< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

41/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التوثيقات العامة:

كل من وقع في الطريق إلى شخص في المشيخة:

     ورد في الفقيه ان جميع رواياته أخذها من كتب عليها المعوّل واليها المرجع، فتوهم البعض صدور جميع روايات الكتاب.

     جواب السيد الخوئي (ره) والتعليق عليه.

     الجواب على هذا الوتهم ان المراد هو الصحة إجمالا لا تفصيلا والقرينة عليه أمور: منها: استثناء ابن الوليد لبعض روايات المحاسن ونوادر الحكمة من انها من الكتب الممدوحة بالوصف المذكور.

     ومنها: اسقاط الطوسي لبعض روايات الفقيه عن الاعتبار كونها مرسلة، أو كون راويها ضعيفا.

     ومنها: وجود المتعارضات.

كنا في التوهم الذي توهمه البعض بل لعلّه الكثير.

التوهم وجوابه:

اما التوهم فهو صحة جميع روايات الصدوق في كتابه " من لا يحضره الفقيه " لانه قال: " اخذتها من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع "، " مشهورة " التوصيف لهذا الكتاب حسي لا حدسي، ليس اجتهادا منه، وهذا نقل عن حس يعني بالنسبة لنا إذا كان له اثر شرعي فهو حجة علينا. وبهذا تكون الروايات كلها صحيحة بغض النظر عن سندها، أي سواء كان ضعيفا أم قويا.

هذه المسألة نقل عن حس أو عن حدس في مسائل الرجال لها ثمرة كبيرة، مثلا: مسألة صفوان بن يحيى وابن ابي عمير. اول نقطة عندما قال الشيخ الطوسي (ره) في العدّة: " سوت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم وانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به "، هذا حس أو حدس؟ بعضهم قال ان هذه التسوية حدسية لا حسية، وبالتالي حجة عليه لا علينا. هذا الكلام ليس سليما، بل هو عن حس وليس عن حدس.

فكلمة " مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع " مسألة حسية لا حدسية. إذن يكون كل ما كان في هذه الكتب هو صحيح وحجة علينا لان الناقل موثوق وهو الصدوق، فتصبح قاعدة عامة.

وردّ عليه السيد الخوئي (ره) بان من بدء بهم السند ليسوا دائما اصحاب كتاب، إذ لم يصرّح بذلك الصدوق (ره)، بل قد ثبت ان بعضهم كأسماء بنت عميس ليس صاحب كتاب، ولذا فقد ينقل الصدوق عن صاحب الكتاب مباشرة، وقد ينقل عنه بطريق غير مباشر، وفي الحالة الثانية فان الطريق إلى صاحب الكتاب لما لم يكن معلوما عندنا

فحينئذ لا بد من النظر في هذا السند، ومجرد تصحيح الصدوق للطريق إلى الكتاب حدسي لا حسي.

ولكن يمكن ان يناقش السيد الخوئي (ره) بان ظاهر قول الصدوق: " وعن فلان " هو المباشرة، إلا ان يثبت دليل على خلافها. [1]

وجوابنا على هذا التوهم: إن المراد من قول الصدوق " من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع " ليس الحكم بصحة الروايات منها تفصيلا، أي كل رواية رواية، بل اجمالا. فانها كتب محترمة لها وزن واعتبار عند الاصحاب والاعتبار الاجمالي لا يعني تصحيح جميع الروايات.

والقرائن على كون المراد هو الاجمال لا التفصيل امور:

منها: ان محمد بن الحسن ابن الوليد شيخ الصدوق، والذي يتبعه الصدوق في التصحيح والتضعيف قد استثنى مجموعة من روايات كتاب المحاسن للبرقي وروايات كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري القمي (دبّة شبيب )، وهذان الكتابان من الكتب التي استخرج منها الصدوق روايات كتابه، وهذا يعني ان بعض روايات الكتب المشهورة غير صحيح عند ابن الوليد وإلا لما استثناها. ثم إنه استثناها غالبا لضعف رواتها، مثل سهل بن زياد الآدمي الذي استثنى رواياته. وهذا يعني ان ابن الوليد لا يؤمن بصحة جميع ما في الكتاب، وكيف لي انا وبعد الف سنة انا اؤمن بصحة كل ما في الكتاب؟.

ومنها: ان ليس كل من بدء به السند هو صاحب كتاب كأسماء بنت عميس ووالده وشيخه محمد بن يحيى بن الوليد وحينئذ لا بد من النظر في صحة السند.

والانصاف انه بناء على التوهم، وان ليس كل من بدأ به السند هو صاحب كتاب، ان هذا يقتضي التخيير بين ما أخذه من الكتب فنحكم بصحته، بناء على ما ذهب اليه المتوهم من صحة الروايات في الكتب المشهورة المعوّل عليها وبين غيره فننظر في السند.

ومنها: ان الشيخ الطوسي (ره) القريب جدا من الصدوق لم يعمل ببعض روايات الفقيه.

ولو كانت جميع الروايات في " من لا يحضره الفقيه " من الكتب المعتبرة المشهورة صحيحة، والصحة عند القدماء بمعنى الصدور، لما اشكل الشيخ الطوسي (ره) على بعضها، واخرجها عن الاعتبار لإرسالها، مع الفات النظر إلى تصريحه (ره) إلى انه أخذ جميع روايات كتابه " من لا يحضره الفقيه " من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع.

يروي الصدوق في " من لا يحضره الفقيه " باب الظهار ح 4827: وقال عليه السلام: ولا يكون ظهار إلى على مثل موضع الطلاق. [2]

يقول الشيخ الطوسي (ره) بعد ذكر هذا الرواية وروايتان قبلها في " الاستبصار ": " اول ما في هذه الاخبار ان الخبرين وهما - الاخيران - مرسلان، والمراسيل لا يعترض بها على الاخبار المسندة لما بيناه في غير موضع. واما الخبر الاول فراويه ابو سعيد الآدمي - سهل بن زياد – وهو ضعيف جدا عند نقّاد الاخبار، وقد استثناه ابو جعفر بن بابويه في رجال نوادر الحكمة " . [3]

قد يقال هنا رفض المرسل إذا كان معارضا بمرسل لا مطلقا ولو لم يكن معارضا.

وفي موضع آخر في تعليق الشيخ الطوسي على خبري الزعفراني في الاستبصار ج 2 باب ذكر جمل من الاخبار يتعلّق بها اصحاب العدد ح 230 و 231: " انهما خبر واحد لا يوجبان علما ولا عملا، ولان راويهما عمران الزعفراني وهو مجهول، وفي اسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته ". [4]

فالشيخ الطوسي القريب جدا من الصدوق لا يعمل بالمرسلات وما أكثرها في كتاب " من لا يحضره الفقيه " فكيف لنا بعد ألف عام ان نقول بصحة كل ما في الكتاب، بصدور الروايات أو بحجيتها.

ومن المؤيدات وجود المتعارضات: في التهذيب والاستبصار كثيرة جدا وفي " من لا يحضره الفقيه " نادرة لسبب واحد وهو ان الصدوق (ره) عند التعارض اختار ما يحكم به هو، لم يختر الصحيح من غيره، قال: " ما حكم بصحته ويكون حجة بيني وبين الله ". هذا حدس منه واجتهاد. ومع ذلك هناك اخبار متعارضة نقلها.

قد يقال إذا تعارض الخبران لا يعني انهما لم يصدرا. بل قد يكون الاثنان قد صدرا لكن تقيّة، هذا صادر لبيان حكم واقعي، وهذا صادر للتقيّة، وتعارضا. كذلك في الاخذ بالمتأخر فلا يعني أن السابق غير صادر، بل يحتمل صدور كليهما، لكن تأخر الثاني لعلّة، والحجة هو الثاني، رغم صدور الاول.

ونقول: مرجحات باب التعارض منها ما يمكن صدورهما معا، وذلك عند كون المرجح مخالفة العامة، والتأخير، ومنها ما يكون أحد الخبرين صادرا دون الآخر كموافقة الكتاب، لان المعارض الذي يخالف الكتاب لا يكون صادرا قطعا " ما خالف قول ربنا لم نقله " وهكذا الترجيح بالاوثقية، فان الآخر لا يكون صادرا. ومع ذلك فالروايات المتعارضة موجودة في الكتب الأربعة.

النتيجة: ان الشيخ الصدوق عندما حكم بأحدهما يكون هذا رأيه وحدس منه ونحترمه، لكن ليس بحجة على الاعلام والفقهاء، بل حجة عليه.

هذا من المؤيدات على ان ليست كلها صحيحة.

 


[1] في العنعنة اشكال قوي. مرّة يقول حدثني فلان، يعني مباشرة. ومرّة اقول عن فلان فهذا يشمل المباشر وغير المباشر، فان المنقول عنه إذا لم يكن مباشرا يمكن ان أقول: نقلت عنه. لكن نطرد هذا الاشكال بان الظهور هو للمباشر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo