< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

التطبيق الرابع:

سنتكلم اليوم عن التطبيق الرابع وعن الوجه في ذكره بعض الفقهاء من التفريق في صحة الوضوء بين الاناء المغصوب وبين الانحصار وعدمه.

قال العلامة الحلّي (ره) في المديون، إذا حلّ الدين المؤجل أو كان حالا وطالب الدائن: لا تصح صلاته في اول اوقاتها قبل القضاء مع المطالبة، وكذا غير الدين من الحقوق كالزكاة والخمس. 1

وقال المحقق الثاني في توضيحه: لان الامر بالاداء على الفور يقتضي النهي عن ضده، والنهي في العبادة يقتضي الفساد. [1]

اقول: الصلاة صحيحة على ما ذهبنا إليه من أن الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، وان النهي عن العبادة لا يقتضي الفساد إذا كان النهي بعنوان آخر. بل فصلنا بين حالتين:

الاولى: ان يتعلق النهي بالعبادة بعنوانها، فيكون النهي دالا على الفساد، ويكون نهيا بيانيا للفساد، كالنهي عن صوم العيدين بعنوان العيدين، وذلك بالدلالة الالتزامية العرفية كما سيأتي في مبحث دلالة النهي على الفساد.

الثاني: أن يتعلق النهي عن العبادة بعنوان آخر، فلا يدل النهي على الفساد كما سيأتي في بحث اقتضاء النهي الفساد، فتكون هذه العبادة مأمورا بها من جهة ومنهيا عنها من جهة اخرى أي انقلب إلى التزاحم، ونعلم أن في التزاحم يقدّم الأقوى ملاكا، فلا تكون العبادة منهيا عنها إلا إذا كان ملاك النهي أقوى. [2]

إذن بالنسبة لنا الصلاة صحيحة لكنه أثم بعدم الفورية في سد الدين، والسبب في ذلك اننا قلنا ان الصلاة ليس فيها امر فعلي، والامر الفعلي للدين وهو الاهم، فالامر بالمهم الذي هو الصلاة غير محرَّك باتجاهه، فلا يكون فعليا، وهذا لا يعني ان الامر غير موجود كليا، فهو انشائي له مصلحة، صاحب الكفاية إخذ ان له مصلحة وقال انما نصحح العبادة بسبب محبوبيتها وان لم يكن لها أمر فعلي، ونحن قلنا ان العبادة صحيحة، لان الامر موجود، الانشاء موجود، وهناك مصلحة ومحبوبيه والفعلية مجرد تحريك، ولا يعني إذا لم يكن هناك فعلية ان العبادة غير صحيحة او ان الصلاة غير مطلوبة.

 

فإذن برأي العلامة الحلي ان الصلاة فاسدة لان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فالامر بالدين يقتضي النهي عن الصلاة، والصلاة عبادة، والنهي عن العبادة يقتضي فسادها.

وفي الحاق غير الدين من الحقوق كالخمس والزكاة بالدين من جهة بطلان الصلاة نظر، وجهه:

ان كلا الامرين من الصلاة والخمس واجب لكن احدهما فوري وهو الخمس فيجب والاخر موسع وهو الصلاة، فيقدّم الاهم ملاكا، فلو كان الاهم ملاكا هو الزكاة والخمس لكونهما فوريين، قدّم واقتضى النهي عن الضد الخاص وهو الصلاة.

لكننا لا نقول باقتضاء الامر النهي عن ضده الخاص ولا بدلالة النهي عن الفساد في هذا المورد، بل هما من باب اجتماع الامر والنهي. ومع هذين القولين لا دلالة على فساد الصلاة.

إلى هنا ننتهي من بعض تطبيقات مسألة دلالة الامر بالشيء على النهي عن ضده.

سنتعرض في التطبيقات إلى مسألة الفعلية والشأنية، مسألة لا بد من امر لتصحيح العبادة. وللتذكير قلنا ان الفعلية حالة وليست مرحلة، والفرق بين الحالة والمرحلة ان الحالة ظرف يمر به الحكم بعد انشائه، اما المرحلة لا يتوجه حكم من دونها، هذا اصطلاح لم يرد لا في نص ولا في رواية ولا في آية. واكرر انه عندما ينشأ حكم فانه يكون على طبق مصلحة، ثم انه بعد إنشائه يصبح فعليا مع تحقق ظروف التحريك كما بينا ذلك سابقا اكثر من مرّة.

تطبيق لمسألة فعلية الحكم وعدمها:

فصّل بعض الفقهاء في مسألة اعتبار اباحة الاناء والفضاء الذي يقع فيه الغسل او الوضوء بين حالتين، في حالة الانحصار، أي انحصار الماء بالماء الموجود في الاناء المغصوب يبطل الوضوء، وفي حالة عدم الانحصار يصح الوضوء.

ولعلّ الوجه في ذلك: ان الحكم لا يكون فعليا إلا في حالة القدرة على بعض افراده ولو كان واحدا. فلا يمكن توجيه التكليف مع عدم وجود أي فرد مقدور عليه. والقدرة الشرعية كالقدرة العقلية، فمع الانحصار لا يوجد تكليف بالوضوء، فينتقل التكليف إلى التيمم ولو عصى وتوضأ فالوضوء يقع باطلا.

 


[1] جامع المقاصد، المحقق الكركي، ج5، ص12.
[2] قالوا ان النهي عن الضد دليله اما مسلك التلازم او مسلك المقدمية. بناء على مسلك المقدمية صار النهي عن الضد غيريا، إذ صار مقدمة. واما بناء على مسلك التلازم فلا يكون غيريا لان التلازم لا يعني المقدمية. هذا في الاستدلال على ان اصل ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo