< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد:

مطلب اليوم ان الاحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد، وهو مطلب يبنى عليه استنتاج مسائل اخرى اصولية، أي ان هذه المسألة نحتاجها لبناء مسائل اخرى لانها في ذاتها ليست مسألة اصولية بالمعنى المعروف وهو ان يقع كبرى في استنباط المسائل الفقهية، هذه المسألة هي تقع كبرى للمسائل الاصولية التي تقع كبرى في المسائل الفقهية.

واتصور ان المسألة وجدانية لا تحتاج إلى دليل وكثير تفكير، لكن وقع فيها الكلام.

المراد من الطبائع ليس المراد الطبيعة الحقيقية، بل المراد الكلي العنوان الجامع وليس الكلي الطبيعي بين الاجناس، المراد العنوان الجامع الذي يؤدي الغرض. مثلا: إذا كان الغرض التشجيع على العلم فاقول: " اكرم العلماء " وجوب الاكرام متعلق بعنوان، هذا العنوان هو اكرام العالم هذا العنوان لو تحقق يحقق الغرض سواء كان العنوان حقيقيا أم اعتباريا.

هنا وقع توهمان قد يدفعا للقول بان الاحكام تتعلق بالافراد: ان الاثار تكون للأفراد الخارجية وليس للصورة الذهنية، ليس للعنوان بل للأفراد الخارجية، والأثر الغرض المرتجى، من هنا حصل توهم ان الاحكام متعلقة بالفرد لان الأثر له، فالغرض المرتجى من الانشاء انما يتحقق بالافراد لذلك ذهب بعضهم إلى ان الاحكام تتعلق بالافراد، عندما اقول: " ائتني بقلم " اي القلم الخارجي، لان الاثر للخارج فإذن سبب التوهم ان الاثر للأفراد.

وتوهم آخر ان الطبائع بما هي قطعا لا يتعلق بها حكم، لان انشاء الحم انما يكون لغرض، والغرض يتحقق من الافراد الخارجية ولذا، فالصورة الذهنية لا يتعلق بها حكم، فإذا قلنا بان الاحكام متعلقة للطبائع والاحكام سواء كانت اوامر او نهي، ليس المراد الطبائع الذهنية بما هي، لان الشيء الذي هو في الذهن ليس محط للآثار، مثلا: " الانسان نوع " " الحيوان فصل " هذه المسألة ذهنية محضة، الآثار ليست للذهن، الآثار هي للخارج. هذا ايضا دفعهم إلى القول ان الاحكام متعلقة بالافراد وليس بالطبيعة لان الطبيعة ليس لها آثر، اذا قلت " النار محرقة " لو كان الاحراق ناتج عن كلي النار لاحترقت ادمغتنا ومخيلاتنا وتصوراتنا، قطعا ليس هذا المراد.

نقول: صحيح، وبلا شك ان الاثر هو للخارج وان الطبيعة بما هي لا تتعلق بها الاحكام، بل نقول ان الاحكام متعلقة بالكلي بلحاظ افراده، وما معنى بلحاظ افراده؟

إذن هناك مسألتان: اولا: بماذا يتعلق، ما معنى بلحاظ افراده؟ ثانيا: هل يمكن ان يتعلق بالأفراد أو لا؟

إذا انتهينا من هاتين المسألتين نذهب إلى ان الاحكام تتعلق بالطبائع بلحاظ افرادها وقد نعبّر بالفاظ اخرى.

ومن هنا تعددت الانظار في متعلق الحكم. والظاهر ان المتعلق هو الطبيعة بلحاظ افرادها لا بما هي هي توضيحه:

عند العقلاء، ان الدافع للأنشاء هو المصالح والمفاسد، ولذلك قالوا ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد، وهذه المصالح والمفاسد تترتب على الوجودات الخارجية، لكن عند الأمر يتصور الآمر الجامع بينها الذي له دخالة في تحقق الغرض، ويأمر بهذا الجامع، وهو عنوان يترتب عليه عند تحققه خارجا. ولا يكون الامر متعلقا بالافراد لثلاثة محاذير:

الاول: ان الفرد لا يمكن ان يتعلق به الأمر لانه:

إما ان يتعلق به في حال وجوده فيكون طلبه طلب الحاصل، إي يكون امتثاله من باب تحصيل الحاصل.

واما ان يتعلق به في حال عدمه فيلزم منه تعلّق الموجود بالمعدوم وهذا محال.

هذا ما نسميه بانشاء الاحكام على نحو القضايا الخارجية.

الثاني: عندما اقول: " أكرم العالم " أستعمل العام " العالم " كمرآة لافراده، والمرآتية على نحوين:

أحدهما: ان استعمل لفظ العام في العام، ولكني الاحظ وجوده الخارجي، فيكون الخارج مجرد تطبيق للعام امتثالا للأمر، ولا يكون الخارج متعلقا للأمر ومستعملا فيه لفظ العام. ولذا يكون الاستعمال على نحو الحقيقة لا على نحو المجاز. ويكون المتعلّق هو الطبيعة.

الثاني: ان استعمال لفظ العام في الخاص، اي في الفرد الخارجي، فيكون الخارج بنفسه متعلّقا للأمر، ولذا يكون الاستعمال على نحو المجاز، وذلك لاني استعملت لفظ العام الموضوع للعام في افراده، وهذا الاستعمال مجازي لانه استعمال اللفظ في غير ما وضع له.

والمراد في المرآتية هي المعنى الاول، وهذا هو معنى القضية الحقيقية، أي ان موضوع القضية هو الكلي مع ملاحظة ان الامتثال يكون بالافراد على فرض وتقدير تحققها خارجا.

لتوضيح ذلك: في مسألة الوضع قلنا ان الوضع على اربعة اقسام: الوضع خاص والموضوع له خاص، والوضع عام والموضوع له عام، والوضع العام والموضوع له خاص، والوضع خاص والموضوع له عام. والوضع هو عبارة عن قضية حملية، والوضع يحتاج إلى التصور، القضية الحملية تحتاج إلى تصور، الوضع الخاص هو ان تصور امرا خاصا، والاول كالاعلام الشخصية، والثاني كاسماء الاجناس، والثالث هو الوضع عام واتصور الخاص كما في الحروف، اتصور الظرفية امر عام واضع لافرادها لانني لا استطيع ان احصي الافراد واحتاج لان اضع لكل فرد فرد، فاتصور العام واضع للأفراد، من قبيل العلم الجنسي. العلم الجنسي مثل: " اسامة " للأسد، درسنا في النحو ان العلم على قسمين: العلم الشخصي والعلم الجنسي. العلم الشخصي مثل زيد وبكر وغيره، والعلم الجنسي مثل: " اسامة " للأسد، و" ثعالة " للثعلب. كيف يتم وضع العلم الجنسي؟ عالم العلم الجنسي انه انا اريد احد افراد الاسد واريد مخاطبته كعلم معرفة، وفي نفس الوقت لم اضع له لفظا، فحينئذ اتصور كلي " الاسد " واضع لفظ " اسامة " لافراد الاسد، لذلك افراد الاسد اصبحت من العلم بالنسبة لـ " اسامة "، من هنا: ما هو المشترك بين لفظ اسد ولفظ اسماة، وما الفرق بينهما؟ المشترك هو انه لكل اسد تقول " اسامة " ولكل اسد تقول اسد: في الالفاظ في النحو " اسامة " تعامل معاملة المعرفة ولذلك اشترط ان يكون " اسامة " للحاضر لا للغائب، لا تستطيع ان تقول للأسد الغائب انه " رأيت اسامة امس " بينما تستطيع ان تقول: " رأيت اسدا امس ".

ما الفرق بينهما: " اسامة " موضوعة لكل اسد، ولفظ اسد موضوع ايضا لكل اسد لكل حيوان، هذا موضوع لكلي فرد فرد وذاك موضوع لكل فرد فرد. لماذا اصبح " اسامة " علما بينما بقي " اسد " نكرة واسم جنس، الفرق بينهما: ان " اسامة " لما وضع لكل فرد فرد تصورنا امرا عاما وهو كلي الاسد ووضعنا مباشرة للأفراد وليس بلحاظ الافراد، فصار اللفظ له على نحو العلم فلذلك صار معرفة. العلم الجنسي هو نوع من الوضع عام والموضوع له خاص، ولذلك اصبح العلم الجنسي علما معرفة، بينما لفظ " اسد " تصورت كلي الاسد وعندما استعمله استعمله بلحاظ الافراد لا في الأفراد، فيبقى نكرة.

إذا تم التميز بين العلم الجنسي والنكرة نميّز هنا بينهما، ماذا يعني ان استعمل الطبيعة بلحاظ افرادها؟ لا يعني ان اضع للفرد، او ان يكون الحكم لنفس الفرد. الصحيح ان يكون الحكم على الطبيعة لكن اعلم ان الامتثال يكون بالافراد.

إذن المحذور الثاني من تعلّق الاحكام بالافراد، لزومه استعمال اللفظ في الافراد أي ان اتصور العام واحكم على الافراد، إذا كان كذلك اصبح من باب استعمال العام في الخاص ولو كان كذلك لكان استعمالا مجازيا بينما الاستعمال غير ذلك، فهو من باب استعمال العام وإرادة العام، وهو استعمال على نحو الحقيقة، وليس مجازيا. نعم الاحكام تكون على نحو القضية الحقيقية، أي إرادة العام من لفظه ولحاظ الافراد على تقدير وفرض وجودها.

القضية الحقيقة ليست مجازية، لان العام استعمل في العموم، عندما اقول: " اكرم العالم " أو " كل خمر يحرم شربه " هذا حكم على نحو القضية الحقيقية يعنى بلحاظ الخارج لان الامتثال في الخارج، لذلك سنميز بين حالتين: حالة التصور والانشاء والجعل وحالة الامتثال. هم خلطوا بين الحالتين لذلك قالوا كيف يكون الحكم متعلقا بالطبائع والأثر للأفراد؟!

ان زمن التعلق يختلف عن زمن الامتثال، حالة التعلق تختلف عن حالة الامتثال.

فالقضية الحقيقية هي ما ذكرناه واما القضية الخارجية: ذكرنا ان الوجودات ثلاثة: اما قضية موضوعها ذهني، واما في الخارج، واما على تقدير الوجود. فالاولى القضية ذهنية والثانية خارجية والثالثة حقيقية.

المحذور الثالث: ان الامر والنهي يتبع الغرض سعة وضيقا، فكل ما له دخالة في تحقق الغرض يكون دخيلا في المأمور به، اما ما ليس له دخالة في الغرض فلا يكون دخيلا في المأمور به أو المنهي عنه، وإلا كان لغوا قبيحا على الحكيم. إذا عرفت هذا:

فالفرد هو الجامع مع المشخصات الخارجية، فلو امر بالفرد لامر بالمشخصات معه، ونحن نعلم ان المشخصات لا دخالة لها في تحقق الغرض، فيكون الامر بها لغوا وقبيحا على الآمر الحكيم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo