< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النهي عن المعاملة:

     المراد من العصيان في الرواية في الموضعين هو العصيان المولوي.

     المراد من الصحة هو المعنى الاصولي، أي تمامية الاجزاء والشرائط.

قبل ان نبدأ هناك اشارة لا باس ببيانها في كلام السيد الخوئي (ره) امس. لتوجيه كلامه عندما يقول: " فإذا رضي السيد صح ونفذ ". قلنا ان هناك شروط صحة وهناك شروط تأثير، شرط الصحة هي تمامية الاجزاء والشرائط وغير ذلك. اما شرط التأثير فالإجازة شرط في التأثير لا شرط في الصحة، لكن أي صحة؟.

نحن ذكرنا في المقدمة ان الصحة لها عدّة معان منها: المعنى الفقهي ومنها المعنى الاصولي. المعنى الفقهي هو في الآثار ففي العبادات عدم الاعادة في الوقت وعدم القضاء خارجه، وفي المعاملات معنى الصحة ما كان له آثار من قبيل انتقال الملكية في العقد الصحيح ولجواز الوطء في النكاح الصحيح. الفقه ينظر إلى الآثار وعمل المكلف.

والصحيح بالمعنى الاصولي هو تام الاجزاء والشرائط، مثلا النكاح من شروط صحته ان لا تكون المرأة المطلقة في عدّة.

ولعلّ مراد السيد الخوئي (ره) من الصحة هو المعنى الفقهي لان الاجازة شرط في التأثير، ففي العقد الفضولي العقد لا يؤثر، العقد اثره، إلا إذا اجاز صاحب المال أو الجهة. لكن هذا لا ينفعنا، لان كلامنا في الصحة بالمعنى الاصولي، هل هناك عقد أو لا بدون اجازة السيد؟

إذا اردنا ان نصحح كلام السيد الخوئي (ره) نحمل كلامه حينئذ على الصحة الفقهية. لكنه حينئذ لا يخدم ما يريد من ان النهي عن المعاملة لا يدل على الفساد. لان كلامنا في ان هذا النهي الوارد في الرواية " انه لم يعص الله وانما عصى سيده " هل يدل على الفساد او لا؟

فنقول: بهذا التوجيه يستقيم كلام السيد الخوئي (ره)، إلى انه لا ينفع في ردّ الاستدلال بالرواية على الفساد. لان الاجازة تنفع في التأثير في العقد التام الاجزاء والشرائط، المحتاج إلى الاجازة فقط لتأثيره. اما العقد الفاسد فلا تنفع الاجازة حينئذ. إذ الاجازة لا تصنع عقدا، ولا تصحح عقدا، بل هي تؤثر في العقد التام، وإلا كان من باب احياء الموتى.

ونقول ان ما ذكره السيد الخوئي (ره) لعله يصب لمصلحتنا. فلنلاحظ اجازة السيد في الرواية يقول: " لم يعص الله وانما عصى سيده " اي عصيان هنا ؟ العصيان الوضعي او التكليفي؟

نحن قلنا ان النهي عن العبادة وعن المعاملة سواء، إذا تعلّق بها بعنوانها تدل على الفساد، وإذا كان بعنوان آخر لا يدل على الفساد، والفساد هنا بالمعنى الاصولي يعني ناقص الاجزاء والشرائط.

نعود: " لم يعص الله وانما عصى سيده " النهي عن نكاح العبد كان بعنوان آخر وهو عصيان السيد، ليس هو بذاته منهي عنه، إنه ليس كالنكاح في العدّة او نكاح ذات البعل، بل انما نهي عنه لانطباق عنوان آخر وهو عصيان السيد. وهذا الكلام يدل على ما ذهبنا اليه، فانه إذا كان بنفس عنوانه كان باطلا، كالنكاح في العدّة. اما إذا كان النكاح منهيا عنه لانه عصى سيده فلا يدل على الفساد، لانه نهي بعنوان آخر. فإذن انما تم النهي عنه بعنوان عصيان السيد لا بعنوانه تماما مثل النهي عن الصلاة في الارض المغصوبة، هو لا ينهى عن الصلاة لكنه ينهى عن الغصب لكنهما اجتمعا في عنوان واحد في الصلاة في الارض المغصوبة. فهذا يصب في مصلحة الاستدلال على ما نذهب اليه، انه إذا كان بعنوانه يؤدي إلى الفساد سواء كان في المعاملة او العبادة، وإذا كان بعنوان آخر كالغصب وعصيان السيد فلا يدل على الفساد.

المراد من العصيان هو العصيان التكليفي:

ونعود لكلام السيد الخوئي (ره) حيث قال ان العصيان المراد هو عصيان المشروع اي العصيان الوضعي، وليس العصيان للامر التكليفي المولوي الذي هو محل الكلام، وهو ان النهي المولوي هل يؤدي إلى الفساد او لا؟

يقول السيد ان العصيان هو عصيان وضعي أي فعل شيئا غير مشروع، في قوله (ع): " لم يعص الله ".

نقول: اولا: ماذا تقول في " انه لم يعص الله ولكنه عصى سيده " عصى سيده هنا عصيان تكليفي أو وضعي، الظاهر انه تكليفي، عصيان السيد لا يجوز مولويا تكليفيا، لا انه لا يجوز وضعا لان السيد ليس في مقام التشريعات، انما يجب طاعة السيد بأمر مولوي تكليفي، والعصيان تم بعنوان آخر وهو عصيان السيد.

إذا تم هذا فلنر العصيان الاول، هما في سياق واحد وفي معنى واحد " لم يعص الله وانما عصى سيده " هما معنى واحد في عرض واحد وتعبير واحد وجملة واحدة، زائد ان العبارة الثانية امتداد للاولى. والقرينة على ذلك هو العطف في " وانما ". العصيان واحد هنا وبمعنى واحد. نعم قد يختلف شدة وقوة.

قد يقال انه ليس هناك مانع في ارادة معنيين من صيغتين في جملة واحدة مثلا: اركع وقنت، فالصيغة في اركع يراد منها الوجوب، والصيغة في اقنت يراد منها الاستحباب.

فنقول: ان صيغة الامر هنا اما تحمل في الجميع على مطلق الطلب، أو انها تحمل كل صيغة لوحدها وان كانت قريبة لاستعمال اللفظ في اكثر من معنى لكنهما لفظان لا لفظ واحد، كما لو قلت اشتر لي عينا وعينا، لا يوجد مانع من ان تكون الاولى بمعنى الباصرة والثانية النابعة. لكن هذا هنا ليس من هذا القبيل " انه لم يعص الله " ثم يعود اليه بالعطف واداة الحصر " وانما ". الوجوب والاستحباب من سنخ واحد وهو الطلب، اما الوضع والتكليف فهما من سنخين أو من مقولتين. الوضع شيء والتكليف شيء آخر، هناك فرق بينهما.

إذن ان الظاهر من السياق كونهما المعصية في الموردين: أي معصية الله ومعصية السيد هو العصيان التكليفي. خصوصا ان معصية السيد محرمة بالحرمة التكليفية قطعا، فكذلك معصية الله فهما قد وردا في سياق واحد ومعنى واحد.

لا يقال: ان السياق [1] لا يكون دليلا على معنى واحد ألا ترى اننا يمكن استعمال صيغة الامر في الوجوب والاستحباب في كلام واحد كما لو قلنا: في الصلاة : اركع واقنت.

فانه يقال: ان الوجوب والاستحباب في المثال المذكور من سنخ واحد، لا من سنخين كما في الحرمة التكليفية والوضعية. مضافا إلى احتمال ان يكون المراد هو مطلق الطلب وإلا أصبح شبيها باستعمال اللفظ في اكثر من معنى.

وثانيا: ان رضى السيد شرط في التأثير لا في الصحة (الصحة بالمعنى الاصولي، يعني تمامية الاجزاء والشرائط)، وهذا ككل الاجازات في العقد الفضولي، فان العقد يقع صحيحا، نعم يتوقف أثره على الاجازة. ولذا يحتاج تعبير الخوئي (ره) في قوله: " ان النكاح المزبور بما انه مشروع في نفسه في الشريعة المقدسة لا يكون مانع من صحته ونفوذه بمقتضى العمومات إلا عدم رضا السيد به ... " إلى بيان. لان المانع من الصحة هو فقدان احد الاجزاء والشرائط وهذا هو المعنى الاصولي، الاجازة تنفع في تام الاجزاء والشرائط ثم تأتي الاجازة. ونحن عندما نقول النهي عن العبادة او المعاملة يقتضي الفساد او يدل على الفساد ليس الفساد بمعنى عدم الاثر بل يكون الموجود كالمعدوم من اصله.

فكما ان الحركات من ركوع وسجود بدون نية التعبد ليست صلاة من اساسها، فكذلك النكاح والبيع إذا كان ناقص الاجزاء والشرائط، فهو باطل من اساسه. كلامنا في الصحة بالمعنى الاصولي حتى تنفع الاجازة بعد ذلك، يعني ان يكون تام الاجزاء والشرائط ثم تنفع الاجازة، وإلا فلا تنفع.

ومن باب التقريب: عقد الفضولي من دون اجازة كالمرض الذي يحتاج إلى دواء ليشفى ويقوم بدوره، والعقد الفاسد غير تام الاجزاء والشرائط كالميت الذي لا ينفع معه دواء، فلا تنفع الاجازة.

 


[1] قد يقال في القرآن ان السياق ليس دليلا، السياق بلا شك هو قرينة في الظهور، لكن في القرآن ليس قرينة لان الآيات لم تنزل في مورد واحد وبهذا الترتيب فانه فيه تقديم وتأخير، نعم السياق في القرآن مؤيد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo