< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/10/30

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة النَّهْي/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كانَ الكلامُ فِي دَلاَلَةِ الْجُمْلَةِ الخبريّة النافية الَّتي قد تُستعمل فِي مقام الإنشاء وَالنَّهْي، كالأمثلة السَّابِقَة الَّتي ذكرناها بالأَمْسِ. أما كيف نفسّر دلالة هذه الجمل الخبريّة النافية على أصل الزَّجْر عن الفعل؟ ثم كيف نفسر دلالتها على الْحُرْمَة؟

 أما تفسير دلالتها على أصل الزَّجْر وَالرَّدْع عن الفعل فقد ذكرناه بالأَمْسِ، حيث قلنا: بالإمكان أن نفسر هذه الدِّلاَلَة قائلاً: إن معنى دلالة الجملة الخبرية النافية فِي المقام هو كأي جملة خبرية نافية، حيث أن الجمل الخبريّة النافية فِي سائر الموارد تَدُلّ بحسب الدِّلاَلَة التَّصوُّريَّة على نفي الصُّدُور (نفي صدور الارتماس فِي الماء عن الصَّائِم). فالمدلول التَّصوُّريّ محفوظ كما أن الْمَدْلُول الاستعمالي محفوظ؛ لأنَّ فِي سائر الموارد عندما يتكلم الْمُتِكَلِّم بجملة خبرية نافية يستعمل هذه الجملة فِي إخطار وتفهيم هذا المعنى التَّصوُّريّ الوضعيّ المتقدّم (أي: إخطار نفي صدور الارتماس عن الصَّائِم والمحرم) إلى ذهن السَّامِع، وتفهيم نفي الصُّدُور للسامع.

 يبقى أن نرى أن الْمَدْلُول التَّصديقيّ الثَّانِي (أي: المدلول الْجِدِّيّ النهائي للكلام) ما هو؟ فإن فِي سائر الموارد عندما يتكلم المتكلم بجملة خبرية نافية فَيَكُونُ قصده الْجِدِّيّ (أي: لماذا قصد أن يلقي فِي ذهن السَّامِع ويفهّمه) هو الحكاية والإخبار حقيقة وجداً، بأن هذا الفعل لم يصدر من زيد حقّاً. ولكن الْمَدْلُول التَّصديقيّ هنا يختلف؛ حيث أن غرضه الْجِدِّيّ الإخبار (كسائر الموارد) عن عدم صدور هذا الفعل من المُكَلَّف، لكن يوجد فرق بسيط هنا، وهو أن الإخبار هنا لَيْسَ إخباراً عن عدم صدور الارتماس من كل صائم، وإلا فَيَكُونُ كذباً والإمام عليه السلام لا يكذب، فإِنَّهُ ليس من الصَّحِيح أن كل صائم لا يرتمس فِي الماء، فَيَكُونُ هذا الإخبار إخباراً عن عدم صدور الارتماس من نوع مُعَيَّن من الصائمين وهو الصَّائِم الملتزم بالشريعة الَّذي يُطبّق أفعاله وَتُرُوكه على موازين الشّريعة، فهو لن يرتمس فِي الماء. ولازم هذا الإخبار هو أن الشّريعة قد زجرت الصَّائِم عن الارتماس فِي الماء.

وأمّا تفسير دلالتها على الحرمة فِي ضوء هذا المسلك، فأيضاً يقال: بناء على الوجه المتقدّم آنِفاً تكون دلالة الجملة على الحرمة واضحة؛ لأَنَّ افتراض الكراهة يستوجب تَقْيِيداً زائداً فِي الشخص الصَّائِم الَّذي يكون الإخبار بلحاظه، وهو تقييده بمَن يطبق أعماله وَتُرُوكه على وَفق الشّريعة حتّى فِي المكروهات، وهذه عناية إضافية وزائدة؛ إذ ليس كل من يطبق أعماله وَتُرُوكه على وَفق الشّريعة يترك المكروهات.

 هذا كُلّه فِي ضوء المسلك المشهور المتقدّم هناك.

 وكذلك يقال هنا (بناءًا على مسلك السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رَحِمَهُ اللَهُ المتقدّم هناك): إن الْجُمْلَة الْخَبَرِيَّة هنا مستعملة فِي معنى آخر جديد ابتداءً، فدلالتها على الزَّجْر والحرمة ليست من باب استعمالها فِي معناها الأصلي الموضوع له (وهو قصد تفهيم نفي صدور الفعل) وإرادة الزَّجْر عن الفعل بموجب عناية (كما كان كذلك فِي ضوء المسلك المشهور) فهي ليست مستعملة فِي نفس المعنى الَّذي تستعمل فيه هذه ا لجملة عندما تصدر فِي مقام الإخبار، بل هي موضوعة لمعنى آخر رأساً ومستعملة فيه، وهذا المعنى الآخر عبارة عن إبراز اعتبار نفساني وهو «اعتبار حرمان المُكَلَّف من الفعل».

 هذا عن تفسير دلالتها على أصل الزَّجْر وَالرَّدْع فِي ضوء مسلك السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رَحِمَهُ اللَهُ المتقدّم هناك.

 وأمّا تفسير دلالتها على الحرمة فِي ضوء هذا المسلك فأيضاً بالإمكان أن يقال: إن الجملة بما أنَّها دالَّة على أن المولى قد قَصَد تفهيمَ الاعتبار النَّفسانيّ المذكور وإبرازَه للمكلَّف، إذن فهي دالَّة لا محالة على الحرمة، من باب حكم العقل بالحرمة بمجرّد إبراز المولى حرمان المُكَلَّف من الفعل ما لم يقترن بالتَّرخيص فِي الفعل، وهذا هو ما ينسجم مع مبناه رَحِمَهُ اللَهُ المختار فِي باب الوجوب.

 هذا تمام الكلام فِي الجهة السَّابِعُةِ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo