< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     ذكر تقسيمات صاحب الكفاية.

     انقلاب المسألة عنده إلى تزاحم فيقدم الأهم.

     عند عدم وجود الاهم وتساوي المصلحتين: الفعل والترك يتخيّر. وهذه النقطة سيشكل عليها الشيخ النائيني.

     القسم الاول على قسمين.

     القسم الثاني يرد فيه ما ورد في الاول مع زيادة وجود مزية أو نقيصة في التشخص.

     الصلاة التي لها بدل على ثلاثة أصناف: إما ان يكون لها مزية كالصلاة في المسجد، وإما ان لها نقسصة كالصلاة في الحمام، وإما لا مزية لها ولا نقيصة كالصلاة في الدار.

نكمل كلام صاحب الكفاية (ره) لأهمية ما فيه: ذكر صاحب الكفاية ان العبادات المكروهة على ثلاثة اقسام: قسم له بدل، وقسم ليس له بدل، وقسم يجتمع الامر والنهي بعنوانين، قال:

أما القسم الأول: فالنهي تنزيها [1] عنه بعد الاجماع على أنه يقع صحيحا، ومع ذلك يكون تركه أرجح، كما يظهر من مداومة الأئمة عليهم السلام على الترك، إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض، وإن كان مصلحة الترك أكثر [2] ، فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين [3] ، وإلا فيتعين الأهم وإن كان الآخر يقع صحيحا [4] ، حيث إنه كان راجحا وموافقا للغرض، كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات [5] ، وأرجحية الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا، كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته [6] ، ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع [7] ، فإن الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به، بخلاف المقام، فإنه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض، كما إذا لم يكن تركه راجحا [8] بلا حدوث حزازة فيه أصلا.

وإما لاجل ملازمة الترك لعنوان كذلك [9] ، من دون انطباقه عليه، فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت، إلا في أن الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي، بل بالعرض والمجاز، فإنما يكون في الحقيقة متعلقا بما يلازمه من العنوان، بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة، كما في سائر المكروهات من غير فرق، إلا أن منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل، وفيه رجحان في الترك، من دون حزازة في الفعل أصلا، غاية الامر كون الترك أرجح.

نعم يمكن أن يحمل النهي - في كلا القسمين - على الارشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل، أو ملازم لما هو الأرجح وأكثر ثوابا لذلك، وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة، لا بالعرض والمجاز، فلا تغفل.

وأما القسم الثاني [10] : فالنهي فيه يمكن أن يكون لاجل ما ذكر في القسم الأول [11] ، طابق النعل بالنعل، كما يمكن أن يكون بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها، لاجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها [12] ، كما في الصلاة في الحمام، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فيه، لا يناسب كونها معراجا، وإن لم يكن نفس الكون في الحمام بمكروه ولا حزازة فيه أصلا، بل كان راجحا [13] ، كما لا يخفى.

وربما يحصل لها لاجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة [14] ، وذلك لان الطبيعة المأمور بها في حد نفسها، إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملاءمة، ولا عدم الملاءمة لها مقدار من المصلحة والمزية، كالصلاة في الدار مثلا، وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بماله شدة الملاءمة، وتنقص فيما إذا لم تكن له ملاءمة، ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى، ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد، ويكون أكثر ثوابا منه، وليكن هذا مراد من قال: إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا [15] ، ........ [16]

 


[1] المراد منه أي الكراهتي وليس النهي الارشادي.
[2] أي صار هناك مصلحتان وليس مصلحة واحدة، مصلحة الفعل ومصلحة الترك. هذه النقطة التي سيكون مدار تعليق الشيخ النائيني (ره) على صاحب الكفاية (ره).
[3] بالنتيجة هو (ره) نقل التزاحم بين المصلحتين إلى تزاحم في الامتثال.
[4] وذكر في كيفية تصحيحه انه ذهب الشيخ الكركي (ره) إلى الترتب، ورفض صاحب الكفاية (ره) الترتب، ونحن ايدناه، ولكن مع ذلك صاحب الكفاية صحح العمل بالمهم عن طريق الملاك، لان الترتب يوجد امرا فعليا بالمهم، ومنع الترتب لا يوجد امر فعلي به فذهب إلى الملاك لان المصلحة موجودة فالمصلحة تصححه.
[5] قد يقال هنا: ان المصلحة بالترك ترفع مصلحة الفعل كليا. فعندما تقدّم مصلحة الترك تنتفي مصلحة الفعل. نقول: لا، مصلحة الترك لا ترفع مصلحة الفعل بل تبقى مصلحة الفعل، مثلا: صوم عاشوراء، الصوم إذا كان فيه صحة للبدن تبقى الصحة للبدن او النفس، مصالح الصوم تبقى، نعم لو تركه لكانت المصلحة اقوى.
[6] وهذا يعني انه لو كان هناك مفسدة غالبة على مصلحته في عالم الجعل مثلا: " يسألونك عن الحمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس " بالكسر والانكسار تظهر ان المفسدة اهم. المفسدة تمنع المصلحة وهذا في عالم الجعل، اما في عالم الامتثال فلا، تبقى المصلحة فعلية.
[7] أي على القول بامتناع اجتماع الامر والنهي يكون هناك حكم واحد فعلي ومصلحة واحدة كاسرة على طبقها يقع الحكم. اما على معنى الجواز يكون هناك حكمان وليس حكما واحدا.
[8] تبقى المصلحة مصلحة، صوم عاشوراء أو الصلاة في الحمام، الصوم فيه مصلحة وتبقى مصلحته، كل ما في الامر ان الترك مصلحته ارجح، أي اصبح باب التزاحم بين الفعل والترك.
[9] الترك فيه مصلحة لاحد امرين: إما لانطباق عنوان عليه فيه مصلحة، أو لانطباق عنوان ملازم له هذا الملازم فيه مصلحة. يقول (ره): ان الفرق بين الاثنين، هو في كون النهي حقيقيا أو مجازيا. فعلى الصنف الاول وهو ما فيه عنوان ينطبق على العدم يكون النهي حقيقيا، وإن كان من الصنف الثاني فالنهي يكون مجازيا.
[10] أي ما له بدل.
[11] ان يكون هناك مصلحة في الترك وعبّر عنها بالنهي بدل ان يقول: " اترك الصوم في يوم عاشوراء " قال: " لا تصم " بلسان النهي، ولكن والمصلحة في ترك الصوم وليس هناك مفسدة.
[12] مثلا: إذا صليت في الحمام يحصل منقصة، وايضا يمكن ان تكون هناك مزيّة لو صليت في المسجد. الفرق بين القسم الثاني والقسم الاول ان الاول ليس له بدل، والثاني له ابدال، وحينئذ يكون للمتشخص أثر فالصلاة كما تكون في الحمام يمكن ان تكون في المسجد ويمكن ان تكون في البيت. باعتبار ان لها بدل تارة يكون له مزيّة كالصلاة في المسجد، وتارة يكون فيها منقصة، وتارة لا منقصة ولا مفسدة. هذا الفرق بين ما له بدل وما ليس له بدل.
[13] وبهذا يختلف عن القسم الثالث " الصلاة في مواقع التهمة " نفس الكون في مواقع التهمة مكروه، بينما الكون في الحمام لا فيه مصلحة ولا مفسدة.
[14] وبهذا تفسر الروايات مثلا: " الصلاة عند علي أمير المؤمنين بمائة الف " و " الصلاة في المسجد الحرام بالف الف "، " الصلاة في المسجد الجامع باثني عشرة الفا " " الصلاة بمسجد السوق بمئة " " الصلاة في البيت بواحدة ". واحيان تأتي الروايات متعارضة بنفس الشيء.
[15] الكراهة في العبادة ما معناها؟ فسرها بعضهم بانها اقلية الثواب، وليس معناها أن فيه مفسدة بالمعنى الاصطلاحي. النهي ليس هو المفسدة التي يكون عنها النهي، فليس هذا هو المراد، بل المراد ليس فيه مصلحة اكثر، بل مصلحته أقل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo