< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: معنى العبادة.

     لا دخل لداعي الامر ولا التقرب ولا غيره كالطمع في الجنة والخوف من النار في مفهوم العبادة.

     الدليل على ذلك: التبادر/ قول الامير (ع): الهي ما عبدتك .... ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

     لا فرق بين العبادة والمعاملة من هذه الجهة.

قلنا ان النهي عن العبادة إذا كان بعنوانه يقتضي الفساد، وإذا لم يكن بعنوانه لا يقتضي الفساد. وقلنا ايضا لا فرق في ذلك بين العبادة والمعاملة. وقلنا ان العبادة لا يؤخذ في مفهومها قصد التقرب ولا في مفهومها داعي الامر ولا الطمع في الجنة ولا الخوف من النار ولا كل ما ذكر، نعم هي صلة بين العبد والمعبود، لكن مطلق الصلة بل صلة خاصة.

فإذا لم يكن كذلك كانت العبادة كالمعاملة، من هذه الجهة، ولا بد من كونه موجودة في الذهن قبل الامر بها او نهي عنها، امر بالنكاح هذه معاملة ونهى عن الظهار ايضا هذه معاملة، كما امر بالصلاة التي هي عبادة ونهى عن صوم العيدين هذه عبادة. العبادة والمعاملة لا فرق بينهما، نعم هو رأي غريب بان كل هذه الامور لا علاقة لها بمفهوم العبادة. وقلنا ان هذه دواع، كالطمع في الجنة والخوف من النار بل هو مفعول لاجله. لا فرق بين العبادة والمعاملة فإذا كان في العبادة يقتضي الفساد ففي المعاملة ايضا يقتضي الفساد.

ولذلك قلنا اقتضاء النهي عن المعاملة للفساد حكم عقلي، والعقل لا يحكم بذلك، نعم يدل على الفساد بالدلالة العرفية، وهو انما يدل إذا نهي عنها بعنوانها، كما هي ايضا في المعاملة إذا نهي عنها بعنوانها فان العرف يرى فسادها. دفع دخل: إذن ما هو تعريف العبادة؟ نقول: تعريف العبادة لم استطع الوصول اليه إلى الآن، لكن هذا لا يعني انه غير موجود، كثر من المفاهيم لا نستطيع تعريفها وهي محفورة في وجداننا، يتبادر اليها الذهن عند اطلاق لفظها، كمفهوم الوجود، الذي عجز الفلاسفة عن ايجاد تعريف له. الكافر وعابد الصنم لا دخالة له بالعبادة لا الطمع بالجنة ولا الخوف من النار لكن يقول انم هناك شيء اسمه عبادة. وذكرك مثالا واضحا ان الصنم عندما يعبده العابد ليس هناك داعي للامر وليس هناك آمر وليس هناك ايّة مزاجية.

والدليل على كون معنى العبادة لا دخالة لها بداعي الامر لجميع ما ذكر امور منها:

     التبادر. انا كابن اللغة من هؤلاء الذين يتكلمون اللغة العربية حتى غير العربية إذا اخذنا بترجمة العبادة. عندما تقول كلمة عبادة يتبادر معنى خاص.

قد يقال: بل يتبادر التقرب، وهكذا تعريف الكثيرين حيث أخذوا التقرب في مفهوم العبادة. أو يتبادر الفعل بداعي الامر، أو غير ذلك.

ونقول لهؤلاء اما التقرب فهو نوعان قسم عبادي وأخر غير عبادي، الا ترى ان لو أهديت إلى شخص ما هدية فهل هذا التقرب والتودد له يسمّى عبادة؟! بالتأكيد لا يكون كذلك، نعم، لا اهديت له على نحو عبادي كان عبادة. ولذا فرق بين ان اهدي الشاة في الحج أو اهدي شيئا للكعبة، هو مثال لتوضيح الفكرة. إذن العبادة يتقرب بها، أي هي موجودة في الذهن قبل التقرب، فلا دخالة للتقرب في مفهومها، نعم التقرب داع ودافع لها.

اما الذين ذهبوا إلى اخذ داعي الامر في مفهوم العبادة فنقول لهم: ان مفهوم العبادة موجود قبل الشرع، فهو مفهوم عرفي، وهنا نسأل: هل عبادة الكافر لصنمه ناشئة عن امر منه، وهل يصدر من الصنم امر او نهي.

إذن الدليل الاول هو التبادر، والذي ادعيه واتبناه.

     قول الامام امير المؤمنين وامير البلغاء علي بن ابي طالب (ع) : " ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك ". فكلمة "خوفا" وكذلك " طمعا ": منصوبة على انها مفعول لاجله، أي ان الداعي قد يكون هو الخوف من النار والطمع في الجنة، ومن الواضح ان الداعي يختلف عن المدعو له وليس دخيلا في المفهوم. ولا نرى اية مجازية في استعمال كلمة عبادة.

     قول الامام امير البلغاء (ع) في تقسيم العبادة إلى عبادة التجار وعبادة العبيد وعبادة الاحرار. هذا القسم الاخير للعبادة لا دخل لقصد الامر فيه، ولا خوفا من النار ولا قصد القربة ولا التقرب، بل انت أهل للعبادة. نعم الآمر يتدخل في الكيفيات، " صلوا كما رأيتموني اصلي " يعني ان الصلاة سابقا كانت موجودة لكن تدخل الشارع في كيفياتها، كالسجود والركوع والقراءة، التدخل في الشرائط والاجزاء لا يعني تدخلا في المفهوم. بل هو تدخل في المراد، مثلا عندما اشترط المهر في الزواج وهو مفهوم عالمي، فان المفهوم يبقى كما هو، نعم اصبح المهر شرط صحة، ولا علاقة له بالمفهوم.

قد يقال: إذن ما دور الامر في العبادة؟

ونقول: ان الامر بالعبادة يدل على محبوبيتها وصحتها وامضاء الشارع لها. أو ارشاد إلى ما ينبغي.

وبالنتيجة: ان العبادة والمعاملة سواء في عدم أخذ قصد القربة في مفهومها، وغير ذلك مما ذكروه من داعي الامر والطمع في الجنة والخوف من النار او مطلق الصلة بالمعبود. نعم تختلف العبادة عن المعاملة مفهوما.

ومن هنا فالبحث فيهما واحد. ونقول: ان النهي لا يقتضي الفساد، بمعنى ان العقل لا يحكم باقتضاء الفساد للعبادة، وعدم حكم العقل سواء كان في العبادة أم في المعاملة، بعد ان قلنا ان العبادة لا دخالة للتقرب في مفهومها، انما كان التقرب داعيا ودافعا ومحركا للتعبد ليس إلا. بل بعضهم قال كابي حنيفة بان النهي عن المعاملة يقتضي الصحة، حيث ان الشيء إذا لم يكن صحيحا لا يتعلق الامر به ولا النهي.

قلنا في مسألة الصحيح والاعم اننا نحن اعميون أي ان الوضع للأعم وليس للصحيح، ولا مانع من تعلق النهي بالفاسد.

ونعود ونقول: ان العبادة تختلف عن المعاملة مفهوما لكن في مقامنا ومسألتنا ان تعلق النهي بها يدل على فسادها أو لا؟ أو بان العقل يحكم بفسادها أو لا؟ في مقامنا لا فرق بين المعاملة والعبادة.

بعد ان قلنا ان العبادة لا دخالة للتقرب في مفهومها، انما كان التقرب داعيا ودافعا ومحركا للتعبد ليس إلا. ولذلك قالوا ان العبادة على قسمين: عبادة بالمعنى الاخص، وعبادة بالمعنى الاعم.

العبادة بالمعنى الاعم ليست عبادة لكنها كانت عبادة لان الداعي اليها نفس الداعي للعبادة بالمعنى الاخص فاشتركا في الداعي. مثلا: لو تزوج قربة لله تعالى او اعطى قربة لله تعالى، فإذا كان الداعي إلى المعاملة هو نفسه الداعي للعبادة سموها عبادة بالمعنى الاعم وإلا فهي ليست عبادة. البيع ليس عبادة لكن إذا بعت انسانا بنفس الداعي للصلاة يصبح عبادة بالمعنى الأعم ومجاز في الاستعمال. ومثلا ورد الامر في النكاح إذا اتيت بالزواج بدون داعي الامر، النكاح صحيح. لكن إذا اتيت بها بداعي امرها اشتركت مع العبادات في الداعي وهو كسب الاجر والطمع في الجنة وسميت عبادة بالمعنى الاعم. نعم لو جعل الشارع النكاح عبادة صح ذلك لان الشارع يحق له ان يخترع العبادات كما اخترعها في الخمس والزكاة وهما عبارة عن حق شرعي في المال، هذا الحق جعله عبادة. اما النهي عن المعاملة ان شاء الله غدا

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo