< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

مقدمة الواجب:

النقطة الثالثة: الكلام في ثبوت جعل مستقل للوجوب. فنحن لا نقول بوجوب المقدمة الداخلية، لان الاجزاء والشروط وما يسمى بالمقدمة الداخلية ليست موردا للجعل الشرعي، لان جعل الوجوب للكل لا ينحل إلى جعل وجوبات لكل جزء، بل الجزء مطلوب ضمن الكل. فلا نستطيع ان نقول هل يجب الجزء أو الشرط كجزء أو شرط؟ إذ ليس للجزء كجزء جعل خاص به، نعم هو مشمول للكل. وقلنا ان له ثمرات، ولعلّ أهم ثمرة فيها هي في مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين، التي سنستفيد من عدم وجود وجوب للمقدمة الداخلية حتى نذهب للاحتياط بخلاف من ذهب إلى البراءة باعتبار الشك في التكليف، إذ لا جعل ولا تكليف بالجزء كجزء، فلا تجري البراءة.

النقطة الرابعة: لا مانع في الاعتبارات من تأخر الشرط عن المشروط [1] ، فلا يتحقق الاثر من المشروط إلا بعد تحقق شرط ما بعد حصوله، ولذا فلا مانع عقلا من اشتراط صحة عقد الفضولي بالإجازة على الكشف. [2]

فيشمل الكلام المقدمة المتقدمة والمتأخرة والمقارنة.

النقطة الخامسة: في تقسيمات الواجب، الواجب المطلق والواجب المشروط، الواجب المعلّق والواجب المنجز:

المطلق هو الذي لا يشترط في وجوبه شيء والمشروط بخلافه، فالشرط شرط للتكليف، ) ولله على الناس حِج البيت من استطاع اليه سبيلا ( [3] هذا شرط في وجوب الحج، " وإذا زالت الشمس فصلّ " الزوال شرط في الوجوب لا في الصلاة. وقبل ان نأتي للأشكال فلو قلنا وجوب مشروط كان احسن واوضح وان كانت قد تؤدي إلى واجب مشروط، مثلا: الصلاة قبل الظهر باطلة، لكن إذا اردنا الدقة في التعبير فلنعبر هكذا: الوجوب المشروط والوجوب المطلق لان الشرط في التكليف وليس شرطا في الصلاة والفعل.

وقد يشكل على تحقق الواجب المطلق في الشريعة، إذ لا اقلّ من الشروط العامة كالبلوغ والعقل.

فالاحرى أن يقال إن الاطلاق والاشتراط أمر نسبي بالنسبة لكل شيء فمثلا يقال: صلاة الظهر واجب مطلق بالنسبة للوجود في الوطن، وواجب مشروط بالنسبة لزوال الشمس.

فرع: هل يمكن تقييد الهيأة الدالة على الوجود، فيكون إذا زالت الشمس في قولنا: إذا زالت الشمس فصل شرطا لوجوب الصلاة وقيدا للهيأة؟ أو انها قيد لمادة " صلّ " أي الصلاة.

لعلّ اصل الكلام انه هناك مشكلة في الاصول ما تسمى بالمقدمات المفوته، مثلا: عندي قليل من الماء للوضوء هل استطيع ان اهرق الماء قبل الزوال؟ بناء على ان مقدمة الواجب واجبة بسبب ترشح وجوبها من وجوب ذي المقدمة كما في صلاة الظهر التي هي ليست واجبة قبل الزوال فلماذا تكون الطهارة الحدثية واجبة. وإذا لم تكن واجبة فلماذا لا يجوز لي اهراق الماء؟. هذا الاشكال استدعى حلولا منهم.

تخريج صاحب الفصول بتقسيمه الواجب إلى معلّق ومنجز: صاحب الفصول ذهب إلى الحل بالمعلّق والمنجز، وذهب الشيخ الانصاري (ره) إلى رجوع القيد للمادة دون الهيأة. مثلا: " إذا زالت الشمس فصل " الصلاة وجوب مطلق موجود قبل الزوال، وبالنسبة للمكلف موجود، نعم امتثاله يكون عند الزوال. فصار الزوال شرطا للواجب، أي لا تصح الصلاة إلا بعد الزوال، فاصبح الزوال شرط صحة ووجود للصلاة وليس شرطا وجوبيا. الصلاة قبل الزوال واجبة، امتثالها بعد الزوال، إذا كان كذلك يعني ان الوضوء واجب، فإذا كان الوضوء واجبا إذن لا يجوز اهراق الماء.

تخريج الشيخ الانصاري بارجاعه القيد للمادة:

فبناء على رجوع القيد للهيأة صار الزوال شرط وجوب، والمفروض حينئذ قبله لا وجوب للصلاة إذن لا وجوب للوضوء إذن لا يحرم اهراق الماء. اما بناء على رجوع القيد للمادة أي لصحة الصلاة للواجب نفسه، فصار الوجوب مطلقا إذن هناك وجوب للوضوء، إذن لا يجوز اهراق الماء.

دليل الشيخ الاعظم وجوابه: عود للشيخ الانصاري (ره) الذي ذهب إلى رجوع القيد للمادة دون الهيأة، وذلك بدليلين:

احدهما: أن الهيأة معنى حرفي وهو ما نذهب اليه نحن ايضا، والمعنى الحرفي جزئي والجزئي لا يقيّد.

وجوابه: أن الجزئي يقيّد بحسب الاحوال والازمان والجزئي له احوال وازمان، نعم الجزئي لا يخصص لان التخصيص إخراج من الافراد، والجزئي لا افراد له. [4] والقيد هنا للازمان وليس إخراجا للافراد.

والثاني: رجوع المصلحة إلى فعل الصلاة، وهذا دليل لبي. والاحكام تابعة للمصالح والمفاسد.

وجوابه: إن المصلحة ترجع إلى الحكم بناء على القول بتبعية الاحكام لنفس الجعل، وحينئذ لا إشكال. واما بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، فايضا لا يتم الاشكال، إذ لا مانع من كون المصلحة معلقة على زمن ما فلا يتحقق الوجوب إلا بعد تحقق الزمن.

والمشهور المنصور هو رجوع القيد إلى الهيأة، إذ هو ظاهر اللغة من جهة، ولا مانع منه من جهة اخرى. [5]

 


[1] هناك كلام ما يسمى الشرط المقارن والشرط المتأخر، كيف يكون الشرط متأخرا إذ لا بد ان يكون مقارنا، وهل يمكن ان يكون الشرط متقدما ؟.
[2] وكمثال ايضا : صوم المستحاضة المشروط بالغسل الليلي المتأخر، او عقد الفضولي بناء على تصحيح عقد الفضولي، ونحن ذهبنا إلى صحته بشرط ان يكون هناك نوع من العلقة التي يعتبرها العرف. إذن عقد الفضولي صحيح لكن يحتاج إلى اجازة صاحب الملك، هذه الاجازة وقع الكلام في كيفية تصحيحها للعقد. وبعبارة أدق: في كيفية تأثير العقد معها. فقالوا انها صحيحة على الكشف وليس على النقل. وبناء على صحته تتوقف آثاره على الاجازة، هذه الاجازة هل هي نقلية او كاشفة، ذهبنا إلى انها كاشفة يعني العرف هكذا العقد عرفي. وهذا وجود مشروط قبل شرطه، المشروط هو اثر العقد الفضولي وشرطه هو الاجازة المتأخرة فكيف وقع ذلك؟! وهل يصح ان يقع الشرط متأخرا؟ قلنا انه في المسائل الاعتبارية لا مانع من ذلك سواء كانت شرعية أو غير شرعية.
[4] نقول ان التخصيص اخراج بعض الافراد من حكم العام، اما التقييد فهو تقييد لنفس المفهوم الذي هو موضوع الحكم، وهذا فرق شاسع بينهما. فرق بين الاستثناء كما لو قلت " اكرم العلماء إلا الفساق " هنا خروج بعض الافراد من حكم العام بعنوان الفاسق، بينما النعت هو تقييد " اكرم العالم العادل، أو العالم الفاسق ". القيود تختلف عن بعضها البعض، الاستثناء يختلف عن قيد النعت ويختلف عن قيد الغاية، ولذلك هناك شيء لها مفهوم وقيود ليس لها مفهوم كاللقب وغيره. نقول ان " زيد " جزئي فرد واحد، ليس له افراد حتى استثني منه، لكن له احوال وازمان. زيد هو مطلق من جهة، وجزئي من جهة. يمكن ان يقال: " اكرم زيدا ماشيا " اكون قد فيّدت احوال زيد. لذلك لا مانع من التقييد.
[5] بالنسبة للشيخ الانصاري (ره) من يعرفه جيدا يرى ان هناك نمطا ومنحى في تفكيره ولعلّها مشكلة في منهجه، وهو التالي: مسألة إذا كان هناك اشكال عليها هذا الاشكال دليل على نقيضها وليس فقط دليل على بطلانها. مثلا إذا دار الجواب بين ضدين وكان الاشكال على واحد يكون هذا الاشكال دليلا على الاخذ بالاخر. مثلا هذه المسألة هنا، القيد إما أن يرجع للمادة أو للهيأة، فإذا اشكل على رجوع القيد إلى الهيأة هذا الاشكال يدفعه إلى القول برجوع القيد إلى المادة، مع ان ظاهر اللغة العربية رجوع القيد إلى الهيأة. ومثال آخر: في كيفية الاخذ بالامارات هل هي على نحو الطريقية، أم على نحو السببية، أم على نحو المصلحة السلوكية؟. ظاهر الامارات الطريقية، طريق إلى الواقع. عند الشيخ الانصاري اشكالات على الامارة وعلى السببية فإذن رجع الى المصلحة السلوكية. والذي اراه ان عند الشيخ الانصاري الدافع الاساسي للقول بالمصلحة السلوكية هو الاشكالات على الامارة وعلى السببية، لولا هذه الاشكالات ما ذهب إلى المصلحة السلوكية ولم يفكر بها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo