< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفاهيم

     كلام السيد البروجردي (ره) في كون المفهوم من شؤون الفعل لا من شؤون اللفظ.

     التعليق على هذا الكلام.

هل دلالة اللفظ على المفهوم من شؤون اللفظ أو من شؤون فعل المتكلم؟

أي لها علاقة بنفس وضع اللفظ بالدلالة المطابقية والتضمنية والالتزامية أو لها علاقة بحالة المتكلم من قصد وإرادة للمعنى؟

قالوا الدلالة تصورية وتصديقية ونتيجته ان تصديق المتكلم من شؤون اللفظ. قلنا ان التصديق والارادة الجدية ليست من شؤون اللفظ، بل من شؤون نفس المتكلم فتكون من حالات التلفظ.

ذهب السيد البرجردي (ره) إلى ان دلالة اللفظ على المفهوم هي من شؤون فعل المتكلم لا من شؤون لفظه. وهنا ننقل كلامه (ره) يقول في نهاية الاصول: " وبيان حقيقة الدلالة المفهومية يتوقف على ذكر مقدمة " فنقول " : لا ريب في أن استفادة المعنى من اللفظ بحيث يمكن الاحتجاج على المتكلم بإرادته له تتوقف على أربعة أمور مترتبة حسب ما نذكرها:

" الأول " عدم كون المتكلم لاغيا في كلامه وكونه مريدا للإفادة.

" الثاني " كونه مريدا لإفادة ما هو ظاهر اللفظ بحيث يكون ظاهر اللفظ مرادا له، إذ من الممكن ( بحسب مقام الثبوت ) عدم كونه لاغيا في كلامه ولكن لا يكون مع ذلك مريدا لظاهر اللفظ بان ألقاه تقية أو لجهات اخر.[1]

" الثالث " عدم اجمال اللفظ وكونه ظاهرا في المعنى." الرابع " حجية الظهور.

والمتكفل لاثبات الامر الأول والثاني ليس هو اللفظ بل بناء العقلاء إذ قد استقر بنائهم على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية التي تقصد منه عادة [2] ولا يعتنون باحتمال صدوره لغوا وجزافا [3] ولا باحتمال صدوره لغير ما هو غاية له نوعا، [4] واللفظ الصادر عن المتكلم أيضا من جمله أفعاله، فيحمل بحسب بناء العقلاء على كونه صادرا عنه لغاية، وكون المقصود منه غايته الطبيعية العادية، وحيث إن الغاية العادية للتلفظ إفادة المعنى فلا محالة يحكم المستمع للفظ ( قبل اطلاعه على المعنى المقصود منه ) بكون التكلم به لغاية وفائدة وكون الغاية المنظورة منها إفادة معناه ( أي شيء كان )، وليس هذا مربوطا بباب دلالة الألفاظ على معانيها، بل هو من باب بناء العقلاء على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية، وهذا مقدم بحسب الرتبة [5] على الدلالة الثابتة للفظ ( بما هو لفظ موضوع ) على معناه المطابقي أو التضمني أو الالتزامي لأنه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ موضوع ويحكم به العقلاء قبل الاطلاع على المعنى الموضوع له.

( ثم إن ) هذا البناء من العقلاء كما يكون ثابتا في مجموع الكلام كذلك يكون ثابتا في أبعاضه وخصوصياته، فكما أن نفس تكلمه ( بما أنه فعل من الأفعال الاختيارية ) يحمل على كونه لغايته الطبيعية العادية، فكذلك الخصوصيات المذكورة في الجملة من الشرط أو الوصف أو غيرهما تحمل ( بما هي من الأفعال الصادرة عنه ) على كونها لغرض الإفادة والدخالة في المطلوب، فإنها غايتها العادية، [6] وكما لم يكن دلالة نفس الجملة على كونها لغرض إفادة المعنى دلالة لفظية وضعية بل كانت من جهة بناء العقلاء ( المتقدم بحسب الرتبة على الدلالة اللفظية المنطوقية )، فكذلك دلالة الخصوصية المذكورة في الكلام على كونها للدخالة في المطلوب ليست من باب دلالة اللفظ بما هو لفظ موضوع بل هي من باب بناء العقلاء ومن باب دلالة الفعل بما هو فعل سواء كان من مقولة اللفظ أو من غيره.

( إذا عرفت هذه المقدمة ) ظهر لك سر ما قلناه من أن الدلالة المفهومية خارجة من الانحاء الثلاثة أعني المطابقة والتضمن والالتزام، فان مقسمها دلالة اللفظ ( بما هو لفظ موضوع )، فان دل على تمام ما وضع له سميت الدلالة بالمطابقة وان دل على جزء منه سميت بالتضمن وان دل على لازمه سميت بالالتزام ، واما دلالة اللفظ على المفهوم فليست ثابتة له بما هو لفظ موضوع بل هو من باب دلالة الفعل بحسب بناء العقلاء.

( والحاصل ) ان دلالة الخصوصية المذكورة في الكلام من الشرط أو الوصف أو الغاية أو اللقب أو نحوهما على الانتفاء عند الانتفاء ليست دلالة لفظية بل هي من باب بناء العقلاء على حمل الفعل الصادر عن الغير على كونه صادرا عنه لغاية وكون الغاية المنظورة منه غايته النوعية العادية، والغاية المنظورة ( عند العقلاء ) من نفس الكلام حكايته لمعناه ، والغاية المنظورة من خصوصياته دخالتها في المطلوب فيحكم العقلاء بان تعليق الحكم عليها ليس إلا لدخالتها فيه، وإلا كان ذكره لغوا، لمفهوم يستفاد من ظهور الفعل الصادر عن الغير في كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية العادية. [7]

ونقول: ان المقدمات التي ذكرها (ره) صحيحة مسلمة ولكنها تفيد في حجية الظهور اللفظي، كونه مرادا جديا للمتكلم ولكن لا تفيدنا في تشخيص صغرى الظهور.

وبعبارة اخرى: إن هذه المقدمات تفيدنا في اثبات الارادة الاستعمالية، وفي إثبات الارادة الجدية له، وفي اثبات التطابق.

أي تنفعنا في إثبات الاصالات الثلاث: أصالة الظهور، واصالة الجهة، واصالة التطابق.

أما الدلالة الالتزامية للفظ في المفهوم هل هي ثابتة أو لا، فلا يثبته ما ذكره وهذا هو محل الكلام.

فان الكلام هو في كون الجملة الشرطية يلزمها المفهوم باللزوم البين بالمعنى الاخص؟ أي انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء شرطه؟

وفي كون الجملة الوصفية هل يلزمها المفهوم باللزوم البين بالمعنى الاخص؟ أي انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الوصف؟

هذا هو محل الكلام، سواء كان اللزوم ناشئا من حاق اللفظ أو باللزوم العقلي أو العرفي أو أي شيء نتصوره في سبب نشأة هذا اللزوم. وهذا له ارتباط باللفظ ودلالالته، خصوصا بعدما ذهبنا إن الدلالة غير تابعة للإرادة، وان الدلالة هي التصورية فقط.

 


[1] لجهات اخر : كالتورية .
[2] هذا اصل عقلائي حين يتكلم الانسان الاصل فيه هو انه يريد ان يبين شيئا، واصل الكلام هو للبيان، وقلنا ان الوضع هو عبارة عن حالة وهي حاجة عقلائية لتبادل المعلومات ولبيان المرادات.
[3] هذا الامر الاول، عدم كون المتكلم لاغيا في كلامه وكونه مريدا للإفادة.
[4] يعني الثاني وهو الظهور.
[5] أي اولا يكون هناك وضع حتى انا اتكلم واريد، إذن هناك مرحلة قبل مرحلة. هناك ثلاث مراحل: مرحلة الوضع، ومرحلة دلالة اللفظ على الموضوع له، ومرحلة الارادة الجدية. بلا شك ان الوضع هو الاساس، استعمل هذا الوضع، هنا هو يقول ان الارادات متقدمة على الدلالة. ولعلّه لانهم قالوا ان الدلالة تابعة للارادة، يعني إذا لم يكن هناك ارادة لا توجد دلالة، فصارت الارادة متقدمة على الدلالة، وبالتالي تكون المراحل الثلاث على الترتيب التالي: اولا هناك وضع، ثم ارادة المعنى الموضوع له سواء كان بالدلالة المطابقية أو التضمنية أو الالتزامية حتى يكون هناك دلالة. في النتيجة الدلالة متأخرة عن الارادة، والارادة متأخرة عن الوضع.
[6] هذا الحمل مسألة عقلائية من فعل المتكلم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo