطلاق لا بالوضع، فينبغي أن يُجعل وجوب المقدّمة بناءًا على هذا المسلك من الْمَفَاهِيم، مع أَنَّهُ ليس منها حتّى بناءًا على هذا المسلك.

 وللبحث تتمة تأتي إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo