< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده؟

واما الامر الثالث وهو: المتلازمان لا بد وان يكونا محكومين بحكم واحد. هذا المبحث مهم لان له ثمرات ليس فقط في مسألتنا بل في مسائل كثيرة.

كان الكلام في ان الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص؟

قلنا ان هناك مسلكين في اثبات ذلك، المسلك الاول مسلك المقدمية، وقلنا ان الامر بالشيء ليس مقدمة لترك ضده، وقد تقدّم الكلام ذلك ولعدم تماميته ذهب بعضهم إلى المسلك الثاني.

المسلك الثاني:

مسلك التلازم ايضا نفس الشيء، يعني ان الامر بالشيء ملازم لترك الضد، بدل ان نقول انه مقدمة نذهب باتجاه آخر، المقدمية لم تثبت قلنا ان الشيء وترك ضده في نفس المستوى وليس احدهما مقدم للآخر، وقد ذهب بعض الاصوليين إلى مسلك آخر.

ومسلك التلازم قالوا ان الامر بالشيء ملازم للنهي عن ضده، لان الامر بالشيء ملازم لترك الضد، والامر بالشيء واجب إذن ترك الضد واجب يعني صار الضد حراما.

إذن مسلك التلازم مبني على امرين مهمين: الامر الاول ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام مثلا: الامر القاذ الغريق يقتضي النهي عن ترك الازالة والصلاة، وذلك لان انقاذ الغريق يتوقف على ترك الازالة، فانقاذ الغريق يلازمه ترك ازالة النجاسة أو ترك الصلاة وغير ذلك، ولعلّه ليس هناك واجب إلا وله ضد.

قالوا ان ترك الصلاة ليس مقدمة لانقاذ الغريق بل هو ملازم، ولا بد من شيء آخر وهو ان المتلازمين لا بد وان يكونا محكومين بحكم واحد وهذا يعني انه إذا كان انقاذ الغريق واجبا فيكون ترك الصلاة واجبة لانهما متلازمان.

قلنا ان التلازم لا اشكال فيه وهم اشكلوا على التلازم بين انقاذ الغريق وترك الصلاة وقالوا ان هذين ليسا متلازمين لان ترك الصلاة عدم والعدم لا يكون ملازما للوجود، لكن نحن قلنا انه لا اشكال في ذلك، بل اقول ان المتلازمين لا مانع من كونهما عدميين أو عدمي ووجودي، نعم ان يكون العدم مقدمة مشكل. سلمنا ان العدم لا يكون مؤثرا والمقدمة والشرط والجزء مؤثرات، والعدم لا يكون مؤثرا، ترك الصلاة ليس شرطا ولا مقدمة لانقاذ الغريق لانه ليس مؤثرا، اما ان يكون لازما فلا اشكال، المانع العقلي ان المؤثر لا يكون عدميا والفرق بين اللازم والمقدمة ان المقدمة مؤثرة بخلاف اللازم.

فالتلازم يتوقف على كون اللازم واجبا وذلك لان المتلازمين محكومان بحكم واحد. قالوا مثلا إذا طلعت الشمس فالنهار موجود، هذان امران متلازمان، فلا بد من كونهما محكومين بحكم واحد. فلا بد لطلوع الشمس إذا كان واجبا ومن طلوع النهار وإلا، إذا كان هذا واجب وهذا حرام، فإذا فعلت الواجب أكون قد فعلت الحرام، وإذا تركت الحرام أكون قد تركت الواجب لانهما متلازمان في الوجود لا يفترقان. قالوا: لا يمكن للمتلازمين ان يكونا هذا واجب وهذا حرام، قالوا هذا محال، لانه إذا فعلت الواجب اكون قد فعلت الحرام، وإذا تركت الحرام اكون قد تركت الواجب، فخرج الحرام عن كونه حراما او الواجب عن كونه واجبا.

قال بعض الاصوليين ما المانع ان يكون احدهما مباحا والآخر واجبا، هنا ان الواجب ان فعلته فلا باس لان فعل المباح لا اشكال فيه، وكذا ترك المباح، لكن إذا تركت المباح تركت الواجب مع العلم انه لا بد من فعل الواجب، فخرج المباح عن كونه مباحا وصار المباح واجبا. ولذلك قالوا ان المتلازمين لا بد ان يكونا محكومين بحكم واحد، ونحن سنقول بانه لن يكونا محكومين بحكم واحد. لانه إذا اختلف حكم المتلازمين فانه من باب التكليف بالمحال، أو يلزم خروج المباح عن كونه مباحا.

وخلاصة دليلهم: ان المتلازمين إذا حكم بكون احدهما واجبا والاخر محرما، فلا يمكن امتثالهما معا، لان فعل الواجب يستلزم فعل الحرام، وترك الحرام يستلزم ترك الواجب، فيكون امتثالهما معا تكليفا بالمحال.

وإذا كان احدهما واجبا والاخر مباحا، وهذا جائز كما قيل، فان فعل الواجب يقتضي فعل المباح دائما، فلا يمكن ترك المباح، فيخرج حينئذ عن كونه مباحا.

مراحل الحكم: والتحقيق انه هناك مسألة مهمّة وهي مسألة مراحل الحكم، في الاحكام تكون هناك مصلحة ينشأ على طبقها حكم – انشاء وجعل -، حين يجعل هذا الحكم وإذا ثبت موضوعه من دون مناف صار فعليا وإذا علمت به صار منجزا. مثلا: ) ولله على الناس حِجّ البيت من استطاع اليه سبيلا ( [1] اولا هناك مصلحة من الحج، ونحن نقول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد، نعبّر عنها بعالم الاقتضاء، حين يوجد المقتضي والملاك الله عز وجل ينشأ امرا على طبقها – جعلا بالوجوب – مع المصلحة الملزمة، ينشئ وجوبا، ومع المصلحة غير الملزمة ينشئ استحبابا. إذن المرحلة الاولى مرحلة الاقتضاء والمصالح والمفاسد، ثم المرحلة الثانية الجعل والانشاء، ثم المرحلة الثالثة مرحلة الدفع والتحريك أي الفعلية. فلنفرض انه ليس هناك مستطيع هذا لا يعني انه لا يوجد حكم، الحكم موجود لكن متى يكون الدفع نحوه؟ إذا وجد موضوعه وهو المستطيع يتحقق الدفع ويصبح فعليا، فالفعلية عالم الدفع والبعث والتحريك. ثم إذا علمت به صار منجزا. بعضهم قال ان هناك اربعة عوالم، وبعضهم قال ان هناك ثلاثة عوالم، وبعضه قال ان هناك مرحلتين: الانشاء والفعلية. ونحن نقول ان هناك مرحلة واحد للحكم وهي الانشاء والجعل، اما الاقتضاء فامر لا بد منه من باب الحكمة، الحكيم لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، والجعل بدون مصالح خلاف الحكمة، والله عز وجل رأس الحكماء، فإذن عالم الاقتضاء مقدمة لا بد منها وليست جعلا ولا انشاء. ومرحلة الانشاء هي مرحلة الجعل والتكليف.

ومرحلة الفعلية اشتهر عن الفقهاء والمدرسين ان الفعلية تحتاج إلى وجود الموضوع، لكن نقول اكثر من ذلك انها تحتاج إلى وجود الموضوع وايضا إلى عدم وجود مناف ومعارض ومعاند، ويحتاج ايضا إلى القدرة. كل ما يتعلق بالدفع له اثر في الفعلية.

ونعود إلى مسألتنا: هل الملازم الحرام معاند للملازم الواجب؟ بلا شك انه معاند، فيكون عدمه شرطا للفعلية.

لذلك نقول عند التعاند مثل انقاذ الغريق واجب والصلاة واجبة، لم يرتفع انشاء الصلاة، بل ارتفع الدفع والتكليف نحوها فتكون الفعلية قد ارتفعت وليس الانشاء، الانشاء يبقى ويبقى حكمه حراما. المحكومان لا يشترط ان يكونا محكومين بحكم واحد في عالم الانشاء، لان الانشاء خفيف المؤونة في التحريك.

إذن المتلازمان لا يشترط ان يكونا محكومين في عالم الانشاء بحكم واحد، اما في عالم الفعلية لا يمكن الدفع إلى حكمين.

ونقول الفعلية ليست من مراحل انشاء الحكم، الحكم له مرحلة واحدة وهي الانشاء والفعلية من حالات الحكم، فالحكم هو الانشاء والجعل، اما الدفع والتحريك نحوه لوجود موضوعه والقدرة عليه وعدم وجود معاند مما يؤدي إلى ما سمّوه بمرحلة الفعلية فهي ليست من الحكم بل من حالاته.

والتحقيق: انه لا مانع من اختلاف المتلازمين في الحكم، إلا ان الاقل أهمية يخرج عن عالم الفعلية ويبقى في عالم الانشاء، فلو ان احدهما كان واجبا، وكان أهم من الملازم الحرام، قدّم وبقي الحرام في عالم الانشاء.

فان فعلية الحكم بعد انشائه لا تحتاج فقط إلى وجود موضوعه، بل تحتاج ايضا إلى عدم وجود مانع أو مناف أو معاند له، إذ لا يمكن الدفع باتجاه امتثال حكمين متخالفين ولذا، يصبح الاهم في عالم الفعلية إذ هو المقدّم مع التعاند، ويبقى الاخر المهم في عالم الانشاء.

إذن الفعلة لا تحتاج فقط إلى وجود الموضوع، بل تحتاج إلى عدم وجود معاند والقدرة العقلية او الشرعية، وسنبحث ان شاء الله ان القدرة شرط في الحكم او لا؟ انا ارى في هذه المسألة ان القدرة شرط في الفعلية اما انها شرط في الانشاء فلا إلا في حالة واحدة، فإذا كان الحكيم يعلم انه لا يقدر ابدا على هذا، فيكون حينئذ خلاف الحكمة ان ينشأ إلا ن يقال ان الانشاء يكون مجرد بيان لمصلحته.

وهذه اضاءة مهمة، فكن على ذكر منها فانها ستنفعنا ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo