< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي اکبر الحائري

بحث الأصول

41/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاُصول العملية/حديث الرفع /فقه الحديث

بعد أوضحنا احتمالات العناية المأخوذة في الحديث وهي عناية التقدير، والعناية في الرفع، والعناية في المرفوع، يقع الكلام في مقامين:

الأول: في تعيين ما هو الأظهر في الحديث من هذه الاحتمالات الثلاثة، فقد يبدو أنّها جميعاً في عرض واحد لأنّ عناية التقدير على خلاف أصالة عدم التقدير والعناية في الرفع على خلاف المعنى الحقيقي من لفظ الرفع والعناية في المرفوع فهي أيضاً تنافي المعنى الحقيقي للمرفوع.

واُستاذنا الشهيد رحمه الله يطرح دعويان: الأولى: ترجيح الاحتمالين الثاني والثالث على الاحتمال الأول: وذلك أن ظاهر حال المولى فيما إذا كان في مقام التشريع أنّه يتقمص لباس المولوية ويتكلم بوصفه مولى، ولاشك أنّ من شأنه أن يقصد بكلامه عالم التشريع لا عالم التكوين الخارجي، فقصده للرفع أو للمرفوع التشريعيين موفقاً لظاهر كلامه ومن شأنه أمّا التقدير فليس من شأنه لأنّ ظاهره كمتكلم بيان تمام مراده الجدي.

وظاهر عبارة التقرير أن الاحتمالين الثاني والثالث ليس فيهما مخالفة للظهور وأنا أستبعد ذلك ولعل مراد اُستاذنا الشهيد رحمه أنّ مخالفة الظهور في الاحتمالين الأخيرين أخف وأهون من مخالفة الاحتمال الأول، لأنّ إرادة التقدير تستدعي الحذف والحذف يستبعده العرف جداً فهو مخالف للظهور مخالفة شديدة، أما إذا قصد بشيء عالم التشريع لا عالم التكوين ففيه مخالفة الظهور لكنها أخف.

الدعوى الثانية: ترجيح الاحتمال الثالث على الاحتمال الثاني: إذا كان الرفع رفعاً تشريعياً والمرفوع تكوينياً واقعياً أي يرفع عن عالم التشريع الوجود الحقيقي (لما اضطروا إليه) و(ما اُكرهوا عليه) فإنّ بعض فقرات الحديث لاوجود تكويني واقعي لها كما في (ما لا يطيقون) فإنّ ما لا يطيقه المكلف لا يتحقق في الخارج حتى يمكن رفعه رفعاً تشريعياً وكذلك رفع (النسيان) بناءً على أن المراد به ما نساه المكلف فلا يتحقق الفعل المنسي في الخارج حتى يمكن رفعه.

وبما أن فقرات الحديث على سياق واحد فيقتضي أن يكون المراد بالرفع رفعاً حقيقياً لوجودها التشريعي ولكل هذه المرفوعات وجود تشريعي حتى (ما لا يطيقون) و(النسيان). فالأرجح هو اختيار الاحتمال الثالث.

أقول: سبق وأن قال اُستاذنا الشهيد رحمه الله أنّ وحدة السياق في الدلالة الإستعمالية قرينة على تعيين المراد لا وحدته في المراد الجدي، والمراد الاستعمالي لم يختلف في فقرات الحديث بناءً على جميع الاحتمالات الثلاثة حتى يكون قرينة على تعيين أحدها بل المراد الجدي هو الذي اختلف في فقرات الحديث بناءً على بعض الاحتمالات فتمسك اُستاذنا بقرينة وحدة السياق لتعيين المعنى الثالث منها.وهذا خلاف مبناه السابق.

ونحن في سعة من هذه الإشكالية حيث قلنا أنّه كما أن وحدة السياق قرينة على وحدة المراد كذلك وحدة المراد الجدي قرينة على تعيين المراد.

ثم يقول اُستاذنا الشهيد رحمه الله: وليكن المراد بعالم التشريع هو عالم المسؤولية المولوية وحساب المولى، لكي ندفع بذلك إشكالاً قد يورد على هذا الاحتمال الثالث وهو: أنه تارة يضطر الإنسان إلى فعل الحرام، وتارة اُخرى يضطر الى ترك الواجب، وفي هذه الحالة لا يمكن تصور الوجود التشريعي لهذا الترك لأنّ الوجود التشريعي يتعلق بالفعل لا بالترك، فبناءً على أنّ وجوب شيء لا يستلزم حرمة ضده العام ـ أي النقيض ـ كما ذهب إليه المشهور، لا يكون للترك حرمة فلا يكون له وجود تشريعي حتى ينطبق عليه الاحتمال الثالث. ويمكن التخلص منه: بأن يكون يراد بالوجود التشريعي هو الوجود في عالم المسؤولية ومحاسبة المولى للمكلف، وهو ينطبق على فعل الحرام وترك الواجب.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo