< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ذكر بعض الفوائد في علم الرجال:

    1. نظرة أخرى في الوافقة، وهم الذين وقفوا على الامام موسى بن جعفر (ع).

    2. كانت حركة أمنيّة لحفظ الامام الرضا (ع).

    3. الاستدلال برواية البطائني: " أنت يا عليّ واصحابك شبه الحمير".

    4. الاستدلال برواية الكشي في الاستتار على أمر مهّم، وإذن الامام بالاظهار بعد ما حدث للبرامكة.

    5. هذا الرأي محتمل جدا ولا أتبناه.

    6. ثمرة هذا الاحتمال: - عدم سقوط الرواية التي في سندها واقفي عند من يسقط رواية غير الامامي.

- عدم اتاحة فرصة للمتصيدين بالماء العكر للقول بان المذهب الذي يتركه أجلاء أصحاب موسى بن جعفر (ع) وثقاته مذهب فاسد.

الفائدة الثامنة: نظرة في الواقفة:

المتأخرون من أصحاب كتب علم الرجال درجوا على استعراض الفرق الاسلاميّة المحسوب انها شيعيّة، مثل الزيدية والاسماعليّة والناووسية، والفطحيّة، والواقفيّة، رغم أن دراسة هذه الفرق هي دراسة كلاميّة لا علاقة لها بعلم الرجال، وتأخذ حيزا كبيرا، لكن لها أثر في علم الرجال عند من يقول بعدم حجيّة خبر الثقة إن لم يكن اماميّا، لذلك بحثوا عن احول هذا الفرق، سنستعرض هذه الفرق استعراضا سريعا، لكن في كتاب " الوجيز في علم الرجال " قلت انني لا أريد أن أتوسّع كثيرا في بحوثه، لكن سأركّز على طائفة واحدة لكن في الدرس سنستعرض بقيّة الطوائف كالمغيريّة وغيرها، نعم هناك طائفة لها أثر كبير في الاستنباط وعلماؤها ثقات أجلاء جدا هم الواقفة.

قمت بهذا البحث فقط لاهميّة بحث هذه الطائفة " الواقفة " ليس حتى نعرف من هم لم يعد هناك واقفة في أيامنا " تلك امّة قد خلت " لكننا ندرس هؤلاء لأجل من يقول أن من ثبت انحرافه فخبره ليس بحجّة حتى لو كان ثقة، وتوجد ثمرة أخرى وهي أن الواقفة هم أجلاء تلامذة الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، واجلاء الطائفة الشيعيّة.

يقال انما وقفوا لأجل المال، فلما توفي الامام موسى بن جعفر (ع) ابقوا المال عندهم مما جعل البعض يستهزؤن من مذهب التشيع الذي كبار علمائه ينحرفون عنه لأجل المال.

بحثت هذا الموضوع فكان لي وأنا الفقير إلى السداد نظرة جديدة مهمّة في مقام بيان حقيقة الواقفة استنتجتها من بعض الروايات والنصوص، وهي أن الواقفة عندي عبارة عن حركة امنيّة لحفظ نفس الامام الرضا (ع). هذا القول احتمال كبير عندي وليس جزما، لأن الادلّة التي سآتي بها ليست جزميّة. وإذا لم تكن جزميّة قد يقال: فما النفع منها؟

المعروف عن الواقفة انهم جماعة منحرفة جدا " كالكلاب الممطورة " و " انت يا عليّ انت واصحابك كأشباه الحمير "، لكن انا احتمل انهم أناس اشراف مستقيمون وهناك أدلّة على هذا الاحتمال، لكن ليست أدلّة جزميّة هذا رأيي واحاول في كل رأي اذهب اليه ان اناقش في ذلك وأقبل النتيجة أيا كانت.

نعود إلى الواقفة: بعد وفاة رسول الله (ص)، بدأ التضييق على أئمة أهل البيت (ع) خصوصا في زمن الأمويين والعباسيين، فعاشوا مرصودة تحركاتهم، ملاحقين هم وأصحابهم، يخافهم أهل السلطة، ويضطهدونهم خوفا على سلطتهم، يحاولون عدم السماح لهم بأداء دورهم الرسالي، ولذا فقد كانوا يعيشون حالة طوارئ أمنية، كما يعبرون في زمننا هذا.

وقد ظهرت فرق عديدة، نسبت نفسها إلى خط الأئمة (ع) وإلى التشيع، كالخطابية والناووسية والجارودية والاسماعلية والزيدية والفطحية والواقفة والغلاة والكيسانية وغيرها. وقد كتب عنها في كتب الفرق والمذاهب، ولذلك فالكلام عنها موكول إليها.

إلا أننا سنسلط الضوء على خصوص الواقفة التي اعتبرت حركة انحرافية، والتي سنطرح فيها احتمال كونها حركة من تخطيط الامام (ع).

من هم الواقفة:

كانت في زمن الأئمة (ع) عدّة حركات للوقف، ولكن مرادنا هنا خصوص من وقفوا عند إمامنا الامام السابع موسى بن جعفر الكاظم (ع). وكان سبب وقفهم كما ذكرت كتب الفرق كالشهرستاني في كتاب الملل والنحل وغيره، وكما في بعض الروايات هو الاستيلاء على الأموال الضخمة الراجعة للإمام الكاظم (ع) وهي بين أيديهم، فكان عند علي بن أبي حمزة البطائني ثلاثون ألف دينار، وعند زياد بن مروان القندي سبعون ألفا، وهكذا، حتى أنه قد ورد في بعض الروايات أنه ما من أحد من قوّام الكاظم (ع) إلا وكان عنده مالا كثيرا.

ولذا حكم فقهاؤنا ومؤرخونا بانها حركة انحرافية، خصوصا بعدما وردت فيهم روايات ذمّ وانهم معاندون للحق وانهم حمير الشيعة، وانهم أشباه الحمير، وانهم كفار مشركون زنادقة، وفي وسائل الشيعة للحر العاملي: الواقفة كانوا يعرفون بين الشيعة بالمممطورة، أي الكلاب التي أصابها المطر لشدة اجتنابهم لهم، ذكره بعض علمائنا [1] .

ولكن، هل هي حركة انحرافية؟ وهل هم منحرفون؟

بعد التأمل، أحتمل أن لا يكونوا كذلك، بل حركة الواقفة حركة أمنيّة، هدفها حفظ نفس الإمام الرضا (ع)، وذلك لأن السلطة العباسية الجائرة كانت بالمرصاد لخليفة الكاظم (ع) لتقضي عليه خوفا منه على العرش، فإذا رأت أصحاب الرضا (ع) قد انفضوا عنه، بحيث يتوهم هؤلاء المتسلطون الجبابرة انه لم يَعُد يشكل خطرا على سلطانهم تركوه لأن أنصاره قد تركوه ظاهرا، وعند السلاطين ما يشغلهم عنه حينئذ. وقد سبقه الإمام الصادق (ع) عندما أوصى من بعده لخمسة أشخاص أحدهم المنصور الدوانيقي، لنفس الغاية وليس في ذلك تضليل للناس، فانها مرحلة ضرورية لتعود الأمور بعد ذلك إلى نصابها.

وأكرر: هذا احتمال وأتبنى احتمال هذا الرأي. ثم إنه ما يشير إليه أمور، وهي جميعا تصلح مؤيدا لا دليلا.

منها: ما رواه في الكشي: محمد بن مسعود (ثقة)، قال: حدثني علي بن الحسن (ثقة)، قال حدثني ابو داوود المسترق (ثقة)، عن علي بن ابي حمزة (مقبول عندنا) قال: ابو الحسن موسى (ع): يا علي انت وأصحابك شبه الحمير. [2]

وقد استدل بهذه الرواية وأمثالها على ضلالة الواقفة. وسند الرواية مقبول عندنا.

إلا أننا إذا تأملنا فيها نجد أن البطائني يروي ذمّه عن الكاظم (ع) وليس عن الرضا (ع)، وفرق بين الامامين بنظره، فهو يعتبر الكاظم إماما معصوما حجة عليه، دون الامام الرضا، ولو كانت الرواية عن الامام الرضا (ع) فهذا أمر طبيعي أن يذمّه الرضا (ع)، لأن الرضا بنظره (ظاهرا) ليس أماما له، أما أن تكون الرواية عن الكاظم (ع) فمن المستبعد أن يكون ذما مرادا جدّيا حقيقيا واقعيا، إذ ليس من شأن أهل الدنيا والذين يحبّون الوجاهة فيها وأهل الأطماع أن ينقلوا ذمهم عن إمامهم، وهذا الذمّ أحتمل فيه احتمالا قويا أن يكون وسيلة لذرّ الغبار على عيون السلطة الحاكمة، تماما كالروايات التي وردت في ذمّ زرارة بن أعين وغيره كما وجهها الإمام (ع).

ومنها: انتشار الوقف في أكثر من بلد، مما يستبعد معه - من وجهة نظر ميدانية - اتفاقهم السريع بعد وفاة الكاظم (ع) على انكار إمامة الرضا (ع) وحجز الأموال، فإن البطائني كان في بغداد، وعثمان بن عيسى الرواسي كان في مصر وهكذا.

ومنها: رجوع كثير من الواقفة إلى الإمام الرضا (ع) وإرجاعهم الأموال.

ومنها: أن السبب في الوقف في الاساس هو الأموال كما ذكر في التاريخ والروايات، وهو ليس سببا عقائديا، بل سبب يقتنع به أهل السلطة الدنيويّون.

ومنها: ما رواه الكشي في ترجمته لزياد بن مروان القندي (رقم 887): حدثني حمدويه عن محمد بن الحسن، قال: حدثني أبو علي الفارسي عن محمد بن عيسى، ومحمد بن مهران، عن محمد بن إسماعيل بن أبي سعيد الزيات قال: كنت مع زياد القندي حاجا، ولم نكن نفترق ليلا ولا نهارا في طريق مكة وبمكة وفي الطواف. ثم قصدته ذات ليلة فلم أره حتى طلع الفجر، فقلت له: غمني ابطاؤك فأي شيء كانت الحال؟ قال لي: ما زلت بالأبطح مع أبي الحسن يعني أبا إبراهيم وعلي ابنه عليهما السلام عن يمينه، فقال: يا أبا الفضل أو يا زياد هذا ابني عليّ قوله قولي وفعله فعلي فإن كانت لك حاجه فأنزلها به وأقبل قوله، فإنه لا يقول على الله الا الحق. قال ابن أبي سعيد: فمكثنا ما شاء الله حتى حدث من أمر البرامكة ما حدث فكتب زياد إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام يسأله عن ظهور هذا الامر الحديث أو الاستتار. فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام: أظهر فلا بأس عليك منهم. فظهر زياد. فلما حدث الحديث قلت له: يا أبا الفضل أي شيء يعدل بهذا الامر فقال لي: ليس هذا أوان الكلام فيه، قال، فألححت عليه بالكلام بالكوفة وببغداد كل ذلك يقول لي مثل ذلك، إلى أن قال لي آخر كلامه: ويحك فتبطل هذه الأحاديث التي رويناها .[3]

من حيث الدلالة: فإن الظاهر أن زيادا كان يكتم سرا قد أخفاه في نفسه، وهذا السر هو الحديث بإمامة الرضا (ع) بعد أبيه موسى (ع) بحسب ظاهر الرواية، وكان زياد القندي يترقب الساعة التي يستطيع إظهار الحق، والتي جاءت بعد حادثة البرامكة، وهي حادثة هزت البيت الحاكم وأركان السلطة، والظاهر انها ألهت هارون الرشيد عن البطش بالرضا (ع) لو علم بخلافته لأبيه، فَسَمَح الرضا (ع) لزياد بالإظهار.

هذا من حيث الدلالة.

واما من حيث السند: فالرواية ضعيفة لعدم توثيق بعض من في السند.

ومنها: رواية علي بن أبي حمزة البطائني وهو من عمد الواقفة عن أبي الحسن الرضا (ع) (الكافي ج5 ص381 باب نوادر في المهر ح7) والسند معتبر. ويقول السيد البروجردي (ره) الرواية غريبة مع ما هو معروف من تعصُّبه في الوقف اللهم إلا أن يكون جرى في إطلاق الرضا (ع) على معناه العرفي وأراد الكاظم (ع).

أقول: لا داعي للاستغراب مع الاحتمال الذي ذكرناه في تفسير الوقف ولا داعي للتأويل حينئذ.

وأكرر: هذه الأمور لا تصل لمرحلة الدليلية والظهور، إنما تؤدي إلى احتمال يعتدّ به بكون الواقفة كانوا يؤدون دورا لحماية الإمام الرضا (ع).

الثمرة من هذا الاحتمال:

قد يقال: وما الثمرة من مجرد كونه احتمالا؟

فنقول: يمكن تصور ثمرتين وقد نجد أكثر:

الثمرة الأولى: إن من يجعل الانحراف في العقيدة سببا لسقوط الرواية عن الاعتبار كما يظهر من الآبي في كشف الرموز، وصاحب المدارك، والعلامة وابن داوود، حيث يظهر منهم اسقاط اعتبار بعض الروايات لأن بعض رواتها واقفة.

وقد نقل في المدارك عن المحقق أن قرّر في الأصول اشتراط إيمان الراوي وأنكر أن الشيعة عملت بأخبار بني فضال والطاطري. – ولسنا منهم – لا يكون الوقف حينئذ سببا للتضعيف، لعدم ثبوت الانحراف كبرويا.

الثمرة الثانية: إن بعض المعاندين قد شنّع على الشيعة بأن كبار فقهائهم من أصحاب الكاظم (ع) قد تركوا الرضا (ع) طمعا بالمال، وبالتالي فهو تشنيع على المذهب، لان التشنيع على رجاله يقتضي في عرف عامة الناس تشنيعا عليه، لان عامة الناس تنظر إلى المبدأ من خلال رجاله.

اما مع هذا الاحتمال فينتفي هذا التشنيع. وهذا دفاع عن سمعة المذهب، وإن كان لا يهمنا ما يقال فينا بعد أن علمنا اننا على الحق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo