< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

42/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص، الشبهة المفهومية.

    1. في المخصص المتصل اشتهر عدم جواز التمسك بالعام لعدم الظهور فيه.

    2. في المخصص المنفصل الدائر بين الأقل والأكثر يجوز التمسك بالعام في الأكثر المشكوك لتماميّة الظهور فيه.

    3. في المخصص المنفصل الدائر بين المتباينين لا يجوز التمسك بالعام حكما وإن ثبت ظهوره حقيقة، وذلك للعلم الإجمالي في الخاص، فيكون ظهور العام بحكم عدم الظهور.

الشبهة المفهومية:

بعد أن انتهينا من معالجة الشبهة الحكمية وهي التي لا تكون الشبهة مستندة إلى مفهوم المتعلّق وموضوع الحكم، ولا إلى مصداقه، وذهبنا إلى جواز التمسك بالعام فيها.

وننتقل إلى دراسة جواز التمسك بالعام في الشبهة المفهومية، أي ما كانت الشبهة مستندة إلى مفهوم العام دون ما كانت مستندة إلى مصداقه، ولا إلى أمور خارجة عنه. وعنونت هذه الشبهة بعناوين اخرى وهي هل يسري إجمال المخصص إلى العام فيجمله؟ مثلا: " أكرم العلماء إلا الفسّاق " ولا ندري بعد التحقيق معنى الفاسق، هل هو خصوص مرتكب الكبيرة أو يعمّ مرتكب الكبيرة والصغيرة؟ فالخاص مجمل، فهل يسري اجماله إلى العام فيصبح حكم العام ايضا مجملا، وسبب الإجمال هو إجمال المخصص مفهوما.

والكلام على مستويين: تارة على مستوى الأصل اللفظي، وتارة على مستوى الأصل العملي.

مستوى الاصل اللفظي يعني نفس اللفظ ماذا يدل على أي شيء لغة وعرفا وفهما في النصوص، ومستوى الأصل العملي هو بعد العجز عن تحقيق الأصل اللفظي وبقي مجملا، لم نستطع أن نصل إلى نتيجة، فماذا أفعل بالقسم المشكوك؟ أي مرتكب الصغيرة أكرمه أو لا؟ فماذا يقتضي الأصل العملي؟

إذن في المرحلة الأولى الأصل اللفظي، وفي المرحلة الثانية الأصل العملي.

فصّل الأصوليون المتأخرون بين أصناف المخصص، فهو إما متصل وإما منفصل، وإما يكون دائرا بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين، وإما يكون المخصص لفظيا أو لبيا، فتكون الأصناف ثمانية. فلنأخذها بالتفضيل:

الحالة الاولى: إذا كان المخصص متصلا وكان دائرا بين الأقل والأكثر مثاله: " أكرم العلماء إلا الفساق" وكان مفهوم الفاسق مجملا غير واضح دائر بين خصوص مرتكب الكبيرة وما يشمل مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة.

فقد ذهب صاحب الكفاية (ره) والسيد الخوئي (ره) وغيرهما إلى سريان الإجمال إلى العام، هم قالوا أن المتصل لا ظهور له لعدم نهاية الكلام، حينئذ الخاص المجمل وهو الجزء المشكوك من الخاص غير معلوم والعام ايضا مجمل لانه لا ظهور له، حينئذ لا يكون مرتكب الصغيرة تحت العام، لم يدخل تحت العام أصلا. فالمخصص المتصل لا ظهور له فإذن لا يشمل الجزء المشكوك، وعليه يكون القسم المشكوك غير داخل تحت ظهور العام أصلا وليس داخلا تحت الخاص فيسري الإجمال من المخصص إلى العام، حينئذ الجزء المشكوك لا استطيع التمسك فيه بالعام لعدم وجود ظهور للعام أصلا قبل انتهاء الكلام، فلا يمكن التمسك به في المشكوك، بل نقتصر على القدر المتيقن من العام وهو خصوص مرتكب الكبيرة.

وبعبارة اخرى: لا ظهور للعام حقيقة لا كتنافه بالمخصص قبل إنتهاء الكلام، ولا ظهور للخاص لكونه مجملا، فالفرد المشكوك غير مشمول لاية حجة.

يقول صاحب الكفاية (ره): وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا، أو بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا، فيسري إجماله إليه (إلى العام) حكما في المنفصل المردد بين المتباينين، وحقيقة في غيره:

أما الأول (أي إذا كان دائرا بين المتباينين مطلقا): فلان العام - على ما حققناه - كان ظاهرا في عمومه (في المنفصل) ، إلا أنه يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.

وأما الثاني (أي إذا دار المخصص في المتصل بين الأقل والأكثر): فلعدم إنعقاد ظهور من رأس للعام، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر، أو لكل واحد من المتباينين، لكنه حجة في الأقل، لأنه المتيقن في البين. فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل، وكذا في المجمل بين المتباينين والأكثر والأقل، فلا تغفل [1] . انتهى كلامه رفع مقامه.

ملاحظة: المراد من المتصل ليس المتصل النحوي، إذ عند النحاة الاستثناء على قسمين: قسم متصل وقسم منقطع، مثلا: "رأيت الناس إلا زيدا" استثناء متصل لان زيدا احد افراد الناس. وإذا كان المستثنى ليس أحد افراد المستثنى منه قيكون منقطعا، مثلا: " ما رأيت أحدا من الناس إلا حمارا"، الفرد المستثنى ليس فردا للعام، هذا منقطع وهو دائما منصوب. المراد من المتصل هنا ليس هذا المعنى، بل المراد من المتصل هو ما قبل انتهاء الكلام والمنفصل بعد انتهائه. وتبيّن الفرق بين المنفصل الأصولي والمنقطع النحوي.

ويقول السيد الخوئي (ره) ملخصا لكلام المعاصرين من الاصوليين: وأما الكلام في البحث الثاني - وهو ما يفرض الشك في التخصيص فيه من ناحية الشبهة المفهومية - فيقع في مقامين:

(الأول) فيما إذا كان أمر المخصص المجمل مفهوما دائرا بين الأقل والأكثر.

(الثاني) فيما إذا كان أمره دائرا بين المتباينين.

أما المقام الأول فتارة يكون المخصص المجمل متصلا، وأخرى يكون منفصلا. وأما إذا كان متصلا فيما أنه مانع عن انعقاد ظهور العام في العموم من الأول حيث أنه لا ينعقد للكلام الملقى للإفادة والاستفادة ظهور عرفي في المعنى المقصود الا بعد فراغ المتكلم منه فبطبيعة الحال يسرى اجماله إلى العام فيكون العام مجملا حقيقة يعني كما لا ينعقد له ظهور في العموم لا ينعقد له ظهور في الخصوص أيضا وان شئت قلت: ان اتصال المخصص بالعام مانع عن انعقاد ظهوره التصديقي في العموم فإن لم يكن مجملا انعقد ظهوره في خصوص الخاص وأما إذا كان مجملا فهو كما يمنع عن انعقاد ظهوره التصديقي في العموم كذلك يمنع عن ظهوره التصديقي في خصوص الخاص أيضا كقولنا ( أكرم العلماء إلا الفساق منهم ) إذا افترضنا ان مفهوم الفاسق مجمل ودار أمره بين فاعل الكبيرة فحسب أو الأعم منه ومن فاعل الصغيرة ففي مثل ذلك كما أن شمول الخاص لفاعل الصغيرة غير معلوم حيث لا يعلم بوضعه للجامع بينه وبين فاعل الكبيرة، كذلك شمول العام له نظرا إلى اجماله وعدم انعقاد ظهور له أصلا فلا يعلم أن الخارج منه فاعلا: الكبيرة والصغيرة معا أو خصوص فاعل الكبيرة ، وعليه فلا محالة يكون المرجع في فاعل الصغيرة الأصل العملي ، .....[2]

إذن المراد كله يدور حول: ان العام المتصل لا ظهور له في العموم ولذا لا نستطيع التمسك به، أو أنه كذلك حكما، وسيكون الجواب على هذه النقطة ونقول ان له ظهور في العموم لكن من حيث مفهوم المتعلّق كما بيّنا سابقا وسنبيّن لاحقا.

الحالة الثانية:إذا كان المخصص منفصلا ودار أمر المفهوم بين الأقل والأكثر، أي كان بين الإحتمالين عموم وخصوص مطلق. ففي هذه الحالة لا يسري الإجمال إلى العام بل يجوز العمل به ودخول المشكوك في حكمه، وذلك لان العام قد استقر له ظهور بعد نهاية الكلام، أما الخاص فهو على قسمين:

    1. قسم متيقّن وهو الأقل، وهو خرج عن حكم العام، وذلك لوجود ظهورين متصادمين فيه: الظهور الأول وهو ظهور العام حيث أنه يشمله، والظهور الثاني هو ظهور الخاص وهو القدر المتيقّن منه، فيقدّم عليه من باب تقديم الأظهر على الظاهر.

قد يقال: بأن الظهور وحده لا يفيدنا، وما يفيدنا في مقام العمل والمسؤولية هو الحجة، ولذا علينا أن نبحث عن الحجة.

فإنه يقال: قالوا إن الظهور مقتض للحجية، فهو يؤدّي إليها إلا مع المانع. بعبارة اخرى: ليس كل ظهور حجّة، مجرد الظهور أي ان هناك اقتضاء للحجية، إذا لم يكن هناك قرينة فيكون الظهور حجّة، وإذا كان هناك مخصص ارتفع الظهور وارتفعت الحجّية. الذي اريده ما هو الحجّة في حقي، والظهور مقتضي للحجيّة.

    2. وقسم مشكوك في شمول الخاص له، وهذا القسم لا يشمله إلا ظهور واحد وهو ظهور العام، أما مفهوم الخاص فلا ظهور له فيه للشك في شموله له، وعليه فمقتضي الحجية في شمول حكم العام لهذا المشكوك موجود، وهو ظهوره فيه، والمانع مفقود، فتمّت حجية العام في المشكوك، أي يجوز التمسك بالعام في هذه الحالة الثانية.

إذن في المتصل مهما كان لا يجوز التمسك بالعام، أما في المنفصل يجوز التمسك في العام في ما لو كان الخاص دائرا بين الأقل والأكثر.

يقول صاحب الكفاية (ره): فصل: إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا، بأن كان دائرا بين الأقل والأكثر وكان منفصلا، فلا يسري إجماله إلى العام، لا حقيقة ولا حكما، بل كان العام متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص، لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا، ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه، تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر، لا فيما لا يكون كذلك، كما لا يخفى. [3]

 


[1] كفاية الاصول، الشيخ الآخوند، ص220.
[2] محاضرات في أصول الفقه، تقريرات بحث الخوئي، الفياض، ج5، ص179.
[3] كفاية الاصول، الشيخ الآخوند، ص220.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo