< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

41/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص.

     هل العام حجة في الباقي بعد التخصيص أو لا؟

     التفصيل بين الشبهات: الحكمية والمفهومية والمصداقية.

     مسألة حجية الشك بالعام بعد تخصيصه هي من الشبهة الحكمية.

     دليل النافين من ابناء العامة: ان استعمال العام في الخاص هو من باب استعمال اللفظ في غير ما وضع له فيكون مجازا.

     المجاز يحتاج إلى قرينتين: صارفة ومعيّنة. ولا توجد قرينة معيّنة لمراتب المجاز، فيصبح مجملا، فلا يجوز التمسك بالعام بعد التخصيص.

فصل: حجية العام المخصص في الباقي.

بعد ان انهينا تأسيس مبحث العام والخاص وفصّلنا بين الدلالات الثلاثة وقلنا ان الدلالات ليست إلا واحدة وهي الدلالة التصورية، اما الدلالة التصديقية الاولى والثانية فليست بدلالات بل هي من حال اللافظ إلا بناء على رأي السيد الخوئي (ره) في مبحث الوضع عندما قال ان الوضع هو تعهد، فتصبح الدلالة لا بد فيها من التعهد، فتكون الدلالة الاولى بالنسبة له دلالة. لكننا نحن لا نقول ان الوضع من باب التعهد.

بعد الانتهاء من هذا الكلام نبدأ بأبحاث العام والخاص. نبدأ بعنوان عنونه القدماء: هل العام حجة في الباقي بعد التخصيص أو لا؟ مثل لو قلت لك: " أكرم العلماء إلا الفساق " كلمة عالم واضحة وكلمة فاسق واضحة، ولكني شككت في وجوب إكرام المسافر منهم، لا لعدم وضوح كلمة عالم وفاسق، لا يوجد شبهة مفهومية ولا شبهة مصداقية، بل لاحتمال وجود مخصص آخر، احتمال ان يرد " لا تكرم المسافر منهم "، او احتمال دليل لبّي، إكرام المسافر واجب أو لا؟ لا استطيع التمسك بـ " أكرم العالم إلا الفاسق " فأقول خرج الفاسق والباقي كله باق تحت العموم.

تقريبا عند الاصحاب في الشبهة الحكمية يجوز التمسك بالعام، نعم الخلاف عند أهل الخلاف. هذه المسألة عنونوها بعنوان: " هل يجوز التمسك بالعام بعد المخصص "

وقد عنون الآخوند (ره) صاحب الكفاية المسألة في كفاية الاصول بقوله: " فصل: لا شبهة في ان العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة في الباقي ". هذه المسألة قديمة.

نذكر بالمنهجية حيث قلنا ان الشبهات ثلاث: إما شبهة حكمية أو شبهة مفهومية أو شبهة مصداقية ولا رابع لها. لم استعمل كلمة شبهة موضوعية التي ذكرها الشيخ الانصاري (ره) عندما قسّم الشبهات إلى حكمية وموضوعية. والغيت كلمة الشبهة العنوانية، لانه يشترط في الاقسام عدم التداخل.

كلمة موضوعية تستخدم في عدّة معان: " أكرم العالم " الحكم هو الوجوب، المتعلّق هو الاكرام، والموضوع هو العالم. احيانا يقال عن المكلف أنه موضوع للحكم، احيانا يقال عن الشبهة الحكمية انها موضوعية وذلك عندما يكون حكم موضوعا لحكم آخر مثلا: اشتبه في طهارة يدي فهل استطيع ان اصلي بها؟ طهارة اليد موضوع لصحة الصلاة به، حكم موضوع لحكم آخر. لذلك كلمة موضوعية مستعملة في عدّة معان، ولكي اخرج الطالب من الاشتباه خرجت عن تقسيم الشيخ الانصاري (ره) وخرجنا بتقسيم آخر وهو الثلاثي: الشبهة الحكمية، والشبهة المفهومية، والشبهة المصداقية.

ونلاحظ ان كل الشبهات ترجع إلى الشبهة الحكمية، لكن الاشتباه بالحكم تارة يستند إلى غير الاشتباه بالمفهوم وغير الاشتباه بالمصداق، مثلا: " أكرم العالم إلا الفاسق " واشتبهت في وجوب اكرام المسافر لاحتمال وجود دليل آخر مخصص، هذا مرادنا من الشبهة الحكمية، عندما لا تستند الشبهة لا لإجمال المفهوم ولا لإجمال المصداق.

والشبهة المفهومية ما كان اشتباه الحكم مستندا إلى اجمال مفهوم المخصص، مثلا: " اكرم العالم الا الفاسق " كلمة الفاسق مجملة مفهوما. الفاسق هل هو مرتكب الكبيرة، أو مرتكب الكبيرة والصغيرة؟ فالمخصص يدور امره سعة وضيقا بين معنيين متباينين أو اقل واكثر.

الشبهة المصداقية يستند اشتباه الحكم إلى اشتباه المصداق، كلمة عالم وفاسق واضحة لكن زيد نفسه لا أدري أفاسق هو أم عادل؟ فعدم علمي بوجوب إكرام زيد ليس مستندا لا إلى الاشتباه بالحكم ولا بالموضوع ولا المفهوم، بل رأيت بعض مسلكه الخارجي. لذلك الشيخ الانصاري (ره) يقول في الشبهة الموضوعية: مرجعها إلى الامور الخارجية أي المصاديق، لذلك الشيخ لم يتعرض لاسبابها، لان اسبابها أمور خارجية والامور الخارجية لا تنحصر. اما الشبهة الحكمية فقد تعرض لحصر اسبابها ومرجعها إما إلى فقدان النص أو إلى اجمال النص أو لتعارض النصين. [1]

مسألتنا هي البحث في الشبهة الحكمية بالمعنى الذي قلناه غير المستند إلى اجمال المفهوم او المصداق، عنونها السابقون: " هل يجوز التمسك بالعام بعد المخصص "، عنونها صاحب الكفاية (ره): " فصل: لا شبهة في ان العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة في الباقي ". عند الاصحاب بمعظمهم يجوز التمسك بالعام في الشبهة الحكمة، اما أهل الخلاف فقد وقع بينهم الخلاف.

وقبل بيان محل النزاع نلفت إلى الفرق بين العرف والشرع:

في العرف يوجد عام وخاص وكذا في التشريعات، إلا أن الفرق أن العموم والخصوص في العرف لا يكون إلا متصلا، وأما المنفصل فيحمل على النسخ، إلا مع القرينة، أي ان يأتي الآخر العرفي بالعام توطئة وتمهيدا للتخصيص من باب ضرب القاعدة. ومثال على ذلك الفرق بين النكتة والكذب حيث يفترقان في المراد الجدي أي في الدلالة التصديقية الثانية النكتة ليس فيها مراد جدي بينما المراد الاستعمالي موجود، الارادة التفهيمية موجودة. هنا يوجد قرينة على انه لا يوجد دلالة تصديقية ثانية.

اما في الشرع المقدس فيحمل العام والخاص على التخصيص لا على النسخ، لان الله يعلم ما يريد من الاول، واما النسخ فيحتاج إلى مؤونة وتكلّف ودليل.

وعلى أية حال: قلنا إن الخلاف في مسألة حجية العام المخصص في تمام الباقي هي عند أهل الخلاف.

ما الذي دفعهم بالقول إلى عدم حجيّة العام بعد التخصيص؟ يذكر هذا الكلام صاحب المعالم (ره): إن مفصل المسألة هو ان استعمال العام وإرادة الخاص هل هو من باب المجاز لانه استعمال للفظ في غير ما وضع، أو من باب الحقيقة؟

النافون قالوا: " أكرم العلماء إلا الفساق "، العلماء موضوعة للعموم عندما اريد بعض العلماء أي العدول فقط صار استعمال اللفظ هنا في غير ما وضع له، وصار استعماله مجازيا، والمجاز له عدّة مراتب، تارة كل العلماء، نصفهم، ثلثهم، الربع الباقي، هذه مجازات، والمجاز ايضا يحتاج إلى قرينة تعينه وهي غير موجودة في المقام. بعبارة اخرى: المجاز يحتاج إلى قرينتين: قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي وقرينة معيّنة للمجاز إذا كان للمجاز اكثر من معنى. ولذلك نفوا جواز التمسك بالعام، قالوا ان هذا التخصيص " الا الفاسق " قرينة على ان المراد من العام " العلماء " هو خصوص العدول، إذن قرينة على المجاز يعني صرف اللفظ عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، هذه قرينة صارفة. المعنى المجازي له مراتب كل الباقي، نصف الباقي وهذه كلها مجازات ولذلك لا يوجد لدينا قرينة معيّنة ومعها اصبح مجملا، وعليه لا يجوز التمسك بالعام في تمام الباقي بعد التخصيص، فإذا شككت في اكرام المسافر لا استطيع ان احكم بوجوب اكرامه.

سنبيّن ان كل هذا حقيقة وليس مجازا، وإن حاول بعضهم كالسيد الخوئي (ره) تصحيح جواز التمسك بالعام بتمامه بعد تخصيصه، حتى على القول بالمجاز، لكنها محاولة غير تامة بنظرنا كما سنبيّن، وبالتالي يجوز التمسك بالعام في تمام الباقي بعد التخصيص بناء على التفكيك بين المراد الجدي والمراد الاستعمالي. إذا قلنا مجاز يكون الحق معهم لكن اصلا ليس مجاز هو استعمال حقيقي، " كل " في معناها الحقيقي، و " العالم " في معناه الحقيقي، و" للام " و " إلا " في معناها الحقيقي، نعم هناك ارادة جدية اخرى، المراد الاستعمالي غير المراد الجدي، فإذن هذه وجهة نظرنا فيه.

 


[1] قلنا في المنهجية ان الشبهة الحكمية حلها باربعة كلمات: نبحث عن علم، فان لم نجد بعلمي من غير الاصول اللفظية، فان لم نجد فاصل لفظي، فان لم نجد فاصل عملي. اما الشبهة المفهومية حلها: اولا اطرق باب الشارع فان لم اجد فاطرق باب العرف، فان لم اجد فاطرق باب اللغة، فان لم اجد آخذ بالقدر المتيقن، فان لم اجد اصبح الدليل مجملا فنعود إلى دليل آخر. وفي الشبهة المصداقية: اولا ابحث عن علم وجداني، فان لم اجد فابحث عن امارة غير القواعد، فان لم اجد ابحث عن اصول الموضوعات مثل اصالة الاستصحاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo