< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الوجه الثالث: الترتب.

نكمل الكلام في كيفية تصوير بقاء الامر بالمهم مع معصية الاهم. ذكرنا صور متعددة آخرها كان الترتب.

والترتب هو انه عند عصيان الامر بالاهم يكون الامر بالمهم فعليا. والفعلية اتت من ان المقتضي للأهم لم يؤثر اثره لذلك عصى، إذن اثر المقتضي للمهم لانه اصبح بلا مزاحم.

وقد نوقش في ذلك بان لازمه استحقاق عقوبتين في صورة مخالفة الامرين، مع انه قبيح، ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد، والعبد لا يقدر على امتثالهما معا.

ويجاب عن ذلك: لا نجد قبحا في العقابين مع وجود حكمين فعليين: الاهم والمهم، [1] فوجود حكمين فعليين يعني معصيتين، فان المكلف عصى الأهم فاستحق عقوبة، ثم عصى المهم الذي اصبح فعليا بعصيان الاهم فاستحق عقوبة اخرى، وهذا لا قبح فيه، نعم استحالة امتثالهما تعني عدم كونهما فعليين، بل احدهما فعلي وهو الاهم، والآخر انشائي فقط وهو المهم، ولا عقاب على ترك الانشائي.

الفرق بين إنشاء الحكم وفعليته:

قبل بيان المختار لا بد من بيان الفرق بين انشاء الحكم وفعليته: إن لفظ الانشاء والجعل وكذا لفظ الفعلية لم يردا في نص شرعي، ولذا فهما من اصطلاحات الاصوليين، وقد قلنا إن الانشاء هو جعل الحكم طبقا لملاك ومصلحة أو مفسدة [2] . وإن الحكم في هذه المرحلة يتعلّق بالمأمور به بالطبيعة على نحو القضية الحقيقية [3] . إذن هو حكم لجميع الناس ولا علاقه لها بالفرد الخارجي.

اما الفعلية فهي مرحلة ما بعد الانشاء، أي يتم تحريك المكلف بوجود موضوعه وكامل شروطه التحريك، ولذا ففي هذه الحالة تختلف حالة الحكم من مكلف إلى غيره، فقد تتم الشروط في مكلف ولا تتم في آخر، فلو أمر الآمر مثلا بوجوب الصدقة على فقير، فقد تمّ إنشاء الحكم وهو لجميع المكلفين. فلو فرضنا ان مكلفا وجد فقيرا دون الآخر فقد اصبح الحكم بالنسبة للأول الواجد فعليا، وبالنسبة للثاني غير فعلي بل يبقى في حق الثاني إنشائيا.

هذه النقطة في الفرق بين الانشاء والفعلية وهي أن الانشاء لجميع المكلفين بخلاف الفعلية فهي لكل مكلّف على حدة.

وكذا التنجيز، فان علم المكلف بالحكم صار منجزا في حقه، فيتم التنجيز في حق المكلف العالم بالحكم الفعلي دون الجاهل.

وعليه فان التزاحم هو في مقام الامتثال، ولذا لا يمكن ان يصل الحكمان المتضادان إلى الفعلية عند مكلف واحد، لعدم امكان تحريكه اليهما معا، اما الحكمان الانشائيان فلا مانع منه لعدم تحريك المكلف إلى الامتثال.

إذا علمت هذا فاعلم. ياتي المختار غدا ان شاء الله.

 


[1] الشيخ المظفر (ره) في هذه المسألة يركز على كلمة " معا " في مسألة الضد والترتب وان المشكلة في تفسير كلمة " معا "، الامتثال معا، أو الصدور معا. الصدور معا تكليف بالمحال، اما الامتثال معا فهو محال.
[2] وقد قلنا انه عندما تريد ان تنشأ حكما، اولا تلاحظ المصلحة ثم تنشأ الحكم، ولهذا الحكم حالات، فإذا وجد موضوعه من دون مزاحم صار فعليا. عند انشاء الحكم لا يكون هناك تحريك، والتحريك يكون بشروط منها وجود الموضوع وعدم وجود المزاحم والقدرة عليه إلى آخره، ولذلك قلنا ان القدرة العقلية والشرعية في الفرد غير مطلوبة أي ليست من الشروط العامة للحكم. ثم بعد ذلك إذا علمت بالحكم كان في حالة التنجيز، فيصبح المكلف مسؤولا عنه، فيقع الثواب والعقاب.
[3] ذكر في المنطق ان القضايا: خارجية، وحقيقية وذهنية. الذهنية حين يكون موضوعها ذهنيا مثلا: الانسان نوع. القضية الخارجية الحكم فيها على الموضوعات الخارجية الموجودة. والقضية الحقيقية الحكم فيها على تقدير وجود الموضوع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo