< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

اجتماع الامر والنهي:

المراد هو ان الامر والنهي في عنوانين احدهما تعلق به الامر والثاني تعلق به النهي واجتمعا في معنون واحد، هذا يصح او لا يصح؟ هذا المعنون هل يبقى متعلَّقا للأمر والنهي فيكون المكلف ممتثلا وعاصيا في آن واحد، ويبقى الحكمان أو لا فيبقى احدهما دون الآخر فيكون المكلف عند ارتكابه لهذا المعنون إما ممتثلا وإما عاصيا؟. بعبارة اخرى: نتيجة القول بالجواز هو بقاء الحكمين، ونتيجة القول هو الحكم الواحد.

مقدمة: التكليف الذي لا يقع من المولى الحكيم على نحوين :

الاول: التكليف المحال، وهو ما يمتنع صدوره عن المولى عقلا، وذلك كأن يأمر وينهى عن نفس الفعل في زمن واحد بعنوان واحد، فهذا يعني ان المولى يحب ويبغض نفس الشيء بعنوانه في آن واحد، وهذا محال.

قد يقال الكثير من الاشياء احبها وابغضها لكن عندما احكم بها إما ان ترجح المفسدة على المصلحة فانهى، واما ان ترجح المصلحة على المفسدة فآمر، اما ان ترجحا معا فهذا محال.

الثاني: التكليف بالمحال، وهو ما لا يمتنع صدوره من المولى عقلا، ولكنه قبيح من الحكيم، كالتكليف بغير المقدور، أو بالقبيح.

وهل اجتماع الامر والنهي في واحد من قبيل الاول او الثاني أو لا من الاول ولا من الثاني؟

وقع الخلاف على اقوال: بعضهم ذهب إلى الامتناع كصاحب الكفاية، وبعضهم ذهب إلى الجواز كأكثر المتأخرين. وملخص دليل صاحب الكفاية (ره) ان الوجود الواحد يعني ماهية واحدة، والماهية الواحدة اما مامور بها او منهي عنها.

دليل من قال بالجواز:

إن الاحكام تتعلق بالطبائع ولا تتعلق بالافراد ابدا، لا قبل الامتثال ولا بعده، ولما كانت الطبائع متخالفة كان تعلق الاحكام بمتخالفين، مثلا تعلق الامر في الغصب و النهي في الصلاة، أي في اثنين لا في واحد، فاين اجتماعهما في واحد؟!. الاشكال هو إذا اجتمعا في واحد، لكن احدهما متعلق بالصلاة والثاني متعلق بالغصب، العنوانان اجتمعا في معنون واحد، وهذا الفرد المعنون لا يتعلق به الحكم اصلا. بينا ان الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالافراد، فيكون التعلق في عنوانين أي في محلين فلا يكون اجتماع الحكم امتثل بهاصلا، الحكمان تعلّقا باثنين، وامتثلا بواحد، وفرق بين ان يمتثل بالحكم وبين ان يتعلق الحكم بشيء، فرق بين عالم الامتثال وعالم التعلّق. الامتثال خارج وله الاثر، اما التعلق هو تصور الشيء واتصور الآثار، فاحكم خارجا ولا يتعلق به الحكم اصلا. بل قلنا ان تعلق الامر به محال.

وبيانه: لا بد من مقدمات:

الاولى: إن الحكم يتعلق بالطبيعة لا بالفرد كما بيّنا ذلك سابقا.

الثانية: ان الحكم يتعلق بالطبيعة لا بالمشخصات الخارجية للأفراد، لان الغرض هو اثر للطبيعة عند وجودها الخارجي، ولا دخالة للغرض بالمشخصات الخارجية.

الثالثة: إن الحكم لا يسري من الطبيعة إلى الافراد، وقد ذكرنا سابقا ان الحكم يتعلق بالطبيعة بالحمل الشايع الصناعي، بمعنى ان الغرض يتحقق من الطبيعة عند وجودها الخارجي، وهذا معنى لحاظ الافراد الخارجية، لا يمعنى ان الحكم يتعلّق بالطبيعة بما هي مرآة للخارج، أي اتصور الطبيعة واحكم على الخارج.

إذا تمّت هذه المقدمات الثلاث فاعلم: ان الامر والنهي قد تعلّقا بطبيعتين لا بطبيعة واحدة، فاين اجتماعهما في واحد؟!

نتيجة القول بالجواز: النتيجة هي كون محل الاجتماع ينطبق عليه عنوان الامر وعنوان النهي، ويكون فيه الحكمان.

اما نتيجة القول بالامتناع هي كون محل الاجتماع لا ينطبق عليه إلا حكم واحد. والذي اراه ان في المسألة حالتين: الاولى ان يكون مجمع العنوانين امرا كليا، والثاني ان يكون مجمع العنوانين فردا خارجيا.

ففي الحالة الاولى، فالذي أراه ان الاجتماع يكون من قبيل الاجتماع اجتماعا الموردي لا اجتماعا حقيقيا، فيشتمل على مصلحة الامر ومفسدة النهي، وحينئذ تصبح المسألة من باب التزاحم.

وفي التزاحم يقدّم الاهم ملاكا، فيكون فعليا، اما المهم فيبقى انشائيا ولا يرقى إلى مقام الفعلية لوجود المزاحم.

فلو قال الآمر: اكرم العالم وقال: لا تكرم الفاسق، واتفق انطباق العنوانين على كلي " عالم فاسق "، ففي هذا المجمع " العالم الفاسق " يقدّم الاهم والظاهر انه الفاسق، فيكون النهي عن اكرامه فعليا دون الامر به، ويبقى الامر (اكرم العالم في مقام الانشاء ).

هذا إذا كان متعلق الامر والنهي واحد من قبيل ما ذكرناه في المثال : " اكرم العالم " و " لا تكرم الفاسق ".

اما في الحالة الثانية، فيكون المكلف ممتثلا وعاصيا في آن واحد، مثلا: الصلاة في الارض المغصوبة، فالامر هو " صل " والنهي هو " لا تغصب " وقد اجتمعا في التصرف الغصبي الصلاتي، فالمكلف هنا عاص للنهي لانه غاصب، وممتثل للامر لانه مصل، نعم هل الصلاة فاسدة للنهي عنها او لا؟، فهذه مسألة اخرى.

والحق ان حياتنا مليئة باجتماع الامر والنهي والتزاحم بين الملاكات، واجتماع الاحكام المتضادة.

ان اجتماع الامر والنهي، اي اجتماع عنوانين: عنوان الامر وعنوان النهي في فرد واحد، اي كان بينهما عموم وخصوص من وجه موجود في حياتنا كثيرا، ولذا قال السيد البرجردي (ره) في نهاية الاصول: (ثم انك) إذا راجعت الوجدان رأيت جواز الاجتماع من ابده البديهيات، فإذا امرت عبدك بخياطة ثوبك ونهيته عن التصرف في فضاء دار الغير، فخاط العبد ثوبك في فضاء الغير فهل يكون لك ان تقول له: انت لا تستحق الاجرة لعدم اتيانك بما امرتك؟ ولو قلت هذا فهل لا تكون مذموما عند العقلاء؟ بل تراه ممتثلا من جهة الخياطة وعاصيا من جهة التصرف في فضاء الغير، ويكون هذا العبد عند العقلاء مستحقا لاجر العبودية والاطاعة وعقاب التمرد والعصيان. [1]

غدا ان شاء الله نكمل ان بعضهم استدل على الجواز بالعبادات المكروهة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo