< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

40/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص مباحث علم الرجال.

قاعدة مشايخ الثقات:

ادلة تضعيف علي بن ابي حمزة:

بعد ذكر ادلة التوثيق لعلي بن ابي حمزة نأتي إلى ادلة التضعيف.

ادلة الضعف: ثلاثة: أ – انه كان واقفيا، ب- الروايات التي تذمه ( يمتلئ قبره نارا) ( كالكلاب الممطورة ) .

ج- ابن فضال كان يقول عنه برواية خاصة انه كذاب ملعون.

التضعيف الاول: وهو كونه واقفيا:

والجواب: إن العقلاء لا يربطون بين صحة الاعتقاد والوثاقة، بل قد يكون ثقة وفي نفس الوقت فاسد العقيدة، الملكات الاخلاقية لا ترتبط دائما بالايمان وبنهج الحق، (وهذا المسلك العقلائي يجري عند المتشرعة ان دليل حجية خبر الثقة عقلائي فالعقلاء يعملون بخبر الثقة او الخبر الموثوق [1] )، وكذلك المتشرعة عملوا باخبار الفطحية والزيدية والعامة وغيرهم كما مرّ معنا في كلام الشيخ الطوسي عندما قال في العدة: ... وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه، ولا يعرف من الطائفة العمل بخلاف وجب ايضا العمل به إذا كان متحرزا في روايته موثوقا في أمانته وان كان مخطئا في اصل الاعتقاد. ولاجل ما قلناه عملت الطائفة باخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره واخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن ابي حمزة وعثمان بن عيسى... [2]

هذا اولا.

وثانيا: اني احتمل احتمالا معتدا ان حركة الواقفة كانت حركة امنية خطط لها الامام الكاظم (ع) لحفظ نفس الامام الرضا (ع) لكن هذا الاحتمال لا يصل إلى مرحلة الجزم والاطمئنان بذلك وتبنيه، وهذا كاف لدفع تهمة الانحراف.

بيان ذلك: ان الائمة (ع) كانوا يعيشون حالة طوارئ امنية، واحيانا كانوا يفتون بغير الواقع تقيّة، ولقد افطر الامام الصادق (ع) في شهر رمضان في اليوم الذي كان عيدا عند العباسيين، وعندما سأله بعض اصحابه اجابه بما معناه: لئن أفطر يوما من شهر رمضان افضل من ان اقتل. نعم الامام الحسين (ع) كان استشهاده اهم من بقائه.

كما ان الامام الصادق (ع) اوصى من بعده لخمسة احدهم المنصور (قد يقال ان هذا تضليل للناس)، وذلك لتضليل بني العباس وجلاوزتهم عن التعرض لابنه الكاظم (ع). وهذا ما كان شأن الكاظم مع ابنه الرضا (ع) فخوفا على الرضا (ع) وحفظا لحياته اوعز إلى عدد من كبار اصحابه إلى عدم القول بإمامة الرضا (ع) لكي يدخل في وهم الدولة العباسية ان الرضا (ع) لم يعد حوله اصحاب وقد انفضوا عنه، فلم يعد خطرا عليهم فينشغلوا عنه ويتركوه. وكان المدار لتفرقهم عنه هو احتفاظهم بما لديهم من اموال الكاظم (ع)، وهذا المبرر مقبول عند أهل الدنيا فهو معبودهم. قد يقال هذا إيقاع للناس في الضلالة، فانه يقال: إن الامام (ع) كان ياخذ الاجراءات المناسبة لتوضيح الحق بين وانتشاره بين الناس ولو بعد حين، ومؤشرات هذا الاحتمال عديدة:

منها: ان علي بن ابي حمزة البطائني، وهو شيخ الواقفة وعمادهم روى عن الكاظم (ع) : محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن الحسن، قال: حدثني ابو داوود المسترق عن علي بن ابي حمزة قال: قال ابو الحسن موسى (ع) : يا علي انت واصحابك شبه الحمير. [3]

والنكتة في الاستدلال بهذه الرواية على ما نحن فيه هي ان علي بن ابي حمزة روى عن الكاظم (ع) لا عن الرضا (ع) فهو روى ذمّه ما يمسّ شخصه، عن رجل يعتبره اماما معصوما يؤمن به ويقتدي به، اما الرضا (ع) فالرواية عنه لا تمسّ بشخصه لانه لا يؤمن به ظاهرا. وهذا المضمون ورد في سندين آخرين.

ومنها: ان حركة الواقفة انتهت بسرعة، وعاد معظمهم إلى الرضا (ع) واعادوا الاموال التي كانت بحوزتهم اليه، وكانهم فعلوا ذلك بعد ان اطمأنوا إلى ذهاب الخطر الكبير الداهم عن الرضا (ع) وان بقيت الاخطار محدقة بهم جميعا، لكنها لا تصل حدّ المنع من الجهر بالحق.

اما الروايات التي وردت كتشبيههم بالكلاب الممطورة، وان علي بن ابي حمزة الذي توفي في زمن الرضا (ع) امتلأ قبره نارا، فلعلّها تصب في الحركة الاعلامية لنفس حركة الواقفة أي روّجوا لها ليستحكم ابهام بني العباس، وليتحقق الغرض من حركتهم. اعود واقول ان هذه الفكرة لا اتبناها لكنها احتمال معتد به كبقية الحركات المخابرتية الامنية التي اصطنعها الائمة لحفظ انفس الائمة في حالة الطوارئ التي كانوا يعيشونها.

وهذا الاحتمال له ثمرتان:

الاولى: ان الاتهام بالوقف حينئذ ليس اتهاما ذاما وليس تجريحا.

ثانيا: ان من يتطاول على الشيعة ويجرح بهم، بان كبار فقهائهم انحرفوا عقائديا ولاجل المال لن يستطيع التهجم على فقهاء الشيعة والتشيع، إذ مع احتما كون موقف الواقفة موقف شرفا وموقف تضحية، حيث انهم ضحوا بسمعتهم وموقعهم بين الناس، لا يبقى مكان الاستدلال بذلك على التجريح بعلماء الشيعة.

التضعيف الثاني: النصوص: قال ابن مسعود العياشي: سمعت علي بن الحسن بن فضال: ابن ابي حمزة كذاب ملعون، قد رويت له احاديث كثيرة، وكتبت تفسير القرآن كله من اوله إلى آخره، إلا اني لا استحل ان اروي عنه حديثا واحدا. [4]

اولا: هذه الرواية واردة في الامور العقائدية، لكن ظاهرها ليس عقائديا. وقد يقال ان المراد هو الحسن بن ابي حمزة.

وهناك رواية اخرى بنفس هذا المضمون.

ثانيا: ان العياشي لا يمكن ان يكون قد سمع ابن فضال، فبينهما حوالي القرنين من الزمن، ولذا لا بد من إرادة ان سماع احد رجال السند المحذوفين من نسخة العياشي.

- علي بن محمد (بندار)، قال: حدثني محمد بن أحمد (الاشعري)، عن أبي عبد الله الرازي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال، قلت: جعلت فداك اني خَلَّفتُ ابن أبي حمزة وابن مهران وابن أبي سعيد أشد أهل الدنيا عداوة لله تعالى. قال، فقال: ما ضرك من ضل إذا اهتديت، انهم كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وكذَّبوا أمير المؤمنين وكذَّبوا فلانا وفلانا وكذَّبوا جعفرا وموسى، ولي بآبائي عليهم السلام أسوة.

قلت جعلت فداك إنا نروي أنك قلت لابن مهران أذهب الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك.

فقال: كيف حاله وحال بزه؟ قلت: يا سيدي أشد حال هم مكروبون وببغداد لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة، فسكت. وسمعته يقول في ابن أبي حمزة: أما استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى وهو صاحب السفياني؟ وقال: إن أبا الحسن يعود إلى ثمانية أشهر؟. [5]

من حيث السند: الرواية ضعيفة، عن ابو عبد الله الرازي هو محمد بن احمد الجاموراني ضعيف في الحديث لم يوثقه احد، لذلك الرواية سندا ضعيفة.

ومن حيث الدلالة: اولا: قال: " كذَّبوا رسول الله " لم يقل: " كذَبوا " وهناك فرق بين " كذَّب " و " كذَب ".

" كذَّب " أي كذبت مقالته، هو يقول شيء وانا اقول انت كاذب. اما " كذب " يعني اكذب عليه، فالكاذب هو انا اكذب ولا اقول الصدق. " كذَّبه " يعني قلت له انت لا تقول الصدق. هنا قال " كذَّب رسول الله " يعني انه قال ان رسول الله لا يقول الصدق. وهذا يعني تكذيب في العقيدة، كذبوا جعفر (ع) والكاظم (ع) وهنا وقف عند الكاظم (ع) ورووا عنه (ع)، كذبوا الكاظم في امامة الرضا (ع) وليس انه لم ينقلوا عنه الصدق وانه اخبروا اخبارا كاذبة عنه، ليس هذا المراد، " كذَّب " غير " كذب ". هذا اولا.

ثانيا: هذا وارد في العقيدة، وثالثا: ان الرواية ضعيفة سندا.

غدا ان شاء الله سنكمل رواية تضعيف ابن فضال، وسنتطرق إلى اني أقبل روايات علي بن ابي حمزة البطائني، نعم إذا تعارضت رواية ابن ابي حمزة مع رواية زرارة او امثاله يكون رواية ابن ابي حمزة مرجوحة، لكن إذا انفرد برواية ناخذ بها، فقد قال عنه الشيخ الطوسي انه كان متحرزا بروايته. نعم كيف نرجح توثيق الشيخ الطوسي (ره) على توثيق ابن فضال مع العلم ان الشيخ الطوسي جاء بعد ابن فضال بمأتي سنة، سنبين ذلك ان شاء الله في الدرس القادم.

 


[1] ذكرنا مرارا اني اقول بالخبر الموثوق لكن مع زيادة ان خبر الثقة يؤدي إلى وثاقة غالبا بطبع خبر الثقة. السيد المرتضى (ره) كان يقول بان خبر الواحد ليس حجة إلا ما كان مطمئنا به، خلاف الشيخ الطوسي الذي كان يقول بان خبر الثقة حجة، والسيد الخوئي (ره) كان يقول بان خبر الثقة حجة. انا مع السيد المرتضى لكن مع تكملة بسيطة وهو ان العقلاء يعملون بالخبر. إذا اطمئنوا به اطمئنانا عقلائيا أي 96 % بالمئة يأخذون به. لكن كيف تحصل الوثاقة؟ غالبا من خلال خبر الثقة، إذا اخبر الثقة يحصل الاطمئنان. وانما سمي الثقة ثقة لتلبسه عدّة مرات بالاخبار الصحيحة، من قبيل تسمية الحداد بالحداد لكثرة تلبسه بالحديد، وكذل اللبان لبانا لكثرة تلبسه باللبن. لذلك بطبع البشر إذا اخبر الثقة يطمأن إلا ان يكون هناك معارض أو موهن. ولكن هذا لا يعني ان الاطمئنان لا يكون إلا عن خبر الثقة، فقد يطمئن الانسان بقرائن اخرى، ولذلك قالوا ان الخبر القطعي الصدور قسمان: قسم بالتواتر، وقسم خبر واحد لكنه محفوف بقرينة قطعية. صاحب المعالم (ره) كان يمثل بان لو جاء رجل لا اعرفه كليا وقال لي ان الملك قد مات لا يحصل عندي اطمئنان لاني لا اعرفه، لكن إذا خرجت إلى الشارع ووجدت السواد وعلامات الحزن، هذه قرينة وهذا خبر واحد من مجهول لكن محفوف بقرينة قطعية تؤدي إلى قطع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo