< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

41/05/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التوثيقات العامة:

كل من وقع في الطريق إلى شخص في المشيخة:

     توهم البعض أن جميع روايات الكنب التي أخذ منها الصدوق أحاديث كتابه صحيحة، سواء كان السند صحيحا أم ضعيفا.

     رد السيد الخوئي (ره) على هذا التوهم: من بدأ الصدوق بهم السند ليسوا أصحاب الكتاب دائما، فعليه أخذها بالواسطة، وما ادرانا بالواسطة؟

     الرد على السيد الخوئي بان الصدوق كان مطمئنا لوجود الروايات في هذه الكتب بانه عن حدس من الصدوق لا عن حسّ منه، فلا يكون حجة علينا.

بعد التعزية باستشهاد سيدتنا ومولاتنا السيدة فاطمة الزهراء (ع).

نكمل الكلام في مشيخة الشيخ الصدوق (ره) وانه كل من وقع في طريق المشيخة هو ممدوح على ما ذكره الشيخ المجلسي (ره)، بناء على ما ذكره الشيخ الصدوق من انه اخذ الروايات من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع، أي انه يشهد بشهرة هذه الكتب ومدحها واعتبارها واهميتها واحترامها عند الاصحاب، لذلك بعضهم قال: ما الداعي إذن لعلم الرجال؟ " من لا يحضره الفقيه " كتاب كامل اخذت رواياته من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع. ولذلك تكون الروايات بأكملها معتبرة، وبعضهم جراها " للكافي " و " الاستبصار " والتهذيب أي الكتب الاربعة، فلا داعي للبحث في السند ولا فرق بين الصحيح والضعيف.

إذن هذا التوهم منشؤه كلمة الشيخ الصدوق في " من لا يحضره الفقيه " وايضا في " الكافي " حيث قال: انه اخذ هذه الاحاديث والروايات من الآثار الصحيحة عن الصادقين (ع). لقد ذكرنا هذه المسألة وناقشناها في بدايات الحاجة إلى علم الرجال.

نعود لكلام السيد الخوئي (ره):

" وبما ذكرناه [1] يظهر بطلان أمر آخر قد توهمه غير واحد ممن لم يتأملوا في عبارة الصدوق.

بيان ذلك: أن جملة من طرق الصدوق ضعيفة على ما تقف عليها وعلى جهة ضعفها في ما يأتي إن شاء الله تعالى، ولكنه مع ذلك توهم بعضهم أن ضعف الطريق لا يضر بصحة الحديث، بعد ما أخبر الصدوق بأن روايات كتابه مستخرجة من كتب معتبرة معروفة معول عليها، فالكتاب إذا كان معروفا ومعولا عليه لم يضره ضعف الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة تبركا، أو لأمر آخر. [2]

ونختصر رد السيد الخوئي (ره): السند من الشيخ الصدوق(ره) إلى من بدأ بالسند إلى صاحب الكتاب. من بدئ به السند تارة هو صاحب الكتاب وتارة ليس هو صاحب الكتاب، بعبارة اخرى: من بدأ به السند إما أن يكون هو نفسه صاحب الكتاب أو أن يروي الكتاب بالواسطة. الشيخ الصدوق لا ينص على أنه بدأ السند بصاحب الكتاب فبين صاحب الكتاب ومن بدأ به السند عموم من وجه. يعني بعض اصحاب الكتب نفس ما بدأ به السند، لكن بعض اصحاب الكتب غير ما بدأ بهم السند، وبعض آخر ممن بدأ بهم السند غير اصحاب الكتب. اصبح الكلام في هذه المسافة بين من بدأ به السند وبين صاحب الكتاب، من يقول أن هذا الطريق صحيح؟ طالما يحتمل أن لا يكون مباشرة.

يقول السيد الخوئي: وقد ظهر بطلان هذا التوهم، وإن الكتب المعروفة المعتبرة التي أخرج الصدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السند في الفقيه وقد ذكر جملة منهم في المشيخة،

السيد يركز على هذه النقطة أي من بدئ به السند ليس هو صاحب الكتاب، بل يحتمل أن يكون بينه وبين صاحب الكتاب أما ارسال أو له طريق مسند أو قد يكون مباشرة. الاحتمالات واردة ومعها كيف استطيع ان اطمئن إلى هذا السند؟ الكتب مشهورة، لكن طريق الصدوق إلى الكتاب قد يكون غير مجهول وبعض الطرق ضعيفة، وقد تكون مرسلة، وما اكثرها عند الصدوق (ره)، فكيف نستطيع ان نثق بالطرق بين من بدأ به وصاحب الكتاب؟

وإنما هي كتب غيرهم من الاعلام المشهورين التي منها رسالة والده إليه - طاب ثراهما -، وكتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد - قدس سره -، فالروايات الموجودة في الفقيه مستخرجة من هذه الكتب. وأما أنها صحيحة أو غير صحيحة فهو أمر آخر أجنبي عن ذلك. [3]

وبهذا يفترق كتاب " من لا يحضره الفقيه " عن كتابي الشيخ الطوسي (ره) في التهذيب والاستبصار، حيث صرّح وقال: من بدأت به السند هو صاحب الكتاب، والشيخ الصدوق لم يصرّح.

ونلخص كلام السيد الخوئي (ره) في ثلاث نقاط:

    1. إن اصحاب الكتاب غير من وقع ذكرهم في المشيخة.

    2. إن من بدئ بهم السند ليسوا هم من ذكروا في المشيخة.

    3. إن التقييم لهذه الكتب – أي انها مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع " هذا التقييم هو للكتاب، ولا يعني ان اصحابها ثقات، وهذا التقييم ليس للمشيخة.

ونستنتج من كون هذا التقييم للكتب لا للمشيخة، فلا مدح للمشيخة بل المدح للكتب، فلا تدل لا على مدح كل من وقع في المشيخة ولا على تصحيح كل الروايات.

ونعلّق على كلام السيد الخوئي (ره): اننا نسلم بالنقطة الاولى وهي أن اصحاب الكتب هم ليسوا من ذكر في المشيخة، بل بينهما عموم وخصوص من وجه.

ونسلم بالنقطة الثانية وهي ان من بدئ بهم السند ليسوا هم اصحاب الكتب، بل بينهما عموم وخصوص من وجه.

ونسلم بالنقطة الثالثة ايضا، وهي أن هذا التقييم والمدح للكتب لا للطرق حتى ولو كانت طرق الصدوق إليها ضعيفة.

ولكن لا نسلّم بالجواب على التوهم. فان التوهم هو صحة جميع الاحاديث المروية في كتابه " من لا يحضره الفقيه " بدليل المدح المذكور، خصوصا مع ملاحظة ان الصدوق (ره) قد افتى بها، فهو على جلالته ووثاقته ومكانته قد عمل بهذه الروايات، كما يصرح هو نفسه حيث يقول: بل قصدت إلى إيراد ما افتي به [4] ، واحكم بصحته [5] واعتقد انه حجة بيني وبين ربي عز وجل.

وما ذكره (ره) لا يخدش بالمدح المذكور بالكتب وان كانت الطرق ضعيفة، بل وان كان من ابتدأ به السند صاحب كتاب ولكنه أخذ الحديث بطريق آخر غير طريقه إلى صاحب الكتاب. وبالتالي، فالكتب المأخوذ منها الروايات ممدوحة، فتدل على صحة جميع ما ذكر فيها ولا علاقة لما ذكره السيد الخوئي (ره) من المقدمات لدرء هذا التوهم. لكن نفهم كلام السيد الخوئي بشكل آخر وهو: يوجد في الرواية جزءان من الطريق:

الاول: الطريق من الصدوق إلى أول من بدأ به السند.

الثاني: الطريق ممن بدأ به السند إلى صاحب الكتاب.

ولما كان من بدأ به السند ليس بالضرورة ان يكون صاحب كتاب، فالرواية قد تكون مأخوذة من الكتاب مباشرة، او غير مباشرة بحيث يكون الصدوق له طريق إلى الكتاب المشهور وحينئذ ننظر إلى هذا الطريق – من بدء السند إلى صاحب الكتاب – فقد يكون صحيحا وقد لا يكون.

تقييم مقاربة الخوئي (ره) لتصحيح روايات الفقيه:

وهذه مقاربة معقولة مستندة إلى النقطة الاولى وهي ان ما بدئ به السند ليس صاحب كتاب بالضرورة.

ولكن هذا الاستنتاج غير ظاهر، بل الظاهر هو اطمئنان الشيخ الصدوق بوجود الحديث في الكتب التي عليها المعوّل سواء بالمباشرة أم بغير المباشرة.

ولذا يرد عليه حينئذ: إن اطمئنان الصدوق لصدور الحديث حدسي فلا يكون حجة علينا، فيبقى الحديث حينئذ في خانة المؤيد لا في خانة الحجة.

غدا نكمل الجواب ونصل إلى نتيجة.


[1] مقصوده (ره) هو: ان ليس كل من بدأ به السند هو صاحب الكتاب، معناه ان السيد الخوئي يستكشف انه إذا لم يكن هو صاحب الكتاب، يكون بين ما بدأ به السند وصاحب الكتاب هناك طريق. فللنظر إلى هذا الطريق هل هو صحيح أو لا. الكتب نفسها مشهورة لكن الطريق ليس من المعلوم انه صحيح.
[2] قلنا الامر الآخر لعلّه مقصوده ان بعض ابناء العامة كان يشنع على الشيعة انكم تروون بلا اسناد وبلا رجال حديث، حينئذ وضعت الاسناد لاجل ذلك. وذكر الاسناد لاخراجها عن الارسال ردا على من يشنع من ابناء العامة.
[4] أي إذا كان هناك متعارضين الذي ارجحه ذكرته اما الآخر فلم اذكر. نادرا ما يأتي الشيخ الصدوق بالروايات الضفاف، وهذه ثغرة في كتاب " من لا يحضره الفقيه "، كل الروايات المعارضة لم يذكرها، ذكر المرسلات.
[5] الصحيح له ثلاثة معاني: معنى قديم وهو الصدور، ومعنى آخر ما بين القديم والعلامة هو المعتبر، ومعنى آخر وهو اصطلاح العلامة وابن داوود من قبله هو عدل عن عدل عن عدل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo