< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     المراد من الواحد هو الواحد مصداقا.

     الطبيعة لا وجود لها في الخارج؟

     الطبائع هي متعلق الامر.

     فرق بين مقام التعلق ومقام الامتثال.

النقطة الثالثة: ما هو المراد من الواحد في قولنا " اجتماع الامر والنهي في واحد ".

نقول باختصار مفيد: ان الواحد معناه الواحد مصداقا، يعني أن يتصادقا على شيء معنون واحد، شيء واحد هو مصداق للعنوان المأمور به ومصداق للعنوان المنهي عنه. لكن في مقام التفصيل يجب اتحاد المصداق وحينئذ لو فرضنا ان مفهوما واحدا تعلق الامر بحصة من مصاديقه وتعلق النهي بحصة اخرى، خرج هذا عن محل الكلام، مثلا: السجود مفهوم السجود: السجود لله واجب، السجود للصنم حرام، العنوانان اجتمعا في عنوان السجود، لكن في الحقيقة مع التأمل هما لم يجتمعا المأمور به حصّة والمنهي عنه حصة اخرى، لا يوجد سجود واحد هو لله وهو للصنم. زلذا يخرج هذا المثال عن محل الكلام. وتارة أخرى يكون نفس السجود مجمعا لهما والكلام في هذه الحالة، من قبيل السجود للصلاة في أرض مغصوبة، نفس السجود هو صلاة وهو نفسه حركة غصب، فهو منهي عنه لانه غصب ومأمور به لانه لله. فإذن المراد من الواحد هو الواحد مجمعا، الواحد مصداقا سواء كان واحدا شخصيا أو نوعيا او جنسيا أو صنفيا.

الواحد الذي يحتمل تصوره في مسألتنا أحد معنيين:

الاول: الفرد مقابل الكلي، أي المصداق، الذي يشمل الكلي والجزئي أي قد يكون جزئيا، وقد يكون كليا، إلا أن كل فرد هو مصداق لكلي فوقه، وهذا الكلي هو المجمع، فلو قلنا " أكرم العالم " و " لا تكرم الفاسق " واجتمعا في زيد، فإن زيدا مجمع للعنوانين وهو فرد لكلي " العالم الفاسق " وحينئذ ننقل البحث إلى الكلي، وبالتالي فان المجمع أصبح كليا. وبهذا قد يقال بانحصار البحث في الكليات.

وهنا نلفت النظر إلى مسألة سبق ان أشرنا إليها وهي: ان الطبيعة هل هي موجودة في الخارج او لا؟ وعبّروا عنها في المنطق بما يلي: هل الطبيعة موجودة في الخارج بوجود افرادها أو بمعنى وجود افرادها؟ السيد الخوئي (ره) وكثير من الفلاسفة ذهبوا إلى ان الكلي موجود في الخارج وذلك وجدانا ولا يحتاج إلى دليل. لكن نحن قلنا ان الكلي غير موجود في الخارج، الطبيعة غير موجودة في الخارج، فهي مسألة انتزاعية محضة. ونذكر بمسألة مرّت معنا وهي أن الطبائع هي متعلق الاحكام وليس الافراد، زيد لا يمكن ان يكون متعلقا للحكم. وسنرى ان العالم الفاسق ليس له حكم من الحكمين، بل يحتاج إلى جعل آخر.

المعنى الثاني: هو العدد الواحد مقابل المتعدد، إذ المصداق قد يكون مؤلفا من جزأين على نحو الانضمام والاجتماع الموردي لا على نحو الاتحاد خصوصا اننا سنرى أن اكثر القائلين بجواز الاجتماع قالوا إنه من باب الاجتماع الموردي والقائلين بالامتناع قالوا بانه اتحاد حقيقي بين المصداقين وبهذا امتنع.

النتيجة: إن المراد من الواحد هو مقابل المتعدد كي يمتنع الاجتماع ويكون صغرى للكبرى العقلية: اجتماع الامر والنهي في واحد محال. للوهلة الاولى نجد هذا الواحد يشمل كل ما يصدق عليه الواحد سواء كان شخصيا خارجيا، أم كليا صنفا أم جنسا أم نوعا. وهذا ما ذهبنا إليه. إلا ان ملاحظة كلماتهم في معالجة المسألة والاستدلال عليها لا يشير إلى ذلك، بل تشير إلى الواحد الكلي دون غيره، فان زيدا الذي هو مجمع " العالم " و " الفاسق " هو فرد لكلي وهو " العالم الفاسق " كما ذكرنا.

الفات: زيد وكل فرد خارجي لا يمكن أن يكون متعلقا للحكم، لان الحكم يتعلق بالطبيعة، الافراد ليست هي متعلقات الحكم. والطبيعة منتزعة من الفرد، زيد وكل فرد خارجي لا يمكن ان يكون متعلقا للحكم بناء على تعلق الاحكام بالطبائع، والطبيعة غير موجودة في الخارج.

الحكم متعلّق بالطبائع ولا يسري الحكم إلى الفرد، فإذا قلنا بعدم السريان لم يجتمعا في واحد، فقالوا بجواز الاجتماع، اما إذا سريا ينزل الحكم من الاعلى فيجتمعان في واحد، وهذا محال فلا بد من القول بالامتناع. وسنبيّن الفكرة لاحقا.

فرق بين مقام التعلّق ومقام الامتثال: ان زيدا وكل فرد خارجي لا يمكن ان يكون متعلقا بالحكم، متعلق الحكم هو الطبائع ولا ينزل الحكم إلى الفرد، الشارع يتصور الطبيعة ويحكم بها، نعم، في الامتثال احتاج إلى الفرد، وفرق شاسع بين مقام التعلق ومقام الامتثال.

إذن الطبيعة امر كلي، والكلي لا يوجد في الخارج لانه مفهوم انتزاعي من الافراد الخارجية، ولا معنى لوجود الكلي في الخارج، بل لا نتصوره، وإن ذهب بعض الاعاظم إلى جعله من البديهيات.

نعم الفرد الخارجي لا بد منه في الامتثال، أي لا يتحقق الامتثال إلا به.

الواحد هو الواحد مصداقا: إذن الواحد هو ما كان مصداقا لكلا العنوانين، أي يكون تعلق الامر والنهي بحصة واحدة من افراد الكلي لا حصتين. ومن هنا قال صاحب الكفاية وغيره بخروج مثل السجود عن محل النزاع، فالمأمور به هو السجود لله، والمنهي عنه هو السجود للصنم، هما حصتان من سجود لا يجتمع السجود لله وللصنم في واحد ابدا، أما السجود في الارض المغصوبة فهو سجود واحد اجتمع فيه امر ونهي. وقد مثل بعض الاساطين بالقتل والكذب في عدم تعلقهما إلا بحصتين من حصص كلي القتل، فانه لا يمكن أن يكون قتل واحد مأمورا به ومنهيا عنه في آن واحد. وكذلك الكذب وغيره إذ لا يمكن لحصة واحدة أن تكون مأمور بها ومنهيا عنها في آن واحد ولكن يمكن تصور ذلك، ففي مثل القتل لو فرضنا وجود عنوانين اجتمعا مع زيد، اي يجب قتله من جهة لانه مصداق للزاني المحصن مثلا، ويحرم قتله للحاجة إليه في انقاد مسلم.

وعلى كل حال لا مشكلة في المثال، المهم اجتماع عنوانين على واحد مصداقا، مهما كان جهة مصداقيته.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo