< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/05/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي

-تذكير بالوضع ومعناه والداعي إلى ابتكاره ومعنى استعمال اللفظ.

-تذكير بصيغة الامر ومعناها، وانها دفع اعتباري مقابل الدفع التكويني.

-ما ذكرناه في الأمر يجري في النهي للتقابل

-دلالة الامر والنهي على الاستمرار، أو التكرار، أو الاستمرار بعد العصيان تحتاج إلى دليل.

تذكير بالداعي للوضع ومعناه:

ذكرنا ان السيد الخوئي (ره) قال ان الطبيعة تكون إما مهملة او مأخوذة على نحو العموم المجموعي او على نحو العموم الاستغراقي، وذكرنا ثمرة هذا الكلام والعرفي منه ما هو، وان السيد (ره) ميّز بين صرف الطبيعة ومطلق الطبيعة وصرف الترك ومطلق الترك والفرق بينهما في عالم الثبوت وعالم الاثبات.

وحتى ننهي البحث نذكر المختار:

ذكرنا سابقا أن وضع الالفاظ لمعانيها أمر حادث ابتكره بنو البشر ليعبروا عن مرادتهم وكان الاصل في القضايا الحملية ان تكون خارجية واقعية وليست قضايا حملية لفظية، فإذا اردت ان اخبر عن زيد مثلا بشيء، المفروض ان آتي بنفس زيد وشخصه وأخبر عنه، فآتي بزيد وأقول: " قائم "، هذا هو الاصل. ولكن لما كان ذلك محالا أو عسيرا جدا غالبا فانني لا أستطيع أن آتي بزيد دائما ابتكر العقلاء طريقة وهي التعبير بالالفاظ للتسهيل وللتعبير، فبدل ان آتي بشخص زيد آتي بلفظ زيد للتعبير عما أريد فعمدت إلى عملية نسميها " بالوضع "، أي أضع لفظ " زيد " لهذا الشخص، بحيث أني عندما أطلق لفظ زيد يتبادر إلى ذهني هذا الشخص. [1]

هذه هي عملية الوضع، ثم بعد ذلك عرِّفها بما شئت، ومهما كانت النظرية سواء أكانت نظرية " التعهد " للسيد الخوئي (ره) أم " القرن الاكيد " للسيد محمد باقر الصدر أو غير ذلك مما ذكرناه في بحث الوضع.

معنى صيغة الامر: وهذا الداعي للوضع ينسحب إلى صيغة الامر وصيغة النهي، فان الاصل أن الشارع – أيا كان حكيما أو غير حكيم – إذا تصور المصلحة وصدّق بها دفع إليها المكلّف دفعا تكوينيا، وهذا هو الاصل، ولكن لما كان هذا الدفع محالا دائما أو عسيرا ابتكر صيغة له وقال للمكلف: " افعل " أي دفعه دفعا اعتباريا، فهذا الدفع الاعتباري هو الانشاء وهو الحكم، وهذا الحكم خفيف المؤونة، نعم إذا كان صادرا عن الحكيم لا بد أن يكون منشؤه مصلحة عقلائية وملاك يدعو الشارع الحكيم إلى الانشاء. اما إذا لم يكن صادرا عن الحكيم فيمكن ان يكون بلا اقتضاء وبلا مصلحة وبلا ملاك.

فالأمر ليس سوى هذا الانشاء، وبعد هذا الانشاء ينتزع العقل اشتغال ذمة المكلف بشيء. او على الاقل فقل ان هذا الجعل في الذمة هو نفسه الانشاء، او ان الجعل في الذمة منتزع من الانشاء. أما المصلحة فهي مقدمة لا بد منها وشرط في هذا الانشاء من قبل الحكيم وهي أمر آخر غير نفس الانشاء. كذلك لا بد للفعلية من داع يدعو المكلف لطلب التنفيذ، مع ان يكون هناك داع للتنفيذ امر آخر ولذلك فرقنا بين مرحلة الاقتضاء ومرحلة الفعلية ومرحلة الانشاء، وقلنا ان الانشاء هو نفس هذا الجعل وان الاقتضاء مجرد مقدمة لا بد منها عند الحكيم، والفعلية عبارة عن حالة من حالات الحكم المنشأ من الدواعي وعدم المانع مثل ان لا يكون هناك مزاحم، فللفعلية شروط، كل هذه حالات للحكم، اما الانشاء هو نفس هذا الاعتبار.

ولذلك بهذا البيان يظهر الخلل في نظرية السيد الخوئي (ره)، قال ان الامر مجعول من جزئن: الجزء الاول ان اجعل شيئا في ذمتك، والثاني ان ابرز هذا الشيء فصار الامر مجعولا من امرين.

فإن جعل شيء في ذمة المكلف امر انتزاعي متأخر رتبة عن الانشاء، أو على الاقل هو نفس الانشاء، وليس شيئا قبله، ولو فرضنا انه شيء قبل الانشاء وتمّ إبرازه بلفظ أو بغيره، فإن هذا لا يعني أبدا كونه جزءا من معنى الامر، بل يبقى مجرد مقدمة لا بد منها للأنشاء.

وبهذا يظهر ان معنى صيغة الامر هو الانشاء فقط، وليس أمر مركبا من جزأين.

فصيغة الامر موضوعة لهذا الانشاء، ثم إنه يتلون بحسب الدواعي فيكون لازما واجبا بالحمل الشايع الصناعي، ويكون مستحبا بذلك، ويكون تهديدا أو تسخيرا أو استهزاء أو غير ذلك مما ذكر.

صيغة النهي:

وهكذا صيغة النهي في المقابل تماما فبدل المنع الحقيقي الخارجي يأتي النهي ليمنع ولكن منعا اعتباريا لمفسدة تكون في المتعلّق، ثم إنه يتلون باختلاف الدواعي، فيكون حراما بالحمل الشايع الصناعي، أي مصداقا للحرمة، وهكذا عدم دلالة الامر والنهي على الدوام والاستمرار، وكذا المرّة والتكرار، ولا دلالة على الاستمرار في الامر والنهي لو عصى، فان كل ذلك يحتاج إلى دليل بعد عدم دلالة النهي والامر على ذلك.


[1] استطراد: من ثمار ان اسمي هذه العملية بالوضع وتبادر المعنى إلى الذهن بمجرد العلاقة والتلفظ به مسألة جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى والتي تتلخص بكلمتين: ان قلنا ان اللفظ فناء في المعنى ذهبنا إلى عدم جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى، وان قلنا ان اللفظ علامة على المعنى ذهبنا إلى جواز استعمل اللفظ في أكثر من معنى. وسبب ذهابنا إلى ان اللفظ فناء في المعنى، ان الاصل ان آتي بالشيء بما هو، أي ان آتي بزيد نفسه ثم اقول: " قائم "، فالقضية الحملية عبارة عن موضوع ومحمول، فالمفروض ان آتي بالموضوع بنفسه، لذلك إذا آتيت به بنفسه لا استطيع ان آتي به مرّة اخرى، لذلك نعبر عنها بالفناء. اما العلامة فلا مانع من تعدد معانيها، وليست فناء، بل إذا أتيت بها مرّة أستطيع في نفس الحال والزمان أن أقصد بها معنى آخر لأناس آخرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo