< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

41/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: العام والخاص.

العموم الاستغراقي والمجموعي والبدلي.

 

قلنا انه في كلام السيد الخوئي (ره) نقطتان: الاولى: ان الفرق بين العموم الاستغراقي والمجموعي والبدلي هو في عالم الثبوت والاثبات. فان الاستغراقي في عالم الاثبات متوحد، مثلا: " اوفوا بالعقود " حكم واحد وانشاء واحد. اما في عالم الواقع فهو ينحل إلى عدد الافراد. بعبارة اخرى: في عالم الثبوت والواقع انشاءات. وفي عالم الاثبات والبرهان انشاء واحد.

قلنا ان هذا الكلام - بحسب ما هو مرتكز في اذهاننا من معنى عالم الثبوت وعالم الاثبات - لا نرتضيه لان عالم الاثبات مرآة عن عالم الثبوت كاشف عنه، وعالم الاثبات هو عالم البرهان وليس عالم التعلّق.

النقطة الثانية: عندما قال ان الاحكام تنحل بعدد الافراد. وقلنا درسنا نحن ان الاحكام تتعلقّ بالطبائع لا بالافراد كيف انحل الحكم بعدد الافراد؟! هو لا يتعلق بالافراد اصلا الاحكام تتعلّق بالطبائع، فكيف تقول انه ينحل إلى عدد الافراد كأكرم زيد وأكرم عمرو إلى آخره؟ وكذلك صاحب الكفاية يقول نفس القول. وقلنا تعبير السيد الخوئي (ره) " فثبت لكل فرد حكم مستقل غير مربوط بحكم الآخر "، هذا التعبير قد يوحي بما يناقض قاعدة أن الاحكام تتعلّق بالطبائع. حتى صاحب الكفاية (ره) عندما شرع في بيان العموم الاستغراقي قال: " ان تعلق الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم " أي صار التعلّق بالفرد، هذا ظاهر كلامه (ره). نقول: كيف نستطيع ان نوائم بين هذا الكلام ما ذكره صاحب الكفاية وبين ان الاحكام تتعلّق بالطبائع لا بالافراد؟

الاشكال متين ولدفع الاشكال وتصويب الكلام لا بد من بيان معنى ما ذكروه، ما معنى ان الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالافراد.

الذين قالوا بان الاحكام تتعلق بالافراد قالوا بان الآثار للأفراد، فإذن تتعلق بالفرد لأن غاية الآمر هي الآثار، لكن قلنا انه لا يمكن ان تتعلّق الاحكام بالافراد، لان تعلق الحكم به هو طلبه، الفرد لا يكون حتى يتشخص في الخارج وما لم يتشخص لا يوجد، فإذا كان موجودا في الخارج كيف اطلبه فهو تحصيل حاصل.

إذن نقول ما معنى ان الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالافراد، نقول: " ان الشارع عندما يريد انشاء حكم ينظر إلى الآثار الخارجية (فلا ينظر إلى الصورة الذهنية، فلا ينظر إلى الصورة بما هي في الذهن القضايا إما ذهنية أو خارجية) لان المصلحة والمفسدة والاهتمام هي في الآثار الخارجية، والآثار الخارجية هي من لوازم الافراد الخارجية. والاحكام تابعة للمصالح والمفاسد، ماذا يعني تابعة؟ هل هي متعلّقة؟ هناك فرق بين التعلّق والتبعية.

إذن لا بد من تصور الكلي الجامع وهي الطبيعة المشتركة إذ لا يمكن تصور جميع الافراد غالبا، نتصور الجامع ويحكم على الجامع، والتعلّق في الجامع ملاحظا الآثار الخارجية، لكن هذه الآثار لا تكون إلا بالافراد.

بعبارة اخرى: الافراد هي في عالم الامتثال ولا دخل لها في عالم التعلّق، فلنميّز بين عالم التعلّق وعالم الامتثال. عالم التعلّق تارة يلاحظ عالم الامتثال وتارة لا يلاحظه، إذا لم يلاحظ عالم الامتثال اصبحت القضبة ذهنية، وإذا لاحظ عالم الامتثال – الافراد – فصارت القضية حقيقية.

بعبارة اخرى: الانشاء والحكم قد تعلّق بالطبيعة وفقط الطبيعة، لكن هذه الطبيعة تارة تلاحظ عالم الامتثال والآثار وتارة لا تلاحظها، وهذا لا يعني أبدا تعلق الحكم بالفرد الخارجي. هناك عالمان: عالم التعلّق وعالم الامتثال الخارجي. القضية الحقيقية ملحوظ فيها عالم التعلّق بلحاظ الخارج لا ان الخارج صار نفس المتعلّق أو جزءا منه. القضايا الحقيقية هي كلما وجدت الحقيقة تمّ المطلوب، تارة اريد الصورة الذهنية " الانسان نوع " فالحكم على الصورة الذهنية، وتارة الاحظ الانسان بلحاظ الآثار الخارجية ولذلك سمّوه حمل شائع صناعي الذي يهتم بالصناعات والعلوم، فهذه تهتم بالآثار. وهذا هو الفرق الدقيق بين الحمل الذاتي الاولي والحمل الشائع صناعي.

إذن لحاظ الافراد، ولحاظ الخارج ولحاظ الامتثال لا يعنى ابدا تعلق الحكم بالافراد الخارجية، التعلق ما زال بالطبيعة، بالكلي العام، لكن هذا الحكم لا يمكن امتثاله إلا من خلال تطبيق العام على الافراد.

وبالنتيجة: ان الحكم لا يتعلّق ابدا بالأفراد الخارجية، بل بالطبيعة. لكنه لا يتعلّق بالطبيعة بما هي وبحسب وجودها الذهني، بل بحسب الآثار المترتبة على وجودها الخارجي أي على الافراد.

لاحظ الفرق بين قولنا: " الانسان نوع " وبين قولنا: " الانسان في خسر" حيث ان الاول تعلّق بطبيعة الانسان من حيث وجودها الذهني، اما الثاني فالحكم " في خسر " متعلّق بالطبيعة من حيث وجودها الخارجي وهذه الحيثية لا تعني تعلّق الحكم بالفرد.

ولعلّ عدم الالتفات إلى هذه النقطة، أي الفرق بين التعلّق وبين اللحاظ حين التعلّق دفع ببعض الاصوليين إلى القول بتعلّق الاحكام بالأفراد.

 

ولنأخذ مثلا في مسألة اجتماع الامر والنهي: وهي اجتماع عنوانين على معنون واحد. الذين قالوا لا يجوز الاجتماع بناء على ان الكبرى مسلّمة – اجتماع الامر والنهي في واحد محال – لكن هل اجتمعا في واحد أو لا؟ يعني اجتماع العنوانين في معنون واحد هل هي من تطبيقات تلك الكبرى، فالنقاش في الصغرى.

فلذلك من قال بجواز الاجتماع قال ان الاحكام متعلّقة بالطبائع ولا تصل إلى الفرد، تعلق الامر بطبيعة والنهي بطبيعة أخرى، متعلقان منفصلان، فليس هناك تعلق بشيء واحد. وهذا ما نذهب اليه ويذهب اليه اكثر الاصوليين.

اما من قال بعدم جواز الاجتماع فقد قال أن الاحكام إما أن تتعلّق بالفرد مباشرة أو ان ينزلق الحكم من الطبيعة إلى الفرد. إذا سلمنا لكلام السيد الخوئي وكلام صاحب الكفاية وقلنا بالانحلال وتعلّق الحكم بافراد العام في الواقع فلا بد من الذهاب إلى امتناع الاجتماع، ففي المثال: " أكرم العلماء " و " لا تكرم الفاسق " فان زيدا العالم الفاسق، قد تعلّق به الأمر والنهي معا حينئذ، وهذا محال لانه صغرى للكبرى المسلّمة وهي: " امتناع اجتماع الامر والنهي في واحد حقيقة ".

إذا قلنا بالانحلال كما قال السيد الخوئي ان العموم الاستغراقي ينحل وتكون نتيجة " اكرم العلماء" يعني " أكرم زيدا وبكرا و..." النتيجة ان تذهب إلى عدم الاجتماع.

وهذا الفرض هو الذي يتوهم من كلام السيد الخوئي وصاحب الكفاية وغيرهما، مع انهما يذهبان إلى جواز اجتماع الامر والنهي لا إلى الامتناع، إذا انحل العام من هنا وانحل من هناك فقد اجتمعا في فرد واحد وهذا محال برأيك.

هنا سنحاول ان ندافع عن السيد الخوئي وصاحب الكفاية ومرادهما ونخرج بنتيجة ما معنى تعلق الاحكام بالطبائع.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo