< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

38/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : معنى الصحة.

     تحقيق معنى صحيح عند القدماء.

     الدافع إلى القول بعدم الحاجة ونقده.

     الادلة الاخرى على الحاجة إلى علم الرجال.

     معنى قول الصدوق " عليها المعوّل واليها المرجع ".

     التفريق بين المشيخة وارباب الكتب عند الشيخ الصدوق.

قلنا في الحاجة إلى علم الرجال إذا كانت الكتب الاربعة صحيحة جميعا فالحمد لله أي رواية نأخذ بها، او ما سمعته من بعض الفقهاء من ما هو موجود في وسائل الشيعة فكله صحيح، وهذا موجود ليس فقط عند الاخباريين او بعضهم، بل موجود حتى عند بعض الاصوليين. وقلنا ان الدافع لهذا الكلام عندما قالوا ان هذه الكتب الاربعة صحيحة القرائن من جملتها ان نفس الذين كتبوا الكتب هم شهدوا بصحتها عندما قالوا: الكليني قال: " بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام "، او قول الصدوق (ره): " وكل ما فيه من الروايات استخرجتها من كتب مشهورة عليها المعوّل واليها المرجع "، وهذا يعني ان هذا الشيء تام وصحيح ليس بحاجة إلى تحقيق والبحث عن السند وغير ذلك. امثال هذه التعابير اوهمت تواترها عند بعض الفقهاء نقلوا ان هذه الروايات كلها صحيحة بشهادة من كتبها.

وقلنا ان مفتاح المسألة ما معنى كلمة " صحيح " وان كان المعروف ان استعمال كلمة الصحيح هو في معنى الصادر والثابت، فإذا قلنا ان الصحيح بمعنى الصادر تكون شهادة من الكليني (ره) على صدور جميع الروايات التي ذكرها. اما إذا قلنا ان الصحيح بمعنى المعتبر الحجة، فهذا حجة عنده واجتهاد منه وقد لا يكون اجتهادا ولا حجة عندنا. إذن هناك معنيان المعنى الاول: القطعي الصدور، والمعنى الثاني: ظني الصدور لكنه معتبر لانه ثقة ويحتمل فيه الخطأ.

إذن الكلام في المعنيين وذكرنا ادلّة على الحاجة إلى علم الرجال وان اول الرد على هذا الكلام ان الكتب الاربعة ليست قطعية الصدور وإن كان الكليني قد رواها وإن كان الثقات ثقة عن ثقة عن ثقة، هذا يؤدي إلى ظن وقد يكون ظنا قويا واحتمال الخلاف والسهو والغلط، وستأتي الادلة لاحقا على ان هذه الروايات ليست قطعية الصدور، وإذا لم تكن قطعية الصدور هذه الكتب الاربعة او غيرها لانه كما قلنا ان هناك من قال بقطعية الصدور في الكتب الاربعة، بل ويوجد من قال بالتواتر المنقول لكل كتاب اخذ منه السيخ الصدوق في كتابه " من لا يحضره الفقيه "، لانه قال: " وكل ما فيها من روايات فقد استخرجتها من كتب عليها المعول واليها المرجع "، ثم يذكر بعد ذلك في مشيخته اثنين وثمانين كتابا.

تسعة اجوبة سنذكرها، منها واحد مؤيّد وليس دليلا على العدم.

الدليل الاول: وقد بيّناه سابقا ما ذكره الشيخ الصدوق نفسه، ويقول صاحب الوسائل: الشهادة بصحتها ولعل الاستفادة من تعبيرين لديه الاول: " ما افتي به واحكم بصحته " والصحة بمعنى الصدور.

الثاني: " جميع ما فيه مستخرج من كتب عليها المعول واليها المرجع ". ولذلك قال صاحب الوسائل (ره) : " وهو صريح في الجزم بصحة هذه الاحاديث والشهادة بثبوتها، وفيه شهادة بصحة الكتب المذكورة وغيرها ممن اشار اليه وثبوت احاديثها ".

وهنا نناقش كلام صاحب الوسائل (ره) فنقول: اما التعبير الاول فقد صرّح الشيخ الصدوق: " ان المراد من الصحة بما يفتي به ويعتقد انه حجة بينه وبين ربه ". أي انه اصبح معتبرا عنده وقد لا يكون معتبرا عندنا. فقد يكون مظنون الصدور ولكن قامت القرينة لديه على وجوب العمل به.

فإذا كنت انت تقول انه يجب العمل بخبر الثقة وغيرك يقول يجب العمل بالخبر الموثوق، فانت قلت ان هذا صادر او حجة بناء على قاعدة ان كل خبر ثقة فهو حجة. وانا اقول ان كل خبر موثوق فهو حجة. فكيف استطيع ان اتكل على اجتهادك، هذا اجتهاد منك واجتهادك حجة عليك لا علينا، ونحن نحترمه ونعتبره مؤيد كبير، وجود خبر في الكتب الاربعة مؤيد وليس دليلا.

التعبير الثاني: قوله:" من كتب عليها المعوّل واليها المرجع "، وقد استفاد منها الحر العاملي ثبوت كل الاحاديث الموجودة في تلك الكتب، اعتبر من هذه الكلمة ان الاحاديث متواترة جيل عن جيل بين الناس لا يشك بذلك أحد، من قبيل إذا قلت كتاب الجواهر للشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، تستطيع ان تقول وانت مرتاح : " قال صاحب الجواهر "، لكن لا تستطيع ان تأتي بسند خاص: سمعت فلانا إلى صاحب الجواهر، لكن كتاب الجواهر عليه المعول ومشهور بين الناس متداول ومتواتر. وكل هذا من هذا القبيل هذه الكتب عليها المعول واليها المرجع ولا معنى لان اطلب لكل كتاب سندا خاصا يستندون اليه.

إذن التعبير الثاني: قوله:" من كتب عليها المعوّل واليها المرجع "، وقد استفاد منها الحر العاملي ثبوت كل الاحاديث الموجودة في تلك الكتب، ولكن هو يقول في نفس الصفحة، ص 62 من الوسائل: " ان غيره – الشيخ الصدوق –

اوردوا جميع ما رووه ورجحوا احد الطرفين ليعمل به كما فعل الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار ولا ينافي ذلك ثبوت طرف المرجوح على الائمة سلام الله عليهم كما لا يخفى". يقول الشيخ الصدوق انه لم يأتي بكل الروايات بل ذكرت فقط الراجح، وهذا يعني انه اجتهاد وحدس منه وليس حجة علينا. وايضا إذا رجح رواية لا يعني ان غيرها غير صادر.

ونحن نقول ايضا انه لا ينافي عدم ثبوته. فإذا كان لدي خبران متعارضان، فإما ان يكونا صادرين وإما ان يكون احدهما صادرا، وإما غير صادرين كليا. الاحتمالات الثلاثة موجودة. وقد يكون المتعارضان غير صادرين، قد يكونا صادرين تقيّة، وقد يكون احدهما صادر دون الآخر. فالامام (ع) عندما يقول: " خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر " هذا اللسان لسان يدل على ان الاخر الشاذ النادر صادر واتركه. هنا الامام يميز الصادر من غيره، بعكس التقيّة يكون كلاهما صادرا.

فإذن الخبران المتعارضان ليس دائما صادرين، وهذا لا ينافي ثبوته، لكن لا ينافي ايضا عدم ثبوته.

ولذا فالترجيح تابع لاجتهاد الفقيه والمرجحات عنده ولا يعني ابدا ثبوت كل الاحاديث المعارضة وصدورها.

ولذلك يقول صاحب الوسائل (ره): واما الصدوق فلم يورد المعارضات إلا نادرا. وهذا يعني انه عاد إلى اجتهاده في تفسير المتعارضين وترجيح احدهما. وبالنتيجة نحن ملزمون بنقله لا باجتهاده. [1]

واما عبارته :" من كتب عليها المعوّل واليها المرجع " فمعنى ذلك احترام الكتاب وصاحبه وتقديره، مما يؤدي إلى اعتباره اجمالا لا تفصيلا كما سنرى في بقية الادلة التي سنوردها على عدم ثبوت تلك الروايات تفصيلا، بل المراد هو الثبوت الاجمالي مع مراعاة كل خبر على حدة من حيث الوثاقة والصدور.

الدليل الثالث على كون المراد من الصحيح هو المعتبر وعد قطعية روايات من لا يحضره الفقيه: قال في كتابه: " من لا يحضره الفقيه " مشيرا إلى الكتب المستخرج منها احاديثه: " وطرقي اليها معروفة في فهرست الكتب التي رويتها عن مشايخي واسلافي رضي الله عنهم.[2]

هنا هناك احتمالات هل هذا الفهرس هو نفس المشيخة او هو شيء آخر؟ الشيخ الصدوق اجل كل الاسناد وذكرها في الجزء الرابع اخر الكتاب بما سمي مشيخة الصدوق.

هنا السيد الخوئي (ره) هل الطريق إلى كتاب البرقي كتاب المحاسن مثلا، هل طريقه إلى المحاسن الذي هو المشيخة، هو نفسه المشيخة او ان طريق الكتاب غير المشيخة؟. السيد الخوئي يقول انهما امران لا امر واحد. وملخص ما يريد ان يقوله (ره): عندما يقول الشيخ الصدوق: " وطرقي اليها معروفة في فهرست الكتب التي رويتها " يعنى انه كان عنده فهرس خاص لم يصل الينا، والذي وصل الينا المشيخة. والمشيخة شيء والطرق إلى الكتاب شيء آخر، لانه عند مراجعة المشيخة في أخر الجزء الرابع يقول: " ما رويته عن فلان " لم يقل: " ما رويته في كتاب فلان " معناه ان طريقه إلى الكتاب يختلف عن طريق المشيخة خصوصا ان بعض من روى عنهم لم يذكر له كتاب, فإذن المشيخة غير الكتب. التفاته جيدة من السيد (ره) تستحق النظر.

يقول السيد الخوئي (ره) : " فانه يظهر من ذلك انه (قده) كان قد الّف فهرسا ذكر فيه طرقه إلى الكتب التي رواها عن مشايخه واسلافه، ولكنه لم يصل إلينا، فلا نعرف من طرقه غير ما ذكره في المشيخة من طرقه إلى من روى عنهم في كتابه. واما طرقه إلى ارباب الكتب فهي مجهولة عندنا، ولا ندري ان ايّا منها كان صحيحا، وايّا منها غير صحيح. ومع ذلك كيف يمكن دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين (ع). [3]

بيان كلام السيد الخوئي (ره): فهم السيد الخوئي ان الطريق إلى الكتاب غير الطريق إلى المحدّث والطريق إلى الكتاب ذكرها الشيخ الصدوق في فهرس خاص، وهذا لم يصلنا. واما الطريق إلى المحدّث فهو موجود في المشيخة. وأنى لنا أن نعرف صحة الطريق إلى الكتاب؟ ومعه كيف يمكن صحة دعوى العلم بصدور جميع هذه الروايات من المعصومين (ع).

ونحن نشير إلى ان هذا الاشكال يواجه بما ذكره الصدوق: " وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة .. وعليها المعول واليها المرجع" فكل المحدثين يحدثون عن كتبهم.

إلا أن يقال: أن بعضهم لم يعرف له كتب.

ممن روى عنهم الصدوق في المشيخة ولم يذكر لهم كتب: عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (ص 11 من المشيخة)

عمر بن يزيد ابو الاسود بياع السابري (ص 8). يعقوب بن عثيم من اصحاب الصادق(ع) (ص 6). هؤلاء وغيرهم وجد ان هناك من لم يذكر له كتاب وهذا يؤيد وجهة نظر السيد الخوئي (ره) ان المروي عنهم قد لا يكون عندهم كتاب، والمشيخة طريق للأشخاص لا للكتب.

فإذن طرقك إلى الكتب لا نعرفها فمن اين نعرف الكتاب الصحيح من غيره؟

الدليل الرابع: الاخبار المتعارضة كيف نعالجها؟ ان المرجحات تختلف عن بعضها البعض، فان الشهرة مرجحة لانها تميّز الصادر من غيره، لاحظ تعبير الامام (ع) : " فان المجمع لا ريب فيه ". ولا مجال للترجيح بالشهرة مع الجزم بصدورهما. كذلك الكلام في موافقة كتاب الله، ومعلوم وجود المتعارضات في الكتب الاربعة وغيرها. حتى الكليني (ره) يقول في حال التعارض عدنا إلى كلام الامام (ع) " خذ ما اشتهر بين اصحابك ..." وهذا يعنى انه اجتهاد منك لوجود المتعارضات، وهذه المتعارضات ليس كلها صادرة وإلا لا معنى ان نرجح بالشهرة، وما معنى ان نرجح بمخالفة كتاب الله وموافقته، وهذا يدل على ان واحد منهما صادر فيكون الثاني باطلا وغير صادر. المرجحات بعضها للتمييز بن الصادر وغيره، وبعضها للتمييز بين جهة الصدور وغيرها، وهذا يعنى ان احدهما غير صادر وعليه يكون الكافي ليس كله صحيحا ولا الكتب الاربعة كلها صحيحة.

غدا ان شاء الله نبيّن هذا الدليل بشكل أوضح.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo