< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

 

    1. بيان المسألة (50 ) من كتاب العروة الوثقى للسيد اليزدي (ره)، وبيان استنتاج السيد الخوئي (ره) عدم ذهاب اليزدي إلى جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

    2.

    3. عدم تماميّة هذا الاستنتاج، لأن مراد السيد اليزدي هو عدم الحاجة إلى التمسك بالعام بعد كون جواز النظر مشروطا بأمر وجودي كالمماثلة أو المحرّمية، إذ مع عدم ثبوت العنوان لا يثبت الحكم، لأن الأحكام تابعة لعناوينها.

    4.

النتيجة إلى الآن: وصلنا إلى جواز التمسك بالعام في الشبهة الحكمية والمفهوميّة والمصداقيّة في المخصص المتصل والمنفصل، إلا إذا دار أمر المخصص بين المتباينين، كما قالوا في الشبهة المفهوميّة في المنفصل، فإن العام وإن كان له ظهور في المنفصل إلا انه بحكم عدم الظاهر، أي أن هناك إجمال حكمي وليس إجمالا حقيقيا، نتيجة العلم الإجمالي في المخصص، أي أن إجمال المخصص لا يسري إلى العام حقيقة، وإنما يجري حكمه.

 

ونحن قلنا انه ليس هناك إجمال في العام ابدا إلا إذا دار أمر المخصص بين المتباينين فيسري الإجمال إلى العام حكما لا حقيقة.

 

والمعروف أن مشهور القدماء كما هو متداول بين الأصوليين المتأخرين، كان يقول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة في المخصص المنفصل، والمنسوب إلى السيد كاظم اليزدي (ره) صاحب العروة الوثقى الذي لم يصرّح به لكن استنتج من فتاواه،

 

وقد نفى ذلك السيد الخوئي ( ره)، وقد سبق وبيّنا الخلل في نفيه، ولا بأس بتتمة ما ذكره السيد الخوئي في مقام نفي النسبة إلى صاحب العروة وان كنت بانيا على الاختصار [1] ، حيث يقول في المحاضرات:

 

" ومما يشهد على أنه ليس من القائلين بذلك ما ذكره ( قده ) في كتاب النكاح واليك نصه:

 

( مسألة 50 ) إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجو..

 

توضيح السيد الأستاذ: مثلا هذه المرأة هل هي خالتي فيجوز النظر اليها أو اجنبيّة فلا يجوز النظر؟ هذا من موارد التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، أي أن المرأة مصداق للخالة أو لا، فلا يجوز النظر لأي امرأة إلا الخالة والعمّة وغيرها من المحارم وهذه اشك انها خالة. فالعام مأخوذ من الآية الكريمة: ﴿ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [2] ، خرج بدليل الخالة والعمّة وبقيّة المحارم والمماثل، هنا شككت في انطباق المخصص عليها، فإذا قلنا بجواز التمسك بالعام بعني يجب غض النظر عنها، وإذا قلنا بعدم جواز التمسك بالعام إذن لا دليل على التحريم من الناحية اللفظية فنذهب إلى دليل آخر، وإلا فالأصل البراءة.

 

كلام السيد الخوئي: بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع، وكذا بالنسبة إلى من يجب التستر عنه، ومن لا يجب وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوبة، فإن شك في كونه مماثلا أولا أو شك في كونه من المحارم النسبية أولا فالظاهر وجوب الاجتناب، لأن الظاهر من أية وجوب الغض ان جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلا أو من المحارم،

 

توضيح السيد الأستاذ: وجود الشرط الوجودي أي يجب احراز كونها خالة مثلا حتى يجوز النظر، فجواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو الخالة وليس عدم الخالة.

 

كلام السيد الخوئي: فمع الشك يعمل بمقتضى العموم لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية، بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك ).

 

توضيح السيد الأستاذ: فالاحكام تابعة لعناوينها فيجب أن اثبت عنوان المماثل لانه امر وجودي، مثلا حتى يجوز النظر، فالأصل عدم ثبوت العنوان.

 

كلام السيد الخوئي تعليقا على كلام صاحب العروة: فان هذا شاهد صدق على أنه ليس من القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.... [3]

 

يقول الفقير إلى رحمة ربه والفقير إلى السداد في مقام التعليق على كلام السيد الخوئي (ره):

 

أولا: إن السيد اليزدي (ره) ليس في مقام بيان رأيه في جواز التمسك بالعام وهدمه، بل هو في مقام دليله على ان جواز النظر مشرط بالمماثلية أو المحرميّة أو غير ذلك.

 

ثانيا: فمع تماميّة الأول لا يجري الثاني. إذا تمّت شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرّميّة أو نحو ذلك، كان الشرط أمرا وجوديا، ومع انتفائه بالأصل، أي أصل العدم ينتفي الحكم لان الاحكام تابعة لعناوينها، فلا أحتاج إلى عدم التمسك بعموم وجوب الغض. فمثلا: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [4] اريد ان اثبت صحة عقد البيع، بقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [5] هذا نصّ على البيع فلم يعد هناك من داع للتمسك بـ " اوفوا بالعقود " حتى نصحح البيع، في " أحل الله البيع " هذا نصّ وفي " " اوفوا بالعقود " هناك ظهور. وفي مقام الاستدلال، الاستدلال بالنص على الخاص مقدّم على الاستدلال بعموم العام.

 

ومثلا: لو شككت في أن هذه المرأة خالتي أو مماثلة، فإن آية الغض تشملها بعمومها، فيحرم النظر إليها، لكن النوبة لا تصل إلى عموم الآية [6] ، لأن الظاهر منها – كما قال اليزدي (ره) – أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلا أو من المحارم، أي يكون الحكم هكذا: يجوز النظر إلى المرأة إذا كانت مماثلة أو خالتك، ومع الشك بكونها خالة ينتفي جواز النظر، لأن موضوع الجواز لم يتحقق والاحكام تابعة لعناوينها ومع عدم الجواز لا تصل النوبة في الاستدلال على عدم جواز النظر إلى التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة [7] .

 

هذا ما أراده السيد اليزدي (ره) وليس في مقام بيان رأيه من المسألة الأصوليّة أو نفيها حتى يقول السيد الخوئي (ره) بان هذا تصريح من السيد اليزدي بانه لا يقول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، بل مراده ان التمسك بالعام لا تصل النوبة اليه لوجود دليل مقدّم عليه من باب تقديم الخاص على العام.

غدا ان شاء الله نكمل البحث في المسألة الفقهيّة: هل يجوز النظر إلى المشكوك؟


[1] طلب بعض الاخوة الطلبه ذكر مثال آخر على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة: مثلا: " على اليد ما اخذت حتى يؤدي " هذا الحديث يستنبط منه عام: " كل يد هي ضمانية " ثم أتى أدلّة مخصصة لبعض الايدي، فلو شككنا أن يدا ما ضمانية أو أمانية، اصبحت من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، فإذا قلنا بعدم جواز التمسك بالعام فلا دليل على انها يد ضمانيّة فيجري أصل البراءة. أما إذا قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، يعنى أن الاصل في اليد أن تكون ضمانيّة إلا ما خرج بدليل فلا بد من الضمان. فالأمثلة كثيرة.
[6] التمسك بعموم الآية صحيح لو تمّ لكن هناك اصل لفظي قبله. وقد ذكرنا في مسألة النهي عن المعاملة يقتضي الفساد انه هناك فرقا شاسعا بين ان انهى عن الشيء بعنوانه الخاص، أو انهى عن الشيء بعنوانه العام، كما لو قلت لك " أكرم العالم في البلدة " تسليط الضوء على اكرام العالم واهميّة العالم مع اختلاف الدواعي، وانا اعلم انه ليس هناك إلا زيد. فإذا قلت لك: " أكرم زيدا " أي اكرمه بعينه وقد يكون اكرامه لاسباب اخرى للتقوي والورع للعمل والنشاط وغير ذلك. فرق بين تعلّق الحكم بالعموم وتعلّق الحكم بالفرد.
[7] تمنٍ من السيد الاستاذ: حفظ كراس منهجية الاستنباط حفظا تاما لانه ينفع طالب العلم كثيرا: في الشبهة الحكمية: أولا: نبحث عن القطع فان لم يكن فابحث عن امارة فان لم يكن فابحث عن أصل لفظي فان لم يكن فابحث عن أصل عملي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo