< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الوجه الثالث: الترتب.

نكمل الكلام في الامرين المتزاحمين احدهما أهم والآخر مهم، وفي تصحيح وجود الامر بالمهم. ذكرنا ان السيد الخميني (ره) قال ان كلا الامرين فعليان وفي عرض واحد، ولذلك الامر بالمهم موجود، فتكون العبادة صحيحة. ولكن قلنا ان كلاهما فعلي هذا امر محال لان معنى الفعلية هو تحريك المكلف باتجاه الامتثال، (إلا إذا كان مراده للفعلية معنى آخر) وهذا على خلاف صاحب الكفاية (ره) الذي يقول انه لا يمكن ان يكونا ممتثلين في آن واحد والفعلية لا تكون إلا لامر واحد. وذكرنا عندما سمينا الفعلية حالة من حالات الحكم وليست مرحلة من مراحل الحكم، وشتان ما بين الحالة والمرحلة، الحالة عندما تنتفي لا ينتفي الحكم، أما المرحلة فينتفي الحكم. من هنا فالفعلية حالة لان الحكم قد تمّ التحريك لامتثاله.

نصل إلى الوجه الثالث وهو الترتب:

الترتب مسألة بدأها المحقق الكركي (ره) واسسها وشيد اركانها الشيخ النائيني (ره) وإلى حد كبير هي مسألة مأخوذ بها بين المتأخرين. الغاية من مسألة الترتب ما هي؟: هي كيف نستطيع ان نتصور فعلية المهم؟

قالوا: الامر بالاهم والفعلية له لا للمهم، فان عصيت فالفعلية للمهم، كما لو قلت لك: سد الدين الذي عليك فان عصيت فاذهب إلى الحج، وكأن العصيان مسبب لسقوط الامر.

وهل يسقط الامر بالعصيان؟ الامر يسقط اما بالامتثال أو بانتفاء الموضوع، أو بانتفاء المصلحة والملاك – هكذا قالوا ولا أتبناه مطلقا كما بينا. وهل يسقط بالعصيان؟ وهذا جوهر الترتب ان الحكم يسقط بالعصيان، لذلك الاهم، عندما اعصيه يسقط. ولذلك إذا سقط بالعصيان يأتي الامر بالمهم دون منازع.

كيف يتصور الترتب؟ في هذا كلام كثير وصور وسودت عشرات الصفحات في مسألة الترتب.

نتيجة الترتب: ان الامر بالمهم فعلي فلو كان عبادة كان صحيحا. وكيف نصور فعلية المهم مع فعلية الاهم؟ وهذا التصوير ردّ على كلام الشيخ البهائي (ره) انه لا يوجد امر بالمهم اصلا للتزاحم.

هذا هو الفرق بين تصور السيد الخميني وبين الترتب، قال السيد بان الامر عندما ينشأ بغض النظر عن امتثال افراده، هذا الفرد هل يزاحم او لا، وكيفية علاج التزاحم؟ " اقيموا الصلاة " لم ينظر إلى الافراد ومزاحماتها وكيفية علاجها. وهكذا غيرها مثل وجوب بر الوالدين، الخمر حرام. ولذلك " اقيموا الصلاة " و " انقذ الغريق " كلاهما في عرض واحد، وكلاهما فعلي. فيكون الأمر بالمهم حتى مع عدم انقاذ الغريق فعليا.

اعترض بانه لا يمكن ان يكونا فعليين معا لذا قالوا بالترتب، فإذن جوهر الترتب هو ان هذا يترتب على ذاك، وجوهره ان فعلية الاهم تسقط مع العصيان. وفرقه عن الامر الاول انهما مترتبان اما الوجه السابق كلاهما في عرض واحد.

إذن الترتب: يترتب الامر بالمهم على عصيان الامر بالأهم.

وملخصه انه عند عصيان الامر الاهم يصبح الامر بالمهم فعليا، فتصح الصلاة المزاحمة بانقاذ غريق وان عصى فلا تجب الاعادة ولا يجب القضاء. [1]

قبل ذكر كلام المحقق الاصفهاني نذكر كلام صاحب الكفاية (ره) الذي يرفض الترتب، لان كلا الامرين المتزاحمين فعلي في آن واحد تكليف بالمحال. الامر بالأهم والامر بالمهم في آن واحد تكليف بالمحال.

وملخص كلام صاحب الكفاية: ان الامر بانقاذ الغريق موجود وهو فعلي حتى مع عصيانه، لان التحريك تجاهه باق، ويبقى هو الاهم واعاقب عليه إذا عصيت. ففي آن واحد يكون الامر بالاهم فعليا والامر بالمهم فعليا، النتيجة انهما في عرض واحد وهذا تكليف بالمحال.

المحقق الاصفهاني (ره) في نهاية الدراية [2] يقول عن الترتب: والتحقيق الحقيق بالتصديق في تجويز الترتب هو ان الامر بالاضافة إلى متعلّقه من قبيل المقتضي بالاضافة إلى مقتضاه، فإذا كان المقتضيان المتنافيان في التاثير لا على تقدير (أي مطلقا من دون قيد في التأثير )، والغرض من كل منهما فعلية مقتضاه عند انقياد المكلف له، فلا محالة يستحيل تاثيرهما وفعلية مقتضاهما وإن كان المكلف في كمال الانقياد. وإذا كان المقتضيان مترتبين بان كان أحد المقتضيين لا اقتضاء له إلا عند عدم تأثير الآخر فلا مانع من فعلية مقتضي الامر المترتب، وحيث إن فعلية اصل الاقتضاء المترتب منوطة بعدم تأثير المترتب عليه فلا محالة يستحيل مانعيته عن تأثير الامر المترتب عليه، إذ ما كان اقتضاؤه منوطا بعدم فعلية مقتضى سبب من الاسباب يستحيل ان يزاحمه في التأثير، ولا مزاحمة بين المقتضيين إلا من حيث التأثير، وإلا فذوات المقتضيات بما هي لا تزاحم بينها. [3]

ونتيجة كلامه (ره) ان المقتضيين للحكمين لا يؤثران إلا عند عدم اعمال الآخر. احد الامرين يمنع من تأثير الآخر، أما إذا واحدة منعت من تأثير الآخر، حينها الآخر يؤثر ويتحقق مقتضاه، وذلك هو الترتب. الامر بالمهم انما يكون الحكم فعليا عند عدم تأثير مقتضى الآخر الأهم.

الشيخ المظفر (ره) يؤيد الترتب، وصاحب الكفاية يرفض الترتب وينفيه.

نتيجة كلام نهاية الدراية: ان المقتضيين للحكمين لا يؤثران إلا عدم اعمال الآخر.

وقد نوقش في ذلك سنترك إلى الغد ان شاء الله.

 


[1] صاحب الكفاية صحح العبادة بالقول انه ليس هناك فعلية في الامر بالمهم، وتصحيحها لا يتبع الفعلية، بتبع المصالح بالمحبوبية والحسن، الصلاة تبقى لها محبوبيتها ومصلحتها وملاكها ولذلك هي صحيحة. السيد الخوئي (ره) اشكل على صاحب الكفاية بانه من يقول ان الملاك موجود بعد المزاحمة؟ وكانه سلّم ان وجود الملاك يصحح العبادة. واجاب الشيخ النائيني (ره) انما ارتفعت الفعلية بسبب التزاحم وليس بسبب سقوط الملاك، وزوال الملاك هو الذي يحتاج إلى دليل.
[2] المحقق الاصفهاني (ره): الشيخ محمد حسين الاصفهاني فقيه الشعراء وشاعر الفقهاء، هو صاحب تقسيم المباحث الاصولي الذي استند اليه الشيخ المظفر (ره)، عندما قسم الاصول إلى مباحث الالفاظ، ومباحث الملازمات العقلية، ومباحث الحجة، والاصول العملية. والمحقق الاصفهاني كان معقولا إلى حد كبير، ويلاحظ ذلك في تعليقه على المكاسب، فلسف الفقه إلى حد كبير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo