الموضوع: الاُصول العملية/ روح الحكم الظاهري.

المقدمة الثانية: روح الحكم الظاهري.

سبق وأن نبه اُستاذنا الشهيد رحمه الله بالتفصيل في الأبحاث القديمة على ما اختاره من تفسير روح الأحكام الظاهريّة سواء في الأمارات أو في الاُصول بأنّها عبارة عن (إبراز المولى لدرجة اهتمامه أو عدم اهتمامه بأغراضه الواقعيّة الإلزاميّة أو الترخيصيّة عند وقوع التزاحم فيما بينها في مقام حفظها التشريعي).

وتوضيح ذلك: إنّ المولى تبارك وتعالى عندما يلحظ ملاكاته الواقعيّة قد اختلطت على العباد في دائرةٍ من دوائر الشك الحاصل للناس، كدائرة (المسائل التي لا يعرفون حكمها في غير النفوس والأعراض ولم يقم فيها خبر ثقةٍ لبيان حكمها) أو دائرة (المسائل التي لا يعرفون حكمها بشأن النفوس والأعراض ولم يقم فيها خبر ثقةٍ أيضاً لبيان أحكامها) أو دائرة (المسائل التي قامت فيها أخبار ثقات غير قطعية لبيان أحكامها) أو دائرة (المسائل التي قام فيها يقين سابق وشك لاحق في أحكامها) أو نحو ذلك من دوائر الشك الحاصلة للناس، ولا يجد من الصالح أو لا تسمح الظروف العامّة على أن يكشف الحقائق للناس ويميّز لهم ملاكاته الواقعية المختلطة في دائرة الشك، سيواجه المولى تبارك وتعالى تزاحماً في تلك الملاكات الواقعية المختلطة في مقام حفظها التشريعي، فلا بدّ له أن يشرع الحكم بنحوٍ يحفظ به مجموعة من المالكات الواقعيّة على أقلّ تقدير وإن أدّى ذلك إلى التضحية بمجموعة اُخرى من الملاكات الواقعيّة، فالملاكات الإلزامية مثلاً تدعوا المولى إلى تعميم حكم الإلزام في تلك الدائرة من الشك الحاصلة للناس لكي يتمّ به حفظ الملاكات الإلزامية في مقام التشريع وإن أدّى ذلك إلى خسارة الملاكات الترخيصيّة في موارد الإباحات الاقتضائية إن كانت موجودة في تلك الدائرة، كما أنّ ملاكات الإباحات الاقتضائية ـ إن كانت موجودة في تلك الدائرة ـ تدعوه إلى تعميم حكم الإباحة في تلك الدائرة من الشك لكي يتمّ به حفظ الملاكات الترخيصيّة الموجودة في موارد الإباحات الاقتضائية ضمن تلك الدائرة من الشك، وإن أدّى ذلك إلى خسارة الملاكات الإلزامية الموجودة في تلك الدائرة، وهذا ما يعبّر عنه اُستاذنا الشهيد رحمه الله بالتزاحم الحفظي لأجل الاختصار.

وسيقوم المولى في موارد التزاحم الحفظي بتقديم ما هو الأهم من الملاكات الواقعية المختلطة، فإذا كانت ملاكات الإلزام أهم عنده من ملاكات الإباحة الاقتضائية قام بحفظ تلك الملاكات بتعميم حكم الإلزام على كلّ تلك الدائرة من الشكّ وضحّى بالملاكات الترخيصيّة، وإن كانت ملاكات الإباحة الاقتضائية أهم عنده من ملاكات الإلزام ـ وهذا معقولٌ طبعاً ـ قام بحفظ تلك الملاكات بتعميم حكم الإباحة على كل تلك الدائرة من الشك وضحى بملاكات الإلزام الموجودة في تلك الدائرة.

وهذا من إبداعات اُستاذنا الشهيد رحمه الله في تفسير الأحكام الظاهرية سواء في مجال الأصول العملية أو في مجال الأمارات.