< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: إطلالة على عقيدة بعض الفرق التي نسبت إلى التشيّع.

    1. إطلالة سريعة على المذاهب السنيّة وكيفية نشأتها في الأمّة الإسلاميّة، ومراحل نشوئها الأربع، والنظرات السياسيّة الأربعة التي تثبت السلطة والخلافة والامامة.

    2. الكيسانيّة.

    3. الزيدية.

    4. بحث في شخصية زيد بن علي بن الحسين، وعرض الروايات المتعارضة في حقّه.

بعد أن انتهينا من إطلالة سريعة على المذاهب السنيّة وكيفية نشأتها في الأمّة الإسلاميّة، ومراحل نشوئها الأربع من التأسيس، إلى المنحى الفكري الذي كان مع الامويين، إلى المنحى التشريعي الذي كان مع ابي حنيفة عندما ترك العمل بالأحاديث فذهب إلى القياس كأصول لاستنباط الأحكام، إلى وجود المقدسات. وهي المراحل التي لا بد منها في تكوين أي فكر ديني، كذلك النظرات السياسية الأربع الرئيسية، وكلها تدور حول ثبوت السلطة والخلافة والإمامة، وهي أربع:

    1. ثبوت الخلافة بالإجماع مع بعض الاختلافات في اطراف الإجماع لتصحيح خلافة أبي بكر.

    2. ثبوت الخلافة بالتعيين من الخليفة السابق لتصحيح خلافة عمر.

    3. ثبوت الخلافة بالشورى مع الاختلاف في أطراف الشورى، لتصحيح خلافة عثمان.

    4. ثبوت الخلافة بالغلبة لتصحيح خلافة معاوية.

ننتقل لإيراد إطلالة على الفرق الإسلاميّة المنسوبة إلى التسيّع، والتي لم يبق منها حاليا إلا الزيديّة والاسماعيليّة ولكن أكثرية الشيعة حاليا هم من الإماميّة.

وانما نسبت هذه الفرق للتشيّع لأن الجامع بينها كل من يقول بخلافة عليّ (ع) بعد رسول الله (ص) إعتبروه شيعيّا، وبعد ذلك تأتي الخلافات في الفروع وسنبيّنها.

ونحن نبحث هذه المذاهب لوجود ثمرة علميّة فقهيّة ثقافيّة، ثانيا: بعض علماء الرجال والحديث يسقط من الاعتبار حديث من كان منحرفا عقائديا.

    1. الكيسانيّة:

نسبة إلى كيسان، وهل هو كيسان مولى أمير المؤمنين (ع) على قول أو هو المختار بن ابي عبيدة الثقفي؟

وهؤلاء يعتقدون بإمامة محمد بن الحنفيّة بعد أمير المؤمنين (ع)، أو بعد الحسن والحسين (ع).

يقول عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه: " الفَرق بين الفِرق " والكيسانيّة يرجع محصّلها إلى فرقتين:

احداهما تزعم ان محمد بن الحنفيّة حي لم يمت، وهم على انتظاره، ويزعمون انه المهدي المنتظر.

والفرقة الثانية يقرّون بإمامته في وقته، وبموته، وينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره، ويختلفون بعد ذلك في المنقول إليه.

ويقول الشيخ جعفر سبحاني إن الكيسانية تفرّقوا إلى هاشميّة وبيانيّة ورزاميّة.

ويقول الشهرستاني عنهم في الملل والنحل: ويجمعهم القول بان الدين طاعة رجل، حتى حملهم ذلك على تأويل الأركان الشرعيّة من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك على رجال، فحمل بعضهم على ترك القضايا الشرعيّة بعد الوصول إلى طاعة الرجل، وحمل بعضهم على ضعف الاعتقاد بالقيامة، وحمل بعضهم على القول بالتناسخ والحلول والرجعة بعد الموت [1] .

وفهمنا من ترك طاعة الرجل ان العبادات كالصلاة والصوم عبارة عن رجل وهو الامام، فلا داعي بعد ذلك للصلاة وغيرها.

    1. الزيديّة:

وهم اتباع زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب (ع)، يقولون بثبوت الإمامة لكل فاطمي عالم شجاع سخيّ خرج بالسيف للإمامة.

وقد استشهد زيد بن علي (ع) سنة 121 هجريّة وصلب في الكناسة، وهي محلّة بالكوفة.

وقام بعده يحيى بن زيد في الجوزجان واستشهد سنة 126 هجريّة.

والزيديّة ثلاثة فرق: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة.

الكلام في زيد بن علي بن الحسين (ع):

ورد في مدحه روايات عديدة، بل وتوثيق، سنذكر منها هذه الرواية الصحيحة وان عبّر عنها بالحسنة لوجود إبراهيم بن هاشم الامامي الممدوح وهو غير موثق صريحا. أما عندنا فهو ثقة لانطباق القاعدة العامّة في التوثيق عليه. وهناك رواية تقابلها ظاهرها تذمّه.

ففي روضة الكافي ج 8، ص 264: ح 381 - علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن صفوان بن يحيى (ثقة)، عن عيص بن القاسم (ثقة)قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلا هو اعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيئ، بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها.

والله لو كانت لاحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت، فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم.

إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون ولا تقولوا خرج زيد فإن زيدا كان عالما وكان صدوقا ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) فنحن نشهدكم إنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عز وجل وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم وكفاكم بالسفياني علامة [2] .

من ناحية الدلالة: " فانظروا على أي شيء تخرجون " يفهم منها نهي عن الخروج، وواضحة في الانتباه إلى ان من يخرج على أي أساس يخرج. في أيامنا في العالم العربي تحدثوا عن " الربيع العربي " لدفع الفساد الموجود والظلم والخراب ومواجهة هذه الأمور مشروعة شرعا وعقلائيا، لكن عندما أقوم يجب أن اعلم من يقود هذه الحركة؟ وما هو الفكر المراد؟ ومن هو البديل؟.

" ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه " هنا الامام (ع)يعطي ميزانا " إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه " وهذه تجوّز القيام ضد الظالمين، فزيد انما خرج لنقض سلطان ظالم.

" فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم " وكأنّه يعرّض بمحمد ذو النفس الذكيّة الذي قام وطلب الخلافة لنفسه في المدينة المنوّرة، هو واخوه إبراهيم، ثم انتقل إبراهيم إلى البصرة وقتل. هم أولاد عبد الله بن الحسن.

الحسن (ع) من أولاده الحسن المثنّى ونحن من أولاده، وكان من أبنائه عبد الله بن الحسن، وكان الحسن المثنى جريحا في كربلاء بجراح شديدة حتى ظنوا انه مات، ولما جاء تقسيم الرؤوس للتقرب بها إلى ابن زياد لعنه الله، جاء اخوال عبد الله بن الحسن وكانوا مع جيش الكوفة فأخذوه ليدفنوه، وفي الطريق وجدوا ان فيه رمقا من الحياة فطببوه، فعاش، وتزوج وخرجت منه هذه الذريّة الكثيرة التي تسمى الحسنيين نسبة له ﴿(بسم الله الرحمن الرحيم) إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3)﴾ [3] . ومن جملة اولاده عبد الله كان من اولاده محمد بن عبد الله بن الحسن الملقّب بمحمد ذو النفس الزكيّة وكان وجها في المدينة كريم النفس وله وجود سياسي قوي. عندما بدأ التحضير للإنقلاب ضد الامويين اجتمع سبعة من بني هاشم في الابواء في الحجاز ومن بينهم الامام جعفر الصادق (ع)، وهم: عبد الله بن الحسن واولاده محمد بن عبد الله وابراهيم بن عبد الله الملقّب بأحمر العينين، وابراهيم الامام، وابو جعفر المنصور وابو العباس السفّاح، لتقرير لمن تكون الخلافة بعد انتهاء الثورة على الامويين. الامام الصادق (ع) لم يقبل الخلافة فرشّحوا محمد ذا النفس الزكيّة، فقال الامام الصادق (ع) انه لا ينالها إلا صاحب هذا القباء الاصفر يعني المنصور. يقال ان عبد الله بن الحسن قال للصادق (ع) " أأخذك الحسد لولدي هذين ".

بعد ما مرّت الامور اتفق محمد واخوه على القيام معا، محمد ذو النفس الزكيّة قام في المدينة المنوّرة بالثورة وسيطر على المدينة، لكن ابراهيم لم يستطع ان يقوم بالبصرة لمرضه، وقضى العباسيين على ثورة المدينة، فقام ابراهيم بالثورة وانتصر حتى حاصر العباسيين في منطقة تدى الهاشميّة، فقال المنصور: " اين قول صادقهم لا ينالها إلا صاحب هذا القباء الاصفر ". ويقال ان ابراهيم من شدة الحرّ نزع درعه وثوبه وبان جسده فأتاه سهم في صدره فسقط، فتفرق الجيش وانتصر عليه المنصور ابو جعفر الدوانيقي. لذلك هكذا ثورات نهي عنها.

" إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عز وجل وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم وكفاكم بالسفياني علامة" هنا يذكر الامام (ع) المهدي المنتظر عجل الله خروجه الشريف.

الرواية واضحة في مدح زيد بن عليّ بن الحسين وهذا، وهو المراد، ثم هي واضحة في جواز القيام بشرط الاعداد ومعرفة القائد والفكر البديل.

وفي المقابل رواية قد يستفاد منها خلاف ذلك وظاهرها الذمّ وهي رواية معتبرة:

ففي أصول الكافي، ج1، ح 5، ص 194: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى (ثقة)، عن علي بن الحكم (ثقة)، عن أبان (ثقة)قال: أخبرني الأحول (أبو جعفر) أن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام بعث إليه وهو مستخفٍ قال: فأتيته فقال لي: يا أبا جعفر ما تقول ان طرقك طارق منا أتخرج معه؟ قال: فقلت له: إن كان أباك أو أخاك خرجت معه. قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فأخرج معي قال: قلت: لا ما افعل جعلت فداك، قال: فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قال: قلت له: إنما هي نفس واحدة فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناجٍ والخارج معك هالك، وان لا تكن لله حجة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء. قال: فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد، شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار إذا أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟! فقلت له: جعلت فداك شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك: أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له: جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء قلت: يقول يعقوب ليوسف: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا، لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك، قال: فقال: أما والله لئن قلت ذلك لقد حدثني صاحبك بالمدينة أني اقتل واصلب بالكناسة وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي. فحججت فحدثت أبا عبد الله عليه السلام بمقالة زيد وما قلت له، فقال: لي: أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، ولم تترك له مسلكا يسلكه [4] .

" وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار " هنا هل الباقر (ع) لا يبالي ان مؤمن الطاق الرجل الجليل من اصحابه يدخل النار فقط لانه ليس ابنه. نرى أن بعض النقاط في الرواية سنبيّنها غير ما فهمه كثير من المحدثين والفقهاء.

" فحججت فحدثت أبا عبد الله عليه السلام بمقالة زيد وما قلت له " هذا الكلام الشاهد الذي استشهد به بعض الرواة والمحدثين والفقهاء، ماذا حدث بين مؤمن الطاق وبين زيد.

هذه الرواية جعلها بعضهم مذمّة في زيد بن عليّ بن الحسين، هذا الرجل العظيم الزاهد التقي الورع، روايات التقى والورع يعارضها هذه الرواية. سنرى ان هذه الرواية انا لا أرى فيها دلالة واضحة على ان زيد كان يحب الدنيا وعاصيا لأمر مولاه، بالعكس في الروايات قال عندما دخل زيد بن علي بن الحسين على هشام وطلب هشام من أهل الشام ان يضيّقوا المجلس ويمنعوه من الجلوس إلا في الأخير، ثم قال له " ماذا فعل ابن اخيك البقرة " يعني بذلك الامام الباقر (ع)، فأجابه قال: " رسول الله لقّبه بالباقر وانت تقول بقرة "، ثم خرج من مجلسه بعد تلاسن مع هشام حتى قال هشام " قوموا عنّا " قال زيد: " ما كره قوم حرّ السيوف إلا ذلّوا "، ثم خرج الصادق (ع) واستأذنوه بالخروج قال (ع): " إذا كنت ترضى ان يكون المصلوب في الكناسة - حيّ من احياء الكوفة - فاخرج " بشّره الامام بقتله وصلبه، صلب على جذع نخلة أربع سنوات لم يكن هناك من مستنكر.

غدا ان شاء الله في الجمع بين الروايات نرى ان زيدا كان رجلا جليلا عظيما ونستطيع ان نستفيد شيئا من مهمّ من هذا التعارض، وهذه الرواية لا تدل على ان زيد لم يكن صالحا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo