< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الواجب الكفائي والعيني والنهي ومفاده:

كنا في الواجب الكفائي وان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب عيني أو كفائي؟، وذكرنا دليل من يقول بالعيني الذي هو المحقق (ره) ونقل انه رأي الشيخ الطوسي (ره)، وذكرنا من يقول بالكفائي ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ [1] الذي هو قول الشهيد الثاني (ره) وغيره.

ثم أن قوله في المسالك ان الغرض الشرعي هو وقوع المعروف غير مسلّم، بل قد يكون الغرض وقوع المعروف بعد الامر به من آمر ما، نعم لو دار الامر بين العيني والكفائي لحملناه على الكفائي لدوران الامر بين حصوله من الغرض مطلقا او من الغرض بقيد تحققه من المكلف، والاصل عدم هذا القيد. واكثر الاصوليين يقول ان الاصل هو العيني لانه هو ما وجب عليك، والكفائي ما وجب عليك او على غيرك، هذا قيد زائد والاصل عدم هذا القيد. وبعبارة اخرى: العيني يحتاج في مقام البيان إلى تكلف ومؤونة زائدة.

نحن نقول ان الاصل هو الكفائي لان المطلوب هو هذا الفعل – حصول الغرض – منك عينا لا تحتاج إلى دليل، التقييد يكون بخصوص شخص " مأمور " هو الذي يحتاج إلى دليل.

النهي ومفاده:

والكلام تارة في مادته وتارة في هيأته.

مادته يعني: ن و ه و ي، التي تصاغ تارة في الماضي وتارة في المضارع والامر والمصدر، تتلون بتلون صيغها.

المادة والصيغة على اي شيء تدلان:

اما المادة فهي دالة على الزجر وذلك بالوضع [2] ، ويلزمه الحرمة بالاطلاق مع عدم القرينة عرفا [3] ، فان زجر العالي الداني يلزمه امتناع الداني عرفا.

واما الهيأة والصيغة، فهي موضوعة للنسبة الزجرية وتتلون بتلون الدواعي، تماما كما ذكرنا في مبحث صيغة الامر فتكون حرمة بالحمل الشايع الصناعي لو كان الداعي التحريم، وتكون كراهة كذلك إذا كان الداعي هو الكراهة وهكذا.

دلالة النهي على طلب الترك او الكف عن الفعل:

هل معنى لا تشرب الخمر اي اترك شرب الخمر – طلب الترك – أو ان تكف وتزجر نفسك عن شرب الخمر.

هذه المسألة ليس لها ثمرة كبيرة لذلك اختصر بما اذهب اليه.

قال المحقق الخرساني (ره) في كفاية الاصول: " الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر بمادته وصيغته، غير ان متعلّق الطلب في احدهما الوجود وفي الآخر العدم. نعم يختص النهي بخلاف، وهو ان متعلّق الطلب فيه هل هو الكف او مجرد الترك؟ والظاهر هو الثاني " . [4]

وقد اختلفت الانظار والاشكالات على القولين والاستدلال لهما، وهي كثيرة، ولكوننا في مقام المختصر المفيد نقول:

لو ان رجلا وجه له خطاب: الخمر حرام، وكان سجينا لا يوجد عنده خمر، فلم يشرب لعدم تمكنه منه، فهو لم يعص النهي، لعدم قدرته عليه، ولكن هل يعدّ ممتثلا؟ لا شك في عدم عدّه ممتثلا.

قد يقال: لا يمكن توجه الخطاب إلى هذا السجين لعدم قدرته عليه، والقدرة من الشروط العامة للتكليف، فارتفع موضوع العصيان والامتثال.

فانه بقال: ان عدم وجود الموضوع يمنع فعلية التكليف لا انشائيته، فالتكليف العام " الخمر حرام " يشمل جميع المكلفين إنشاءا والانشاء يمكن ان يمتثل كما سبق واشرنا إلى ذلك، نعم لا عقاب على تركه لعدم كونه فعليا منجزا في حقه.

وقد يقال: انه اصبح في هذه الحالة لا عاص ولا ممتثل، وهذا محال لكون العصيان والامتثال من باب الملكة والعدم، لا يرتفعان. فانه يقال: هنا ثلاث حالات، أي ثلاثة اضداد، والموضوع الذي عرض عليه الوصف هو المكلف.

إذن يدل النهي على طلب الكف، ولكن لا بالدلالة المطابقية، بل بالدلالة الالتزامية.

دلالة الصيغة مع عدم القرينة على التحريم:

هل هذه الصيغة مع عدم القرينة تدل على الحرمة او تدل على الكراهة او على مطلق الزجر؟

 

كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾ [5] وفي آية اخرى ﴿ لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ﴾ [6] هذه النسبة الزجرية ظاهرة في التحريم مع عدم القرينة [7] .

وقلنا ان الصيغة تتلون بتلون الدواعي، فقد تدل على الحرمة، أو على الكرهة، او على الاباحة إذا وردت بعد الوجوب، او تدل على الشرطية او المانعية، ولذا كان المراد منها في غير التحريم كثيرا، كما مرّ في صيغة الامر، مما حدا ببعض الاصوليين إلى القول بعدم ظهور صيغة الامر في الوجوب ولا صيغة النهي في الحرمة.

 


[2] لان الدلالة قد تكون بالوضع، بان يكون اللفظ حقيقة في المعنى، وقد تكون بالعقل أي لحكم العقل بلزوم امتثال النهي الصادر من العالي إلى الداني، وقد تكون بالاطلاق يعني بحسب النظرة العرفية وهذا يحتاج إلى مقدمات الحكمة.
[3] أي يلزمها الحرمة بالاطلاق، فتحتاج إلى مقدمات الحكمة، فإذا لم يكن هناك قرينة حملناها على الحرمة، اما إذا كان هناك قرينة على الكراهة انتفى الاطلاق. ولو كانت بالعقل تدل لم تعد الدلالة عرفية اطلاقية.
[7] القرينة على قسمين: قرينة صارفة، وقرينة معينة. القرينة الصارفة تصرف عن المعنى الحقيقي، كما قال بعضهم في مسألة دلالة الامر بعد النهي؟ بعضهم يقول تدل على الاباحة، بعضهم يقول تدل على حكم بعينه بعد صرفها عن الحرمة، وبعضهم يقول لا تدل على شيء. مثلا: " الصيد في الحج كان محرما على المحرم " ثم قال: " وإذا حللتم فاصطادوا "، اصطادوا صيغة امر، هل تدل على وجوب الصيد، او اباحة الصيد أو استحبابه أو على الاعم منها، نعم الحرمة ذهبت لكن يثبت احد الاحكام الاخرى الاربعة بعينه. فهذه قرينة صارفة. وهناك قرينة معيّنة لاحد المعاني الاخرى للوجوب او للاستحباب او للاباحة او للكراهة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo