الموضوع: الاُصول العملية/ تمهيد في ذكر مقدمات.

المقدّمة الاُولى: الاُصول العملية في الفقه الشيعي:

من المميزات الجوهرية للفقه الشيعي هو الرجوع إلى الاُصول العملية. وتوضيح المقصود ضمن اُمور:

1ـ إنّ المراد في الفقه السني دائماً هو التوصل إلى الحكم الواقعي، بأدلّة مشروعة، وإن لم توجد فبالظنون، وإن لم توجد فبأي مناسبة واعتبار، بخلاف الفقه الشيعي الذي قام على مرحلتين (الحكم الواقعي) و (الحكم الظاهري عند الشك في الحكم الواقعي).

2ـ الأصل العملي كان مندرجاً في بادئ الأمر تحت عنوان الدليل العقلي المورث للقطع في مقابل (الكتاب) و (السنة) و (الإجماع) فكانوا يدرجون أصل البراءة ضمن دليل (العقل) ويقصدون بذلك البراءة العقلية.

3ـ وحينما توسع البحث في الدليل العقلي ذكروا تحته عنواناً مستقلاً وهو (الاستصحاب) وأرجعوا البراءة إلى الاستصحاب، وعبّروا عن ذلك باستصحاب حال العقل وتمسّك بعضهم بقبح التكليف بما لا يطاق.

4ـ واُضيف بعد ذلك كما في المعتبر والدروس تقريبات اُخرى للبراءة ككون عدم الدليل دليل العدم.

5ـ ولمّا شاع العمل بالأمارات الظنية وبخبر الواحد جعلوا أصل البراءة دليلاً ظنياً من الأمارات وجعلوا الاستصحاب أيضاً من الأمارات، وامتدت هذه الفكرة إلى بعض المتأخرين كصاحب القوانين.

6ـ بدأ علم الاُصول يحدّد الأصل العملي كوظيفة عملية عند الشك على يد المتأخرين عن صاحب المعالم والشيخ البهائي، ولعل من أوائل من نتبه إلى ذلك صاحب شرح الوافية (السيد جمال الدين رحمه الله).

7ـ ثم تحدّد هذا المفهوم الموجود عندنا اليوم بشكل دقيق على يد الوحيد البهبهاني ومدرسته، وأطلقوا على الاُصول العملية اسم (الأدلّة الفقاهتية) وعلى الأمارات اسم (الأدلّة الاجتهادية).

8ـ وهذا أحد الأسباب التي على أساسها جعلنا المرحلة الثالثة من علم الاُصول قد بدأت من الوحيد البهبهاني.

9ـ وكانوا يكتبون الأصل العملي بحسب الترتيب ضمن الدليل العقلي حتى بعد هذه التطورات، إلى أن أخرجه الشيخ الأنصاري عن ذلك بترتيب جديد.

10ـ وقد تطوّرت فكرة الاُصول العمليّة على يد اُستاذنا الشهيد رحمه الله على أساس ما أبدعه من نظرية ( التزاحم الحفظي) ولعلّ هذا أهم الأسباب التي تحوّل بها علم الاُصول على يد اُستاذنا الشهيد رحمه الله من المرحلة الثالثة إلى المرحلة الرابعة بحسب اعتقادنا.

وسيأتي شيء من التوضيح لهذا التطور الذي حصل على يد اُستاذنا الشهيد رحمه الله لفكرة الاُصول العمليّة في المقدمات التالية، وأمّا التوضيح الكامل فقد مضى في محلّه.