< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

مقدمة الواجب:

النقطة السابعة: إشكال عبادية الطهارات الثلاث والثواب عليها.

هذا الاشكال معروف عند الاصوليين من ان المقدمة لا وجوب لها ولا ثواب عليها ولا عقاب عليها ولا تكون تعبدية لان الوجوب الغيري لا يكون ملاكا للتعبد، بل ملاكه الوجوب النفسي دون الغيري. فإذا كان كذلك كما هو محل اجماع عندهم، وهذه مسألة عقلية محضة. إذا كان الوجوب الغيري كذلك لا ثواب عليه بذاته كوجوب غيري ولا عقاب على تركه، ولا يكون عباديا كوجوب غيري.

فكيف كانت الطهارات الثلاث عبادية ويثاب عليها؟ والحال ان الامر بها كان امرا غيريا كمقدمة الصلاة؟ مثلا: توضئ لصلاة الظهر، الوضوء لا بد ان يكون عباديا وإلا لا يكون صحيحا، يجب ان يكون بنية التعبد، كما قالوا بداعي الامر او بدافع الطمع بالجنة او خوفا من النار إلى اخره. هذه الدوافع وهذه العبادية يشترط في الوضوء لصلاة الظهر ان يكون عباديا. فإذا كان مجرد غسل الوجه و اليدين ومسح الرأس والرجلين من دون نية التعبد، أي اصبح مثل الطهارة الخبثية، فهذا معلوم البطلان، من اين اتت هذه العبادية؟

وهنا تشتت الآراء، وبعض الاجوبة من انه يندك الامران الوجوبي الغيري والنفسي الاستحبابي، بذاته كان هناك امر نفسي بالوضوءـ ثم ورد امر آخر غيري بان هذا بالوضوء فصار مقدمة وواجبا غيريا، فاندك الامران النفسي والغيري. هذه المقدمية لا تصنع عبادية، الذي يصنع العبادية هو الامر النفسي، لكن النفسي امر استحبابي. فإذن، كان هناك امر نفسي بالوضوء أي هو مستحب بذاته ثم تعلّق الامر الغيري بهذا المأمور به بالامر النفسي.

في الحقيقة ان الاشكال بالدقة نشأ من القول بان العبادية ناشئة من داعي الامر. والحال الامر الغيري لا ينشأ عبادية ولا ثوابا. وقلنا ان دور الامر هو الاعتراف بالعبادة وطلبها، ولا دخل له في مفهومها. إذا قلت لك بر والديك هذا لا يعني ان بر الوالدين اصبح عبادة، كما لو قلت لك " اوفوا بالعقود " هل صار الوفاء بالعقد عبادة؟ ليس مجرد تعلق الامر به صار منشأ للعبادة. الصحيح انه كان عبادة في مرحلة سابقة على تعلق الامر، ثم تعلق الامر به كعبادة. العبادية نشأت في مرحلة سابقة.

ما الفرق بين الطهارة الخبثية والطهارة الحدثية؟ لقد تعلق الامر بالطهارة الخبثية وتعلق الامر بالطهارة الحدثيةومع ذلك بقيت الطهارة الخبثية توصلية وان قصدت القربة بها، وان حصل الثواب عليها، وكلها مع ذلك تبقى توصلية، اما الطهارة الحدثية فلا تقع ولا تصح إلا بكونها عبادة. إذن ان العبادية في الطهارات الثلاث هي في مرحلة سابقة على تعلق الامر، مثلها مثل الطهارة الخبثية تماما. لقد اعتبر الشارع الماء مطهرا قبل الامر بالصلاة وقبل الامر بالطهارة لما قال ان الماء مطهر، وبعدها قال انه يجب ان يكون الثوب طاهرا شرطا في صحة الصلاة، مع العلم ان الحكم بالتطهير مرحلة سابقة وليس له علاقة بالامر بالوضوء أو الامر بالصلاة. كذلك تكون كيفية تطهر الطهارة الحدثية بالماء أو بالتيمم عبادة، نعم الجعل العبادي نشأ قبل الامر بالصلاة وقبل الامر بالوضوء.

والصحيح في الجواب: أن عبادية الفعل – على التحقيق – لا علاقة لها بداعي الامر ولا بالخوف من النار، ولا بالطمع في الجنة، ولا بقصد التقرب، ولا بغيرها، بل هذه الامور دواع ودوافع للفعل، ولا فرق بين العبادة والمعاملة في جعلهما مقدمة لشيء اعتبارا. فتكون مقدمة الصلاة هو الوضوء العبادي وبذلك لا تكون العبادية ناشئة من الامر الغيري كي يرد الاشكال، بل ناشئة من اعتبارها عبادة في مرحلة سابقة على الامر الغيري بها.

وهكذا نفسر الثواب عليها، فان الثواب عليها ليس ناشئا من الامر الغيري بها، بل من اعتبارها عبادة في مرحلة سابقة على الامر بها.

ومع هذا البيان لا داعي لتمحل الاندكاك بين الامرين الغيري والعبادي، خصوصا اننا لا نقول بوجود الامر الغيري.

وانا برأيي ليس هناك وجوب غيري اصلا، أي ليس هناك وجوب للمقدمة اصلا إلا الوجوب العقلي، ويكون وجوبا عقليا وليس وجوبا شرعيا، واللابدية العقلية لا تعني وجود جعل شرعي.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo