< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

41/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التوثيقات العامة: مشيخة الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب والاستبصار

     الشيخ الطوسي لا يصحح كل روايات الفقيه.

     الشيخ المفيد هاجم آراء الصدوق في مسألة سهو النبي (ص) وقال انه اتكل على روايات عامة.

     يمكن تصحيح السند في حالتين: الاولى إذا كان السند إلى الكتاب في المشيخة ضعيفا وفي الفهرست صحيحا. والثانية: إذا كان سند الصدوق ضعيفا وسند غيره قويا كالنجاشي وغيره من الاعلام.

     معنى اصطلاح " مصحح ".

كان الكلام في عبارة الشيخ الصدوق (ره) انه استخرج هذه الروايات من كتب عليها المعوّل واليها المرجع، وعليه قال بعضهم ان جميع هذه الكتب صحيحة ولا داعي للنظر بالسند. وبينّا كلام السيد الخوئي (ره) في رد هذا الكلام، ونحن بيّنا ايضا ان الشيخ الطوسي (ره) في الاستبصار نقض كلام الصدوق في " من لا يحضره الفقيه " في بعض الروايات. أذا كان الشيخ الطوسي القريب جدا من الشيخ الصدوق ولم يكن يصحح جميع روايات " من لا يحضره الفقيه "، كيف ونحن بعد الف سنة نقول ان كل " من لا يحضره الفقيه " صحيح. وبيّنا ان هذه العبارة " استخرج هذه الروايات من كتب عليها المعوّل واليها المرجع " معناها الاحترام والاعتبار الاجمالي.

هناك كلام آخر للشيخ المفيد (ره) قبل ان ننهي بحثنا ونكون قد انتهينا من التوثيقات العامة، في ان هل النبي (ص) معصوم عن السهو أو لا ؟ في هذا الكلام يحمل حملا شديدا على الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد. الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد شيخ الصدوق من الكبار الاجلاء، وكان الشيخ الصدوق (ره) يتبعه في التضعيف والتصحيح، فهو مقلد لشيخه ابن الوليد في ذلك، يشن الشيخ المفيد حملة عنيفة على الشيخ الصدوق في مسألة سهو النبي (ص) حيث كان الصدوق وشيخه ابن الوليد يجوزان الاسهاء من الله والانامة، بخلاف المفيد الذي انتقد كلام الصدوق وقال إنه اتكل على روايات عامية.

يقول الشيخ الصدوق في كتاب " من لا يحضره الفقيه ":

ح 1031: وروى الحسن بن محبوب عن الرباطي، عن سعيد الأعرج قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى أنام رسوله صلى الله عليه وآله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثم قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر، وأسهاه في صلاته فسلم في ركعتين ثم وصف ما قاله ذو الشمالين. وإنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فيقال: قد أصاب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله " . قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله ويقولون: لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لان الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة. وهذا لا يلزمنا، وذلك لان جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلى الله عليه وآله فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه، لان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم، وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله كسهونا لان سهوه من الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ،......

ثم يقول: ... ويقول الدافعون لسهو النبي صلى الله عليه وآله: إنه لم يكن في الصحابة من يقال له: ذو اليدين، وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر وكذبوا لان الرجل معروف وهو أبو محمد بن عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين وقد نقل عن المخالف والمؤالف، وقد أخرجت عنه أخبار في كتاب وصف القتال القاسطين بصفين.

وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردها إبطال الدين والشريعة. وأنا أحتسب الاجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكريه إن شاء الله تعالى. [1] [2]

المفيد في رسالته يقول: فاعلم ان الذي حكيت عنه (الصدوق ) ما حكيت مما قد اثبتناه قد تكلّف ما ليس من شأنه فابدى بذلك عن نقص في العلم وعجزه، ولو كان ممن وفق لرشده لما تعرّض لما لا يحسنه....

ولكن الهوى مرد لصاحبه ... الحديث الذي روته الناصبة والمقلّدة من الشيعة ان النبي سهى في صلاته من اخبار الآحاد التي لا تثمر علما ولا توجب عملا. ومن عمل على شيء فعلى الظن يعتمد وقد نهى الله تعالى عن العمل على الظن بالدين. [3]

احببت ان اتي بهذا الكلام كقرائن تدل على ان ليس كل الروايات في " من لا يحضره الفقيه " صحيحة، يجب النظر في السند وليس كما فكروا.

حالتان مستثنيان يذكرهما السيد الخوئي (ره) لتصحيح الرواية:

الاولى: إن الصدوق ذكر ان له عدّة طرق للكتاب، وانه لم يذكر جميع الطرق، بل ذكر بعضها في المشيخة واحال الباقي إلى كتاب الفهرست.

فلو كان الطريق المذكور في مشيخة كتابيه التهذيب والاستبصار ضعيفا، لكنه في الفهرست صحيحا، امكن تصحيح الرواية وذلك باستبدال سند التهذيب بسند الفهرست.

الثانية: نفس الحالة الاولى إلا ان للكتاب طريقين، احدهما من الصدوق إليه، والثاني من النجاشي اليه، فلو كان سند الصدوق ضعيفا، وسند النجاشي صحيحا امكن استبدال سند الصدوق بسند النجاشي، وبذلك تصحح الرواية، إذ الكتاب واحد والرواية واحدة.

وقد يكون المخبر واحدا، فلو فرضنا ان الحسين بن عبيد الله الغضائري اخبر النجاشي، فالخبر بعينه يكون للشيخ إذ لا يحتمل ان يكون الخبران متغايرين، إلا لضرورة كالتقية واشباهها.

إلفات: ظهر اصطلاح عند المتأخرين في توصيف بعض الاخبار بالمصحح ولم يعبروا بالصحيح، وما ذكر من الحالتين تطبيق لهذا المصطلح.

ولعلّ هذا ما دفع الشهيد السيد محمد باقر الصدر إلى وضع نظريته الرجالية المسماة بالتعويض، وللتعويض اشكال، وهذه النظرية ليست موجودة في كتب الرجال قديما، والنظرية هي: ان استبدل قطعة من السند الضعيف بقطعة من سند آخر قوي صحيح.

ملخص النظرية هو التالي: ان اعوض الطريق الضعيف بطريق صحيح.

غدا ان شاء الله نعود لذكر ما وصلنا اليه من نتائج، من مشايخ الثقات إلى اصحاب الاجماع إلى رجال الصادق (ع) إلى كتاب علي بن ابراهيم، إلى آخره.

 


[2] إذا قسمنا إيمان الرسول على ايماننا يمكن القول بجواز السهو على النبي (ص) ولكن الرسول اعلى درجة منّا في الايمان والتصديق بكثير كما يقول علي امير المؤمنين (ع) " والله لو كشف لي الغطاء ما ازدت يقينا " والسهو والنوم مرتبط بشدة الاهتمام، ولذا لو كان أمر يهتم به كثيرا ويعيش في قلوبنا لا يمكن ان ننساه أو نسهو عنه أو ننام عنه. وان النبي (ص) يعيش في قلبه حب الله والايمان به وحب الصلاة حبا عميقا راسخا، مما يؤدي إلى استيقاظه في ساعة الصلاة، وهذا كلام آخر. والنتيجة أن السهو والنوم عن العبادة لا يتصور من المعصوم (ع) نظرا إلى المستوى العالي من حب الله في قلبه، وطبعا هذا ينافي بشريته لان البشر يتفاوتون في حب الله والايمان به والتسليم له.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo