< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

    1. ملخّص ما سبق.

    2. الجواب على الأوجه الثلاثة، وعمدتها التفريق بين التخصيص والتقييد، وان التخصيص لا يتدخل بمتعلّق حكم العام.

    3. فرق شاسع في عالم الثبوت وعالم الاثبات بين قولنا " أكرم كل عالم إلا الفاسق " وبين قولنا " أكرم العالم المقيّد بعدم الفسق ".

ملخّص ما سبق: بعد ما بيّنا الأوجه الثلاثة للقول بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وبعد ما بيّنا ان القدماء اشتهر عندهم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، بعد ما بيّنا أيضا كلام السيد الخوئي (ره) في ان القدماء لا يقولون بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وما استدلوا به على القدماء استكشافا بنحو الإن من بعض الفروع انهم يقولون بجواز التمسك بالعام، وبيّنا أيضا ما نراه خللا في استدلال السيد الخوئي على ذلك، عندما أشكل على الاستدلال على ذلك بالصورتين اللتين ذكرهما السيد كاظم اليزدي في كتابه العروة، وبيّنا انهما لا يتمان إلا بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وتطرقنا لذلك حتى نعلم ما هو رأي مشهور القدماء وإلا فمشهور المتأخرين هو عدم الجواز خصوصا في المتصل وفصّل بعضهم بين المخصص اللبي واللفظي، أما في المنفصل بعضهم قال بالجواز قياسا على الشبهة المفهوميّة. وما وجده السيد الخوئي (ره) خللا في استكشاف عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة من الفروع لم نجده خللا.

بعد بيان هذه المطالب نأتي إلى حلّ المسألة جذريا وهو رد على الوجه الأول والثاني والثالث:

الوجه الأول: الذي ذكروه هو ان التخصيص عبارة عن تقييد أي ان الخاص يدخل في مفهوم المتعلّق، " أكرم العلماء إلا الفساق " يعني " أكرم العلماء العدول "، ولما كانت الاحكام تابعة لعناوينها وكان زيد مشكوك العدالة إذن نشك في صدق العالم العادل عليه، إذن لا يجب اكرامه، إذن لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

الوجه الثاني: انه في عالم الثبوت أمران: " اكرم العالم إلا الفاسق " يعني " اكرم العادل ولا تكرم الفاسق "، وزيد اشك انه عالم عادل او عالم فاسق، فيدور امره بين حجتين ولا ادري تحت أيهما بنضوي المشكوك، إذن لا يجوز التمسك لا بهذا ولا بهذا، والنتيجة لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

الوجه الثالث: اننا لا نعلم بدخول زيد المشكوك فسقه تحت حكم العام، فلا نعلم بوجوب اكرامه حتى نقول ما الدليل على خروجه، أصلا هو لم يدخل.

والجواب:

نقول على هذه الأوجه الثلاثة ونحل المسألة جذريا، نقول: هناك مقدّمات نستند عليها مهّمة قد ذكرناها سابقا. نكررها ملخصا: التخصيص ما هو؟

إننا لا نسلّم بأن مؤدّى: " أكرم العلماء " و " لا تكرم الفساق منهم " هو وجوب " إكرام العالم على تقدير عدم كونه فاسقا فإن هذه الترجمة تؤدّي إلى انقلابه إلى تقييد لمتعلّق الحكم، فبدل أن يكون متعلّق وجوب الإكرام هو مطلق العالم صار متعلّقه العالم المقيّد بعدم الفسق، فينقلب المؤدّى من إخراج بعض الأفراد عن الحكم إلى تقييد لمتعلّق الحكم، أي انقلب من تخصيص ( باصطلاحنا وهو إخراج أفراد من حكم العام ) إلى تقييد باصطلاحنا ( وهو التدخل في متعلّق حكم العام )، اما اصطلاح المشهور هو ان التخصيص والتقييد امر واحد لكن التخصيص فرع العموم والعموم يكون بالوضع والتقييد بالاطلاق.

وقد بيّنا في مقدّمات الشبهة المفهوميّة والحكميّة ذلك بما لا مزيد عليه، ونعيد باختصار شديد:

فرق شاسع بين إخراج أفراد بنحو التخصيص كما لو قلنا: " أكرم العلماء إلا زيدا وعمروا، وبين إخراج أفراد بنحو التقييد كما إذا قلنا: " أكرم العلماء العدول " لإخراج زيد وعمرو الفاسقين، والحقيقة انه ليس بإخراج، هو اخراج في عالم الامتثال لا في عالم المتعلّق.

بيان الفرق بين عالم الثبوت وعالم الاثبات في التعبيرين:

عالم الثبوت هو عالم الواقع، وعالم الاثبات هو عالم الدليل والبرهان.

قد يقال: هذا المؤدّى هو واقع وفي عالم الثبوت لأن العالم إما عادل وإما فاسق، وعالم البيان والاثبات هو مرآة لعالم الثبوت.

فإنه يقال: إن عالم الثبوت ليس هذا المؤدّى أي ليس " أكرم العلماء إلا الفاسق منهم " في عالم الاثبات مؤدّاه في عالم الثبوت " أكرم العلماء العدول "، لوضوح الفرق بينهم وأنهما ليسا مترادفين، وإلا لما تعدّد التعبير وكل تعبير يؤدّي معنى يختلف عن الآخر في بعض جوانبه.

ففي مقام الثبوت يتفق التعبيران في وجوب إكرام العادل وعدمه في الفاسق، لكن يوجد في مقام الثبوت أمر آخر وهو أن المتكلم يريد من السامع إكرام المشكوك – كما هو المختار من جواز التمسك بالعام – فها هنا معان أخرى يختلف التعبيران فيها واللفظ الواحد ليس مستعملا في هذه المعاني هو منعى واحد وانتزع منه معان أخرى، هذه هو الخلل الكبير الذي وقع فيه الذين قالوا باستعمال اللفظ في اكثر من معنى وقالوا ان هذا موجود كثيرا في اللغة العربيّة كالكنايات المستعمل فيه معنى واحد المنتزع منه معنى آخر أو عشرات المعاني، هذا ليس من استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

نعود ونقول ان الأساس هو امر واحد يتفقان فيه ولكن تعبير " اكرم العالم غير الفاسق " استطيع ان انتزع منه في عالم الاثبات ان المشكوك يجب اكرامه، بينما " اكرم العالم العادل " في عالم الاثبات المشكوك لا استطيع ان أقول يجب اكرامه، هذا معنى لكنه ليس مستعملا فيه بل منتزع من اللفظ وللآمر عندما تلفظ اللفظ التفت له، لكن الالتفات شيء واستعمال اللفظ في المعنى شيء آخر. لذلك قلنا في مسألة استعمال اللفظ في أكثر من معنى فرق شاسع بين العلامة والاستعمال، بين العلامة والفناء. الذين قالوا بجواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى خلطوا بين الفناء والعلامة وقالوا انه يجوز ان يكون لفظ واحد علامة لأمرين، الصحيح ان العلامة شيء والاستعمال عبارة عن فناء تام. ولما قالوا بعدم الفرق قالوا بجواز الاستعمال في أكثر من معنى.

وفي مسألتنا " اكرم العلماء إلا الفساق " اريد ان اضيء على العالم حتى ابيّن اهميّة العلم، وهذا معنى آخر غير وجوب الاكرام، هذا معنى آخر الاحظه لكن لا يعني اني استعملت اللفظ فيه بل هو أمر منتزع من اللفظ عندما يكون في عالم الاثبات. هنا عالم الثبوت واحد وفي عالم الاثبات هناك معان أخرى منتزعة من اللفظ ولا مانع من كونها في عالم الثبوت لكن لا على نحو الاستعمال.

تماما كما في الفرق بين المتصل والمنفصل، فالتعبير بالمتصل: " أكرم كل عالم إلا الفاسق " يختلف عن التعبير " بأكرم كل عالم " ثم " بعد ذلك قلت " لا تكرم الفاسق من العلماء " فان دواعي فصل الخاص متعددة، وغير موجودة في المخصص المتصل، وإلا فلماذا يفصل المتكلّم الخاص؟! ومن هنا نقول باختلاف التعبيرين إثباتا وثبوتا، لان اختلاف الدواعي للوصل أو الفصل تختلف ثبوتا ولذا تختلف إثباتا وهذا هو الذي ينفعنا وهو انتزاع المعانى المتعددة.

غدا ان شاء الله سنعود لهذا الموضوع في تفسير الدلالات الثلاثة.

إشكال ورد: قد يقال: إذا كان ما ذكرتم من أن قولنا: " أكرم كل عالم إلا الفاسق " يستكشف منها جواز التمسك بالعام في المشكوك فسقه، هذا حكم ظاهري و" اكرم العالم مطلقا " حكم واقعي، كيف جمعت الحكم الظاهري مع الحكم الوقعي بتعبير واحد وهما لا يجتمعان؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo