< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد، والواجب التخييري :

إذن إذا تعلق الامر بالفرد يلزم منه ثلاثة محاذير:

الاول: انه اذا تعلق به موجودا يلزم تحصيل الحاصل. وإذا تعلق به معدوما يلزم تعلق الموجود بالمعدوم.

الثاني: إذا تعلق الامر بالطبيعة بلحاظ افرادها شيء، وإذا تعلّق الامر بالافراد ولو بواسطة الطبيعة شيء آخر إذ يكون من قبيل الوضع عام والموضوع له خاص، بالنتيجة الامر يتعلق بالفرد وهذا فرق شاسع، إذا قلت: " اكرم العالم " وكانت " العالم " مرآة بمعنى، ان المتعلق هو " العالم " لكن في حال الامتثال يحتاج إلى فرد. ففي هذه الحالة يكون استعمال العام في اكرم العالم واي اكرام العالم عاما والمستعمل فيه عاما. بينما لو قلت: " اكرم العالم " وكانت العالم مجرد مرآة لافرادها أي تعلق الوجوب بشخص هذا العالم أو ذلك (اي بالافراد) حينها يقع الاشكال، ويصبح استعمال الشيء " لفظ اكرام العالم " في غير ما وضع له.

الثالث: إذا تعلق الامر بالفرد يكون الامر قد تعلق بالمشخصات والمشخصات لا دخل لها في الغرض.

ذلك ان الامر والنهي يتبع الغرض سعة وضيقا، فكل ما له دخالة في تحقق الغرض يكون دخيلا في المأمور به، اما ما ليس له دخالة في الغرض فلا يكون دخيلا في المأمور به أو المنهي عنه، وإلا كان لغوا قبيحا على الحكيم. إذا عرفت هذا:

فالفرد هو الجامع مع المشخصات الخارجية، فلو تعلق الامر بالفرد لتعلق بالمشخصات معه، ونحن نعلم ان المشخصات لا دخالة لها في تحقق الغرض، فيكون الامر بها لغوا وقبيحا على الآمر الحكيم.

إذن فرق بين مقام الجعل ومقام الامتثال. الامر والنهي يتعلق بالطبائع في مقام الجعل، لكن في مقام الامتثال نحتاج إلى الفرد لكن ليس لتعلق الامر به بل لانه لا بد منه حال الامتثال، اي لا يكون في الخارج إلا ضمن الافراد.

ففي مقام الجعل نحن نحتاج إلى تصور العام ونحتاج إلى تصور المتعلّق، لكن لا بما هو هو، وإلا لاصبح قضية ذهنية، والآثار المرتجاة منه هي للخارج لا للذهن، بل بلحاظ فرض وجود افرادها خارجا.

وفي مقام الامتثال: نحن نحتاج إلى الافراد التي ينطبق عليها العام، لان الاثر المرتجى هو للخارج، أي لهذه الافراد ولذلك عبّر الشيخ أغا ضيا العراقي في نهاية الافكار عن هذه القاعدة فقال: " تعلّق الامر والطلب بنفس الطبيعة لكن بما هي مرآة إلى الخارج. [1] كلمة " مرآة إلى الخارج " بمعنى اننا نلحظ عالم الامتثال لا اننا نحكم على عالم الامتثال ويتعلق الحكم بما هو في عالم الامتثال. بعبارة اخرى: الطبيعة بما هي لا يتعلق بها امر ولا نهي، العنوان بما هو لا يتعلق به امر ولا نهي. ومعنى كلمة مرآة لا يعني ان يكون الحكم متعلقا بالافراد ولكوني لا استطيع ان اتصور الافراد جميعا أتيت بمفهوم حاك عنها واحكم على الافراد، فيتعلق الامر بالافراد، بل المراد من المرآة ما الاحظ فيه حال الامتثال من دون تعلق الامر به، بل يبقى الامر والنهي متعلقين بالطبيعة.

نقول ان الطبيعة توجد بوجود افرادها، فالذي يؤثر بالغرض هو الطبيعة، [2] والطبيعة تنطبق على جميع افرادها، وانا في عالم الامتثال اريد ان اطبق الطبيعة على فرد، ولا يصح ان يقال ان الطبيعة هي حاكية عن فرد وان الحكم متعلق بالفرد فيصبح الفرد هو المطلوب، والفرد عبارة عن جامع مشترك زائد مشخصات، اي اصبحت المشخصات مطلوبة، وقطعا هي ليست مطلوبة، وقطعا لا يتعلق بها الامر.

ولتوضيح الفرق بين استعمال النكرة في العام واستعمالها في الخاص: إذا قلت " رايت رجلا " هنا الرجلا استعملته حقيقا، استعمال اللفظ فيما وضع له، لانه موضوع لكل رجل، مرّة اخرى اقول " رأيت رجلا " واستعملته في زيد هذا مجاز لان الحكم على الخاص بما هو خاص، إذ التشخص لا علاقة له بالتعلّق، وهذه هي النقطة التي زلت بها اقدام بعض الاصوليين فذهبوا إلى ان الحكم متعلق بالفرد. مقام التعلق بالحكم شيء ومقام الامتثال شيء آخر، الانشاء يتعلق بالطبيعة، ومقام الامتثال يشخص الطبيعة بفرد. مثلا: عندما اقول لك " الخمر حرام " لا اعني هذا الخمر ولا ذاك الخمر، الفرد ليس مطلوبا اصلا، نعم لا يتحقق المطلوب إلا ضمن فرد. لذلك نقول اننا نفرق بين مقام التعلق والانشاء والجعل سوء كان الجاعل عز وجل او الآمر العرفي وبين مقام الامتثال الذي لا يوجد فيه تعلّق، الامر لا يتعلق بالممتثل، الفرد له علاقة بالتحقق. التمييز بينهما دقيق ومهم جدا. فكلمة اغا ضيا العراقي (ره) بقوله تعلق الامر والطلب بنفس الطبيعة بما هي مرأة إلى الخارج. هذا كلمة مرآة ينبغي ان ننتبه لها لان لها احتمالين: احدهما لا نقول به لانه بمعنى تعلق الامر بالافراد، وهذا لا نقول به. الثاني مراده بلحاظ الخارج بمعنى ان الامتثال يتحقق في الخارج، وهذا هو المؤيد.

فإذن الاحكام او الاوامر والنواهي، الطلب، الجعل، الانشاء، يتعلق بالطبائع لا بالافراد.

الوجب التخييري:هل هناك في الشرع واجب تخيري او لا؟ وهل يمكن التخيير بين الاقل والاكثر أو لا؟ التخيير إما عقلي وإما شرعي:

فالتخيير العقلي هو في عالم الامتثال ويكون بين افراد الكلي المطلوب أي التخيير بين افراد متعلّق الامر ولا دلالة على بعضها دون الآخر، مثلا: ائتني بقلم يعني اي قلم كان، قال ذلك العقل. لذلك لا يتحقق الاطلاق إلا في التخيير العقلي.

وانما سمي التخيير عقليا لان العقل يحكم بالتخيير وليس الشرع.

اما التخيير الشرعي فهو في عالم الاثبات، أي في عالم بيان الحكم بان يتعلق الامر بهذا او بذاك. وانما سمي شرعيا لان الشارع هو الذي بيّن التخيير بين اطراف سمّاها هو.

ولا شك في ثبوت ما ظاهره التخيير في الشرع المقدس، كخصال كفارة افطار الصائم عمدا أو دية قتل العمد، أو غير ذلك. هذا في مقام الاثبات ومقام البيان. لكن هل يقع التخيير ثبوتا في مقام الجعل، هناك قرق بين مقام الاثبات والبيان والبرهان والدليل، ومقام الثبوت الذي هو مقام الجعل في الواقع واللوح المحفوظ.

وقع الكلام في وقوع التخيير ثبوتا أي في عالم الواقع حيث اشكل بعضهم ان الكفارة تؤدي غرضا واحدا، وهذا الغرض الواحد يكون صادرا عن شيء واحد، لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، فيكون الصادر عنه هو الجامع المشترك بين خصال الكفارة، وتكون اطراف التخيير حينئذ افرادا لهذا الجامع، وبالتالي عاد التخيير عقليا، لانه تخيير بين الافراد.

غدا ان شاء الله نتكلم في امكان ثبوت التخيير الشرعي ثبوتا، ومسألة هل يوجد تخيير بين الاقل والاكثر.


[2] لا نستطيع ان نقول ان الطبيعة والمصاديق متساويان، لان التساوي يكون بين مفهومين وعنوانين لهم مصاديق مشتركة، اما بين المفهوم ومصاديقه فليسا متساوين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo