< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الواجب التخييري.

     إذا تعد الغرض فلا بد من أن يكون المتعلّق إما " احدهما لا بعينه " وإما " احدهما ولا يترك إلا إلى بدل ".

     عدم إمكان تعلق الطلب بمفهوم " احدهما لا بعينه " نقطتين: لا مفهوما ولا مصداقا.

     النقطة الثانية: التخيير بين الاقل والاكثر.

     محل الخلاف هو ان يكون متعلق الطلب هو الاقل بحدّه والاكثر بحدّه.

     إمكان ذلك في الشرع والعرف وامثلة على الشرع.

     المختار.

نكمل الكلام في معنى الواجب التخييري، وقلنا ان فيه نقطتان: الاولى في معناه، والثانية في امكانية ان يكون الواجب مرددا بين الاقل والاكثر.

اما النقطة الاولى ففيها وجهات نظر واقوال، وصاحب الكفاية (ره) قال: ان كان الملاك واحدا في الخصال التخييرية فهذا ينقلب إلى الواجب التخييري العقلي.

إذا كان الغرض متعددا: وان كان متعددا فهو تخيير شرعي، وفي التعدد يكون مطلوب مفهوم " احدهما لا بعينه "، ومثلا في افطار شهر رمضان مطلوب ثلاثة خصال إما الاطعام أو الصوم أو العتق، فاحدها هو الواجب، مفهوم " احدهما لا بعينه " هو المطلوب. يرفض صاحب الكفاية (ره) هذا الاحتمال ويقول: ان هذا غير متصور لا مفهوما ولا مصداقا. فلا يتم مصداقا لعدة امور:

منها كونه خلاف ظاهر كلمة " أو " الواردة في بيان الطلب، لانه عندما نقول " احدهما لا بعينه " يكون المطلوب شيء واحد وهو احد الخصال، وكلمة " أو " تشير إلى ان المطلوب متعدد وليس واحدا.

ومنها: إن تعدد الغرض يدل على تعدد المطلوب لان الطلب ناشئ من الغرض إذا كان الطالب حكيما.

ومنها: إن امتثاله مصداقا غير ممكن إذ لا وجود للمردد في الخارج ولا معنى للامر بشيء لا يمكن امتثاله.

هذا مصداقا، واما عدم تعلق الطلب بمفهوم " احدهما لا بعينه ".

فبالاضافة إلى هذه الثلاثة التي مرّت في المصداق إن هذا المفهوم ليس من العناوين ذات الحسن أو القبح، إلا أن يرجع إلى الملاك الجامع بينهما. وذكرنا ان الامر ينشأ من ملاك، فالمأمور به قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا، والمعتزلة ذهبت إلى ان الحسن ما حسنه العقل، والله عز وجل يأمر به لانه حسنه العقل بخلاف الاشاعرة.

أذن متعلّق الامر يجب ان يكون حسنا، إذا كان فيه مصلحة يأمر الله به، وإذا كان فيه مفسدة ينهى الله عنه.

إذن فكون مفهوم متعلق الواجب التخييري هو " احدهما لا بعينه "، هذا المفهوم مرفوض عند الآخوند لانه يمكن ان يكون حسنا ولا قبيحا؟ نفس المفهوم لا يتصف بالحسن والقبح.

قد يقال: إن المنتزع منه وهو الخصال تتصف بالحسن والقبح؟ فانه يقال: إن المنتزع هو المفهوم ومنشأ الانتزاع هو الخصال، وليس منشأ الانتزاع هو حسن الخصال، ولذا يمكن ان انتزع مفاهيم غير حسنة من خصال حسنة ومن ذلك مفهوم " احدهما " فهو بذاته لا حسن ولا قبيح، وان كان منشأ الانتزاع الاطعام والصوم والعتق وهي امور حسنة.

هذا هو الاشكال الرابع بالنسبة لمن قال بعدم امكان تصور ان يكون مفهوم احدهما لا بعينه هو متعلّق الطلب.

وتوضيحا: نطبق ما ذكره صاحب الكفاية (ره) على كفارة إفطار شهر رمضان العمدي على غير محرّم المخيرة بين الخصال الثلاث: عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.

إذن فان كان ملاك متعلق الافطار واحدا، والغرض واحد، فلا بد من جامع بين الخصال يكون هو المتعلق في الواقع مثل المزيل لأثر المعصية لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وبهذا ينقلب الامر من الوجوب التخييري الشرعي إلى الوجوب التخييري العقلي.

إذا كانت الاغراض مختلفة: وان كان ملاك كل منها والغرض من كل منها يختلف عن الآخر، كما لو قيل بأن الغرض من عتق الرقبة إزالة الفوارق الاجتماعية وإزالة الطبقية، والغرض من الصوم تربية النفس وتنزيهها وصحة البدن، والغرض من الاطعام سدّ حاجات الجياع وإدخال السرور عليهم، فإن هذه الحاجات مختلفة، ولا جامع بينهما، فلا بد حينئذ من الذهاب إلى كون متعلّق الامر واحدا من الخصال، - فإذا قلنا انه لا جامع بينها والملاك ليس واحدا وهناك ملاكات متعددة، فلا بد حينئذ أن يكون واحدة منها هي الواجبة ولا يجوز تركها إلا إلى بدل لان الملاك ليس واحدا وهذا يعني تعدد المأمور به، وإذا لم يكن هناك جامع بينها ولا يمكن تصوره.- اختلفت الاقوال في متعلّق الامر، ولنلاحظ ان صاحب الكفاية (ره) لم يجر قاعدة: الواحد لا يصدر إلا عن واحد وذلك لتعدد الغرض.

فان قلت: إن الخصال لها عدّة اغراض، ولا بد من جامع بين الاغراض يكون هو متعلّق الطلب، وبالتالي أجرينا قاعدة الواحد لا يصدر إلا عن واحد.

والجواب: صحيح، وهذا ما أشرنا إليه من اشتراط الجريان بالمباشر بلا واسطة دون العلل العالية، والتي قد يعبّر عنها بالواحد النوعي. ولذا لا مانع من تعلّق الطلب بالخصال الثلاث، وهذا ظاهر ما نراه في العرف، فيكون متعلّق الطلب مختلفا، وإن كان لا بد من اشتراك الخصال في غاية واحدة في نهاية تسلسل العلل، ولكن الاشتراك في متعلق الطلب شيء آخر.

لذلك سنصل إلى نتيجة ان الواجب التخييري واجب تخييري بين الخصال التي تختلف اغراضها وهي تنطلق من غرض واحد عال نوعي وينقلب إلى واجب تخييري عقلي في العالي اما في المباشر فلا جامع بين الاغراض الثلاثة هو متعلق المطلوب.

النتيجة: عند اتحاد الغرض فالجامع هو متعلّق الامر وينقلب إلى الوجوب التخييري.

وعند تعدد الاغراض فلا جامع في البين يكون هو متعلّق الطلب، فمفهوم " احدهما لا يعينه " مرفوض، و " الواحد بعينه من دون جواز تركه إلا إلى بدل " يحتاج إلى دليل.

وحينئذ نقول: إن الواجب التخييري موجود عند العرف والشرع، ومتعلّق الطلب متعدد. نعم الاغراض لا بد ان تجتمع في غرض واحد، لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وهذا لا يعني اتحاد المطلوب.

واما النقطة الثانية: وهي هل يمكن تصوّر التخيير بين الاقل والاكثر؟ وقد أشكل على المسألة بان الاقل إذا أتي به وحده فقد حصل الغرض، وإذا أتي بالأكثر فقد أتي بالأقل في ضمنه وحصل الغرض، فقد حصل الغرض على كل حال بالإتيان بالأقل، فلا معنى للتخيير. من قبيل إذا دار الامر بين تسبيحة أو ثلاثة تسبيحات، وبين ان يكون الواجب إما حصة واحدة فيتحقق الغرض أو ثلاثة خصال، وبين إذا دار الامر بين اطعام ستين مسكين واطعام عشرة مساكين.

فإذا كان الغرض واحدا مجرد انني حققت الاقل فقد تحقق الغرض، وإذا تحقق الغرض ما هو الداعي لفعل الاكثر؟!.

ولبيان المختار نقول:

إن الاقل والاكثر، تارة يكونان مطلوبين بحدّهما، وتارة لا يكونان كذلك، وهذا الثاني لا كلام فيه ولا معنى للتخيير بينهما.

واما الاول، بان يكون المطلوب هو الاقل بحدّه والاكثر كذلك، فان الإتيان بالأقل وزيادة لا يؤدي الغرض. وهذا امر ممكن عرفا وشرعا، اما في العرف فكير. ويمكن ان يكون مثالا على ذلك: التخيير بين القصر بحدّه والتمام بحدّه ويكون كلاهما محققا للغرض، كالتخيير في مكّة المكرمة المطلوب إما ركعتان أو اربعة، أما ثلاث ركعات فلا. المطلوب اما الاقل بحده أو الاكثر بحده هذا يمكن ان يتصور؟

وفي الاعتكاف: يجوز حلّ الاعتكاف في اليومين الاولين، فإذا دخل في الثالث وجب إكماله، ولا يجوز حلّ الاعتكاف قبل نهاية الثالث. فيكون حلّ الاعتكاف جائزا بين أقل بحدّه (وهو اليومين ) أو الاكثر ( وهو الايام الثلاثة )

وجواز الافطار في قضاء شهر رمضان إلى الظهر، فإذا حصل الزوال وجب الصوم إلى الغروب، فيكون جواز الافطار بين حدّين: الزوال والمغرب.

وفي الرضاع: ورد في عدد الرضعات المحرّمة: العشرة وخمسة عشرة، والخمس، والتسع، وغيرها. واحتمال كونها على التخيير الشرعي ممكن. هذه الرضعات الموجودة هل يمكن ان يقال بغض النظر عن القرائن: ان المحرّم إما العشر رضعات بحدها أو الخمسة عشر رضعة بحدها وتكون الحادية عشر غير محرِّمة.

وفي الكرّ أيضا وردت روايات أن الكرّ ثلاثة أشبار في ثلاثة، وورد في روايات اخرى ثلاثة اشبار ونصف، أي ورد في الاقل والاكثر، هل يمكن ان يقال حينئذ ان الماء المعتصم الذي له احكام الكرّية إما ثلاثة اشبار بحدها والزائد لا، أو ان الكرّ ثلاثة اشبار ونصف بحدها والزائد لا؟

بعبارة اخرى: إذا قلنا بجواز تصور التخيير بين الاقل والاكثر بحدهما، يصبح كل ما ورد بحدين يمكن ان يندرج تحتهما إلا أن تقوم قرينة على غير ذلك. هذه ثمرة كبيرة لان كثير من ابواب الفقه تأتي بحدين.

غدا أن شاء الله نكمل ونبين المختار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo