< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي اکبر الحائري

بحث الأصول

40/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاُصول العملية/ أصالة البراءة/ مناشئ الالتزام بالبراءة العقلية.

ذُكرت البراءة العقلية في ألسنة الأصحاب بتقريبين:

التقريب الأوّل: وهو تقريب ساذج ذكره جملة من المحققين كالشيخ الأنصاري ومن سبقه مثل شريف العلماء وصاحب الحاشية على المعالم، ومن لحقه أيضاً، حاصله:

إنّنا نرى في الموالي والعبيد العرفيين أنّ المولى يقول لعبده: لِمَ لم تفعل كذا؟ فيرد العبد: ما علمت بصدور الأمر منك بكذا. فيقول المولى: لِمَ لم تحتط؟العبد: ما علمت أنّك أوجبت الاحتياط.فتنقطع بذلك حجة المولى، وليس له أن يعاقب عبده.هذا ما يدركه العقلاء في اُمورهم، وهو المسمى بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.والصحيح أنّ هذا قياس لمولوية الله تعالى على المولويات العرفية، وهذا قياس باطل، لأنّ المولوية مقولة بالتشكيك، وذلك:إنّ المولوية عبارة عن ثبوت حق الطاعة وهي قد تكون ذاتية ليست بجعل جاعل كما في مولوية الله باعتباره مالكنا وخالقنا، وقد تكون جعلية تتحدد بحدود جعلها سعة وضيقاً.والمولوية العرفية مولوية مجعولة سعة حق الطاعة فيها في حدود التكاليف المقطوعة، ولا تشمل التكاليف الظنية والمحتملة، فلا يمكن قياس مولوية الله الذاتية بها، بل لابد من الرجوع الى حكم العقل العملي لمعرفة سعة حق طاعة الله وحدود مولويته الذاتية، وهل هي شاملة للتكاليف المظنونة والمحتملة أو لا؟

التقريب الثاني: وهو تقريب أعمق ذكره المحقق النائيني رحمه الله ومدرسته، وحاصله:

إنّ قبح العقاب بلا بيان يقصد به قبح العقاب بلا مقتضٍ للتحريك، وذلك لأنّ المقتضي للتحريك نحو الأشياء أو الفرار منها ليس وجوداتها الواقعية بل الأشياء بوجوداتها العلمية، فليس الماء بوجوده الواقعي يحرك العطشان نحوه ولا الأسد بوجوده الواقعي يجعل الإنسان يفر منه، وإنّما وجودهما العلمي هو من يحرك الإنسان. نعم قد يحتاط الإنسان في موارد احتمال الخطر كاحتمال وجود أسد فيتحرك لأجل هذا الاحتمال، ولكنّه أيضاً يتحرك تبعاً لعلمه بالخطر وإن لم يكن علماً بالأسد نفسه، فهو يتحرك وفق علمه على كل حال. وهكذا الأمر في التكاليف المولوية فإنّها لا تكون مقتضية للتحريك إلّا بوجودها العلمي، ومع عدم العلم بالتكليف والبيان لا مقتضي لتحريك العبد وإذا لم يكن هناك مقتضٍ للتكليف فلا تصح العقوبة بل تكون قبيحة.والجواب: إنّ المحرك على قسمين: محرك تكويني على أساس الملائمة والمنافرة لطبع الإنسان، كتحرك الإنسان نحو شرب الماء، ومحرك مولوي على أساس حكم العقل العملي لحق الطاعة.

وفي الأوّل: يتحرك الإنسان تبعاً لشدة اهتمامه وغرضه، فلا يكفي علم العطشان بوجود الماء قربه لتحركه نحوه إن استلزم منه أن يبذل جهداً ومشقة لا تتلائم وطبعه، وقد يتحرك عند مجرد احتمال الماء عندما يكون الحصول عليه ملائماً لطبعه.

وفي الثاني: يكون التحرك تبعاً لإدراك العقل لسعة مولوية المولى وحق طاعته.

ونحن نسأل المحقق النائيني رحمه الله ماذا يعني بقبح العقاب بلا مقتضٍ للتحريك، هل المراد هو قبح العقاب في حالة عدم وجود محرك تكويني للتحريك، أو عدم وجود محرك مولوي للتحريك؟ومن الواضح أنّ الأول غير مراد، لأنّه يستلزم قبح عقاب الفساق إذ لا يوجد لديهم مقتضٍ تكويني للطاعة وترك المعصية.وعلى المعنى الثاني فلا يمكن أن يستدل به على البراءة العقلية إذ أنّ التحريك المولوي سيكون تابعاً لإدراك العقل لحق الطاعة وسعتها فإذا كانت شاملة للتكاليف الاحتمالية فإنّها ستكون محركة مولوياً. ونحن نرى أنّ العقل يحكم بأن المولى له حق الطاعة في التكاليف الاحتمالية ما لم يرد فيها ترخيص.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo