< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     أدلة الجواز التي ذكرها صاحب الكفاية يجمعها أن خير دليل على الامكان هو الوقوع.

     الوقوع شرعا والوقوع عرفا.

     الوقوع شرعا كالعبادات المكروهة حيث اجتمع الامر والنهي في واحد.

     الجواب الاجمالي لصاحب الكفاية انه لا بد من التأويل، ومع العجز يكون من قبيل الشبهة مقابل البديهة.

     الجواب الثاني التفصيلي، وملخصه تعدد المتعلق وتزاحم المصلحتين: مصلحة الفعل ومصلحة الترك.

كان الكلام في العبادات المكروهة التي استدل بها على جواز اجتماع الامر والنهي، قالوا ان افضل دليل على الامكان هو الوقوع، لقد وقع اجتماع الامر والنهي في واحد وهو العبادات المكروهة. ومسألة العبادات المكروهة من المسائل الشائكة التي اخذت من الاصوليين حيزا من دراساتهم باعتبار ان العبادة يشترط فيها ان تكون محبوبة وبقصد التقرب، وبداعي الامر، فكيف تكون مكروهة؟! وكيف يكون منهي عنها؟! كيف يكون امر ابغضه وآمر به؟! كأنه اجتمع الحب والبغض في آن واحد. ولذلك اخذت مساحة في تفسيرها كيف تكون عبادة ومكروهة؟

يذكر صاحب الكفاية (ره) وجهان ذكرهما بعض الاصوليين للاستدلال على جواز اجتماع الامر والنهي ويجيب عنها. أحدهما وقوعه شرعا والآخر وقوعه عرفا وعقلائيا.

الواقع شرعا: كالعبادات المكروهة والمنهي عنها، كالصلاة في موضع التهمة، وفي الحمام، والصوم في السفر، وصيام عاشوراء. وهذه العبادات تقع صحيحة وهي بنفسها ورد النهي عنها، وخير دليل على الجواز هو الوقوع. وإذا وقعت صحيحة مجرد وقوعها صحيحة يكون فيها ثواب ومحبوبية، كيف نتصور النهي عنها؟ وقد ورد النهي عنها.

ولما كان صاحب الكفاية يقول بالامتناع وذلك لانه لا يمكن اجتماع ضدين والاحكام الخمسة متضادة،، او محبوبية ومبغوضية أو غير ذلك لا بد له من تخريج هذه المسائل وخرجها بطريقة سنلخصها لتكون واضحة وقد اجاب بجوابين: جواب اجمالي وجواب تفصيلي.

الجواب الاجمالي: اما الاجمالي: فأولا لا بد من التصرف والتأويل بعد اثبات الامتناع عقلا. مثلا: ) يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ( [1] ) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ( [2] ) وَجَاءَ رَبُّكَ ( [3] ، ولما دل الدليل العقلي على عدم التجسيم فلا بد من تأويل. وهنا أيضا كذلك ثبت عندنا امتناع اجتماع الامر والنهي في واحد عقلا، وتمّ ايضا صحة العبادات فلا بد من تأويل.

شبهة مقابل بديهة: وثانيا: لو كان متعلق الامر والنهي واحدا كما هو ظاهر التعبيرات: " لا تصلّ في موضع التهمة "، حيث الصلاة في موضع التهمة صحيحة فيدل على الامر بها، وبنفسها تعلّق النهي بها، فيكون الامر والنهي قد اجتمعا في واحد حقيقة، فلو تعلّق الامر والنهي بمتعلّق واحد كما يستدل من ذهب إلى الجواز بهذه العبادات المكروهة لكان من مصاديق الكبرى المحال: اجتماع الامر والنهي في واحد محال. إذن هذه الموارد والامثلة خارجة عن محل الكلام. بتعبير آخر: حتى لو لم نستطيع ان نجيب فهذه تكون " شبهة مقابل بديهة " بعد ثبوت الامتناع عقلا، من قبيل ) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ( [4] فلو فرضنا أني لم استطع ان آتي بتخريج، فهذه تكون شبهة مقابل بديهة، وجدانا الرب ليس له وجه، ولا يتجسم إذن لا بد من توجيه، فلو فرضنا انني لم استطع الاجابة على اشكالكم أو توجيهه فهذا لا يتم لانه شبهة مقابل بديهة.

الجواب التفصيلي: فهو مبتن على تفسير العبادات المكروهة والتي ورد النهي عنها، وهي من المسائل الشائكة، إذ كيف نتصور ان يأمر الله بشيء يبغضه، إذ الامر لا يكون إلا بعد المحبوبية فتجتمع المحبوبية والمبغوضية في شيء واحد؟! [5] وهذه كبرى محل اتفاق عند الجميع، وهي عقلا محال، خصوصا إذا أخذ قصد القربة في صحة العبادة بل في جوهرها.

تعدد المتعلّق: يمكن تلخيص ما ذكره صاحب الكفاية بكلمة مختصرة وهي تعدد متعلق الحب والبغض، وبالتالي يكون الامر والنهي في عرض واحد، فتتزاحم الملاكات، ويكون من قبيل التزاحم. ففي مثال صوم عاشوراء يكون نفس الصوم مأمورا به ومنهيا عنه. أما تعدد المتعلّق فيقول الاخوند (ره) ان النهي هو في الحقية تعبير عن وجوب الترك، فصار عندي مصلحتان، فانقلب الامر إلى تزاحم مصلحتين. مصلحة في الفعل وهي الصوم، ومصلحة في ترك صوم عاشوراء، وإما لاستلزام انطباق عنوان آخر فيه مصلحة من قبيل خلاف بني اميّة.

وتصوير تزاحم الملاكات باختصار: بعد ثبوت الامر بالصوم او الصلاة يرد نهي وهذا النهي على نحوين: إما لبيان مصلحة في الترك فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض، ولكون مصلحة الترك أكبر لا يعني أن مصلحة الفعل قد انعدمت، بل هي باقية، ففي مثال صوم عاشوراء تتزاحم مصلحتان:

الاولى: مصلحة الصوم.

والثانية: مصلحة تركه الصوم في ذلك اليوم.

فيقدّم الاهم وهو ترك الصوم، ويبيّن ذلك بلسان النهي عن الفعل.

وعليه تكون المسألة من باب تزاحم الملاكين كتزاحم الواجبين أو المستحبين، فيحكم بالتعيين، وعند عدم وجود الاهم يحكم بالتخيير.

وإما لملازمة الترك لعنوان مطلوب ومحبوب وأهم بنظر الشارع، وذي مصلحة اقوى، فيقدّم ترك صوم عاشوراء ففي مثالنا يكون لدينا مصلحتان:

الاولى: مصلحة الصوم.

الثانية: مصلحة في عنوان ملازم لمصلحة ترك الصوم، وهو مخالفة بني امية الذين وضعوا روايات واحاديث في فضل يوم عاشوراء وجعلوه عيدا لنصرهم المزعوم بقتل الحسين بن علي (ع) ، فيكون في ترك الصوم مخالفة لهم والمصلحة في ذلك ارجح من مصلحة الصوم. ويكون التعبير بالنهي عن صوم عاشوراء مجازا وبالعرض.

واصبح التزاحم بين الملاكات كما ذكر في الترتب.

تزاحم الضدين: من باب التذكير نذكر بالتزاحم بين الاضداد، إذا كان هناك ضدان يتزاحمان قالوا انه لا يمكن اجتماع ضدين في آن واحد. من قبيل: انقاذ الغريق وصلاة العصر قبل اربعة دقائق من الغروب، ماذا نصنع؟ هناك مصلحتان تزاحمتا انقاذ الغريق والصلاة فيقدم الاهم، وهل يصح المهم؟ أي لو صليت ولم انقذ الغريق فهل تقع الصلاة صحيحة؟ ولذلك لما ربطوا صحة العبادة بوجود امر انتقل الكلام إلى مسألة وهي عندما يتزاحم الاهم والمهم هل هناك امر بالمهم أو لا؟ قالوا: لا يمكن ان يجتمع الاهم والمهم في آن واحد لعدم امكان الامتثال. صاحب الكفاية (ره) اصر على ذلك لا يمكن ان يجتمع اهم ومهم في آن واحد إلا ان الشيخ الكركي ومن قبله اسسوا لشيء وهو الترتب. الترتب ما معناه؟ معناه انه إذا عصيت الامر بالاهم ترتب عليه الامر بالمهم تاما، ومع تمامية الامر بالصلاة، كانت الصلاة صحيحة. لكن صاحب الكفاية يصر على بطلان الترتب - والحق معه ونحن ايدناه وقلنا ان الترتب غير سليم -. ولذلك صاحب الكفاية عندما رفض الترتب يعني انه اصبحت الصلاة باطلة لعدم وجود امر بها، وذهب لتصحيح الصلاة إلى الملاك، قال: وان لم يكن الامر بالصلاة لكن الملاك والمصلحة موجودة، بمجرد وجود الملاك والمصلحة يعني الصلاة صحيحة لان الصحة تابعة للملاك وليست تابعة لفعلية الامر.

ملخص نظرية صاحب الكفاية (ره) في العبادات المكروهة: هذا ما ذهب اليه في اجتماع الضدين. اما في العبادات المكروهة صور المسألة انه تزاحم مصلحتين. ملخص ما ذكره انه قال: متعلق الامر والنهي ليسا أمرا واحدا بل أمران مثلا: " صوم عاشوراء " الامر في مصلحة الصوم وهناك مصلحة في ترك الصوم، أي ان الصوم وتركه امران وليس أمرا واحدا فتتزاحم المصلحتان، فإذا تزاحمتا يقدم الاهم ملاكا. بعبارة اخرى: صارت المسألة تعبيرية، بدل ان يعبّر بصيغة الأمر بالقول " اترك الصلاة " عبّر بصيغة النهي فقال: " لا تصل "، بدل صيغة الامر اتي بصيغة النهي. لكن كيف؟ غدا ان شاء الله نبيّنه.


[5] طبعا هذا على الرأي المعروف المتداول، أما على رأي السيد الاستاذ فيختلف الامر وسنبيّن هذا عند الكلام على دلالة النهي عن العبادة على الفساد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo