< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

المختار:

ملخصا الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية: الوجودات ثلاثة: الوجود الذهني، والوجود الخارجي، والوجود التقديري. اثنان حقيقيان: الوجود الذهني والوجود الخارجي. وواحد تقديري فرضي. فإذا كان موضوع القضية وجوده ذهنيا سميت القضية ذهنية، وإذا كان الموضوع وجوده خارجيا في احد الازمنة الثلاثة سميت القضية خارجية، وإذا كان الموضوع تقديريا – أي على فرض وجود الموضوع – سميت القضية حقيقية.

وفرقنا بين الانشاء والفعلية: ان الانشاء يشمل جميع الناس وهو جعل، اما الفعلية فتختلف بين مكلف ومكلّف، فقد يوجد مكلفان احدهما تمّت ظروف الفعلية والتحريك له فصار الحكم فعليا في حقه، بينما الآخر لم تتم ظروف الفعلية لديه، فلا يكون فعليا في حقه.

المختار: فإذا بينا هذا صار المختار واضحا، فعند التزاحم، الحكمان قد انشأ وجعلا بلا شك للجميع، لكل الناس، في التزاحم تتزاحم المقتضيات، والمشكلة تقع في عالم الامتثال، لا يمكن امتثالهم معا، إذن يجب رفع وجوب امتثالهما معا، وذلك التحريك عن احدهما يعني يرتفع عن الفعلية. فيبقى احدهما انشائيا والاخر فعليا، كلاهما مجعولان، والتضاد لا يرفع الحكم بل يبقى. فلو فرضنا ان انقاذ غريق وصلاة كانا متضادين لا يمكن اجتماعهما حينئذ يسقط احدهما عن فعليته. ايهما يرتفع عن الفعلية والتحريك تجاهه؟ هو الاقل اهميّة لكن يبقى انشائيا. وعليه كلاهما مأمور به وكلاهما عبادة وكلاهما صحيح وفيه واقتضاء ومصلحة ومحبوبية، وعليه يكون المختار واضحا.

المختار: إن المتزاحمين لا يكونان فعليين أبدا سواء عند عصيان الامر بالأهم أو غير ذلك، لانه يستحيل امتثالهما معا فيستحيل التحريك إليهما معا، فيكون الاهم هو الفعلي والمطلوب والثواب والعقاب عليه، أما الامر بالمهم فليس فعليا ابدا، ولا يمكن التحريك إليه سواء أعصي الامر بالاهم أم امتثل. ولذا المهم إذا كان عباديا، كمثال الصلاة وانقاذ الغريق [1] يقع صحيحا لكفاية الاقتضاء والانشاء في صحة العبادة. والنتيجة بطلان الترتب، وصحة العبادة.

قلنا ان الترتب هو: الامر بالاهم فان عصي فالامر بالمهم. اشكال صاحب الكفاية (ره) على الترتب متين، فهو يقول ان الامر بالاهم موجود وعند عصيانه يبقى موجودا ويبقى محركا اليه ولم يرتفع عن الفعلية، يبقى هو الامر المطلوب، ولذلك لو فرضنا ان المكلف رجع بعد العصيان يصح منه العمل ويبقى فعليا. فإذا كان الاهم فعليا والمهم فعليا فكيف يمكن امتثالهما معا، هذا هو اشكال صاحب الكفاية وهذا كلام متين. إذ مع فعل المهم ومعصية الاهم لا يعني ان يرتفع الحكم بالاهم او فعليته. نعم نقول لصاحب الكفاية انه لا يمكن تحريكهما معا، ولنلاحظ انه عند الانشاء انشأ كل واحد منفصلا عن الاخر، فيبقى المهم انشائيا والاهم فعليا، وحتى عند عصيان الاهم يبقى الامر بالاهم فعليا، اما الامر بالمهم فيبقى انشائيا حتى حين امتثاله، هذا هو الفرق بيننا وبين صاحب الكفاية. وفي الاهم ثواب وعقاب اما في المهم ثواب دون عقاب. اما الثواب فواضح، فهو منشأ وفيه محبوبية وهو عبادة صحيحة. واما عدم العقاب فلعدم التحريك باتجاهه.

ملخص مسألة الترتب: الحكم لا يسقط بالعصيان، لا انشاءا ولا فعليا، وعليه يبقى الاهم منشأ وفعليا وهو المطلوب، اما الحكم بالمهم بوجود المزاحم لا يكون فعليا فيبقى انشائيا حتى مع امتثال المهم، المهم يبقى في مرحلة الانشاء وليس الفعلية.

اشكال على بطلان الترتب:

لا يقال: إن الترتب موجود في العرف كثيرا، كما لو قلت لك: انقذ الغريق، فان لم تنقذه فصلّ.

فانه يقال: حينئذ يكون عصيان الامر بالاهم جزءا من موضوع الامر بالمهم، لا انه في عرضه، حيث إن الامر بالاهم فعلي حتى مع عصيانه، فان العصيان ليس من مسقطات الامر ولا فعليته، ففي زمن العصيان تجتمع فعليتان بالامر بالاهم والامر بالمهم وهذا تكليف بالمحال يقبح من الحكيم.

إذن في رأينا ملخصا: ان الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، لا الضد العام ولا الضد الخاص. ثانيا: ان ما ذكروه في الترتب انه يبقى الحكمان فعليان باطل سواء كان فعليا في عرض واحد كما قال السيد الخميني (ره) او ترتبا كما قال الشيخ محمد حسن الاصفهاني والكركي او النائيني وغيره، نعم نحن نقول: انه في حال التزاحم يكون الامر بالاهم فعليا وبالمهم انشائيا، ولذلك الامر بالمهم يقع صحيحا لو كان عباديا.

بعض التطبيقات: قال الشهيد الاول (ره) في الذكرى، في مسألة حرمة غير البيع من سائر العقود بعد الاذان للجمعة: يمكن تعليل التحريم بان الامر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، ولا ريب ان السعي مامور به فيتحقق النهي عن كل ما ينافيه من بيع وغيره، وهذا اولى، وعلى هذا يحرم غير العقد في الشواغل عن السعي. [2]

اما على ما ذهبنا من عدم اقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده، فلا يكون شيء من الشواغل عن السعي محرّما سوى البيع واستثناؤه لانه منصوص، نعم المكلف يأثم لعدم السعي.

 


[1] من باب التمثيل والتشبيه: مجلس النواب يجتمع وينشأ ويجعل قانونا، أي انه هناك مصلحة واقتضاء وجعل، أي شرّع، لكنه لم ينشر في الجريدة الرسمية حتى يصبح فعليا، لم يبلغ بعد ولم يحرّك المواطنين باتجاهه. إذا لم ينشر هذا لا يعني انه لا توجد جعل ومصلحة ولا اقتضاء، بل يبقى الحكم مجعولا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo