< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النهي عن العبادة او المعاملة هل يقتضي فسادها؟

في بيان مفردات القاعدة النقطة السادسة: الصحة والفساد امران اضافيان تقابلهما تقابل الملكة والعدم [1] ، فلا بد من امكان اتصاف العبادة او المعاملة بهما.

واتصاف الشيء بالصحة والفساد انما تعرضان على الشيء المركب ذي الاجزاء وذي الاثر في الخارج، اما البسيط فلا يتصف بالصحة والفساد، بل هو اما موجود او معدوم.

فمثلا: الوضوء، الوضوء تارة يطلق على حركات الوضوء من الغسل والمسح، وتارة يطلق على الحالة الناشئة بعد هذه الافعال. هناك حالتان: طهارة تنشأ عن الافعال وهناك نفس الافعال، الذي يمكن ان يتصف بالصحة والفساد ليس الحالة، الحالة اما موجودة او لا. لا نستطيع ان نقول: الحالة الناشئة عن الافعال فاسدة، ولا نقول انها صحيحة، بل نقول اما موجودة او لا. اما الطهارة بمعنى الافعال فيمكن ان نقول انها فاسدة لنقصان شيء مثل المسح على الرأس، اكون قد نسيت جزءا، ففقدان جزء يمكن ان يجعل الافعال كاملة، فيمكن وصفها بالفساد.

فإذن الصحة والفساد يعرضان على ما يمكن ان يتصف بالصحة والفساد، ولذلك لا يعرض على ما هو اما موجود واما معدوم، بل يعرض على المركبات او التي لها شرائط.

مثل آخر: البيع فيه ثلاثة أمور:

الاول: عقد البيع، والثاني: الوضعية وهي الحالة الناشئة عن العقد، والثالث: الاثر.

وما هو قابل للاتصاف بالصحة والفساد هو العقد، إذ هو مركب من اجزاء، فإذا فقد جزء أو شرط امكن ان يقال انه فاسد، اما الثاني فلا يمكن ان يتصف بذلك، لان الحالة اما موجودة واما معدومة. كذلك الاثر كالنقل والانتقال فهو امر بسيط.

النقطة السابعة: الصحة والفساد امران اضافيان، فقد يكون الشيء فاسدا بالنسبة لجهة وصحيحا بالنسبة لاخرى، وذلك بحسب ما هو المهم له. مثلا: صلاة الاعرج او صلاة الكسيح واراد ان يصلي من جلوس، الصلاة من جلوس بالنسبة للكسيح صحيحة وبالنسبة للسليم فاسدة، ولذلك قد تكون بالنسبة لعلماء الكلام صحيحة وبالنسبة للفقهاء فاسدة.

فالصحة عند الفقيه هي في عدم وجوب الاعادة في الوقت والقضاء خارجه، وعند الاصولي هي تمامية الاجزاء والشرائط والفاسد ما ليس كذلك، وعند المتكلم ما فيه الثواب والعقاب، والفساد يقابل ذلك.

النقطة الثامنة: الصحة والفساد هل هما مجعولان شرعيان؟ فإذا كان مجعولا شرعيا يمكن للشارع ان يرفعه، اما إذا كان امرا عقليا فلا يمكن للشارع ان يرفعه ليس من شانه الرفع.

إذا قلنا ان الصحة امر منتزع قهري من ما تحقق فيه جميع الاجزاء والشرائط، هذا لا يمكن للشارع حين اتي بالعمل ان يقول انه فاسد، لان الصحة هنا امر انتزاعي ليس في يد الشارع وضعه ورفعه.

وهل الصحة والفساد مجعولان شرعيات، أم احكام واقعية؟

وجوه: 1- هما مجعولان شرعا كسائر الاحكام الشرعية.

2- هما امران واقعيان وليسا مجعولين.

3- مجعولان شرعا في المعاملات دون العبادات.

4- مجعولان شرعا في العبادات والمعاملات الكلية دون المعاملات الشخصية. في الكليات الشارع يستطيع ان يقول ان الظهار او الطلاق أو نكاح الشغار باطل او صحيح. ومثلا: بيع الصبي باطل لكن هذا الصبي باع، هل هذا البيع صحيح او لا؟ لا علاقة للشارع بذلك. لان انطباق الكلي على فرده ليس مسألة جعلية يجعلها الشارع او لا يجعلها، بل مسألة انتزاعية عقلية.

فانطباق الكلي على فرده مسألة عقلية لا علاقة للشارع فيها وليس من شأنه. مثلا: قلت لك:" اكرم رجلا " فطبقت انت على زيد، الشارع لا يستطيع ان يقول لي انت لم تكرم رجلا، التطبيق علي، الشارع له الكليات دون تطبيقها. لذلك بعضهم قال: الاحكام الشرعية تتعلق بالكليات دون الجزئيات، من شأن الشارع هو الكليات. في المعاملات الكلية من حق الشارع ان يقول هذا باطل وهذا صحيح سواء في العبادات او المعاملات، اما في الامور الشخصية فلا، لان الشخصية الجزئية هو تطبيق للكلي على فرده وهذا ليس من شأن الشارع.

5- الصحة الظاهرية مجعولة دون الواقعية. الامور الواقعية ليست من شأن الشارع، اما الامور الظاهرية فهي من شأنه.

صاحب الكفاية (ره) اختار التفصيل في المعاملات بين الجعل في الكليات وعدمه في الموارد الخاصة. فيقول: واما الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة حيث كان ترتب الاثر على معاملة انما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو امضاء ضرورة انه لولا جعله لما كان يترتب عليه لاصالة الفساد، نعم صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس الا لاجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه كما هو الحال في التكليفية من الاحكام ضرورة ان اتصاف المأتي به بالوجوب او الحرمة او غيرهما ليس إلا لانطباقه على ما هو الواجب او الحرام. [2]

المجعول هو الكليات والقضاية الحقيقية، اما الامور الخارجية الجزئية أي هذه الصلاة صحيحة هذا ليس مجعولا، بل هو انطباق للمجعول، انطباق الكلي على فرده. سيأتي ان لهذا ثمرة لنعرف انه متى يكون حق للشارع ان يقول هذا باطل وهذا صحيح، وإذا قال ان هذا باطل ما هو؟ خرجي أو كلي. فالجعل يكون في الطبائع في الكليات كما قلنا في القضية الحقيقية. القضية الحقيقية معناها هي الحكم المتعلق بالطبيعة بلحاظ الآثار الخارجية، والحمل الشائع الصناعي هذا هو معناه وان كانوا يقولون في المنطق الحمل الشائع الصناعي حمل على الافراد والحمل الذاتي الاولي حمل على الطبيعة، هذا الكلام غير دقيق وان ورد في كلام بعضهم.

القضية الحقيقية هي القضية التي يحكم فيها على الطبيعة بلحاظ آثارها الخارجية لا ان التعلق يكون بالافراد. وهذا هو الشيء الذي وقع فيه بعض من قال بعدم اجتماع الامر والنهي كما ذكرنا سابقا، حيث قالوا ان الامر متعلق بالافراد لذلك اجتمع في الفرد الواحد امر ونهي وهذا محال، فذهبوا إلى الامتناع.

نقول ان الامر متعلق بالطبيعة بلحاظ الآثار الخارجية التي هي أثر للافراد.

لكن الانصاف ان يقال: إنهما مجعولان في الكليان دون الموارد الخاصة.

غدا نكمل ان شاء الله.

 


[1] تقابل الملكة والعدم: هما امران متنافران يعرضان على ما من شأنه ان يوصف كذلك. الفرق بينه وبين النقيضين الشأنية. الملكة والعدم لا يجتمعان ولا يرتفعان في ما من شأنه الاتصاف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo