< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الواجب التخييري.

     الكلام في نقطتين: معنى الوجوب التخييري، وامكانية تعلق الوجوب بالأقل والاكثر.

     النقطة الاولى: في الوجوب التخييري.

     الكلام في التخيير الشرعي.

     البناء الاول: وجود ملاك واحد، فيدل على وجود جامع واحد لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وبذلك يكون التخيير في الواقع عقليا.

     البناء الثاني: تعدد الملاك.

     احتمال أن يكون المتعلق واحد لا بعينه، وجوابه.

نعود إلى كلام صاحب الكفاية (ره): فصل: إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الاشياء.

قلنا ان البحث في نقطتين: الاولى معنى الوجوب التخييري، والثانية امكانية ان يكون التخيير بين الاقل بحده والاكثر بحده، هل يمكن تصور هذا الشيء او لا؟

معنى الوجوب التخييري:

اما من جهة المعنى يقول (ره): ان كان الغرض واحدا، وملاك الحكم واحد فلا بد ان يكون هناك جامع مشترك بين هذه الخصال اثنتان أو ثلاثة أو أكثر لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، هذا الجامع هو المطلوب وهو متعلق الحكم في الواقع، نعم يتشكل في الخارج بافراد. ومعنى هذا الكلام ان هذا التخيير ليس تخييرا شرعيا، لان التخيير على قسمين: تخيير عقلي وتخيير شرعي. التخيير العقلي من قبيل " اعطني قلما " المتعلّق وموضوع الحكم هو " القلم " وله افراد، العقل مخّير بين الافراد في عالم الامتثال. اما التخيير الشرعي فهو ما لم يتعلّق الحكم بجامع في ظاهر اللفظ، ليس هناك قلم يجمع بين الاقلام، ظاهر اللفظ وان الافراد متباينة، المطلوب أحد أمور مختلفة مثلا في الكفارة: مطلوب " اطعام "، " وصوم "، " وعتق رقبة ".

هذا التخيير الشرعي إن كان الملاك واحدا كما يقول صاحب الكفاية (ره) فمعناه ان المتعلّق هو واحد، لانه لا بد من مصلحة واحدة لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، هناك مصلحة واحدة تتحقق في الخارج بامور مختلفة متباينة انا لا اعرفها الله وحدة يعرفها ولا مشكلة في عدم معرفتها، فان دين الله لا يصاب بالعقول، نعم يوجد ما يشير اليها، وتصور متعلق الحكم بوجهه كاف للحكم عليه. مثلا: ازالة المعصية اثر لامر واحد، هذا الامر الواحد هو في الخارج هذه الكفارات الثلاثة.

يكمل صاحب الكفاية: والتحقيق أن يقال: إنه إن كان الامر بأحد الشيئين، بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد منهما، بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض، ولذا يسقط به الامر، كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليا لا شرعيا، وذلك لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان [1] ، ما لم يكن بينهما جامع في البين، لاعتبار نحو من السنخية بين العلة والمعلول.

وعليه: فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي، لبيان أن الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين. [2]

وإن كان بملاك أنه يكون في كل واحد منهما غرض، لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه، كان كل

واحد واجبا بنحو من الوجوب [3] ، يستكشف عنه تبعاته، من عدم جواز تركه إلا إلى الآخر [4] ، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما، والعقاب على تركهما، فلا وجه في مثله للقول بكون الواجب هو أحدهما لا بعينه مصداقا ولا مفهوما، كما هو واضح [5] ، إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان الامر بأحدهما بالملاك الأول، من أن الواجب هو الواحد الجامع بينهما، ولا أحدهما معينا، ........... إلى آخره [6]

ولبيان كلام صاحب الكفاية (ره) نقول: التخيير على قسمين: تخيير عقلي وتخيير شرعي:

التخيير العقلي يكون الحكم فيه متعلّقا بشيء واحد، وهو التخيير في الامتثال بين أفراد الكلي الذي تعلّق به الامر على نحو الحمل الشائع الصناعي [7] ، كقولنا أكرم عالما، فالمكلف مخيّر بين أفراده ومصاديقه.

اما التخيير الشرعي هو التخيير بين خصلتين أو أكثر من دون تعلّق بالجامع في ظاهر اللفظ.

ثم نقول: في الواجب التخييري إما أن يكون الغرض من الخصال واحدا أو متعددا، فإن كان واحدا فلا بد من وجود الجامع بينهما لامتناع صدور الواحد إلا عن واحد، ويكون هذا الجامع هو متعلّق الطلب في الحقيقة.

أما إذا كان الغرض متعددا فلا داعي للجامع بينها ويكون متعلق الطلب بين عدّة احتمالات:

     أن الواجب واحد لا يجوز تركه إلا إلى بدله، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما والعقاب على ترك الجميع.

     أن يكون الواجب هو مفهوم " احدهما " لا بعينه، وهذا غير تام لا مصداقا ولا مفهوما. أما عدم تماميته مصداقا. [8] فلوجوه:

منها: كونه خلاف ظاهر كلمة " أو " الواردة في بيان الطلب، حيث إن الظاهر منها تعدد المطلوب لا وحدته.

ومنها: إن تعدد الغرض يدل على تعدد الواجب. [9]

ومنها: إن امتثاله غير ممكن إذ لا وجود للمردد في الخارج ولا معنى بشيء لا يمكن امتثاله.

هذا الكلام في الرد على الاشاعرة في احتمال ان يكون متعلّق الطلب عنوان " احدهما لا بعينه " هذا لا يتم لا مصداقا ولا مفهوما.

غدا ان شاء الله نكمل الشق الآخر عن عدم تمامية كون عنوان المتعلق " احدهما لا بعينه " وهو لماذا لا يتم مفهوما؟

 


[1] أي بما هما متباينان ومختلفان.
[2] من قبيل: الافطار العمدي فيه تقع المعصية واريد ان ازيل هذه المعصية تكون بالكفارة وهي احد هذه الثلاثة. في الواقع هي شيء واحد انا اريد ان ازيل المعصية ولا اعرف كيف، الله عز وجل علمني كيف ازيلها، إما بالاطعام وإما بالصوم وإما بالعتق. ملاك واحد لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد ولا بد من سنخية بين العلّة والمعلول.
[3] إي ان الجامع ليس هو المطلوب فلا تجري قاعدة أن الواحد لا يصدر إلا عن واحد، لا وجود للجامع للغرض الجامع الواحد، لأن الاغراض متعددة، مثلا في العتق غرضه ازالة الفوارق الاجتماعية، والصوم غرضه تنزيه النفس والصحة البدنية، والاطعام هو سدّ الجوع، كل كفارة منفصلة عن الكفارة الاخرى. فإذا كانت الاغراض متعددة بحيث أن احدها لا يقوم بالاخر فلا تجري القاعدة. هذا هو الفرق بين الاحتمال الاول والاحتمال الثاني، في الاول الملاك واحد فيكون متعلق الحكم واحدا، وفي الثاني الملاك متعدد فيكون متعلق الحكم متعددا.
[4] الذي هو البدل المعين فلا استطيع ان اقوم ببدل غير معين، فلا بد من ان يكون البدل من الامور التي ذكرت.
[5] نتيجة كلامه: انه إذا كان هناك اغراض متعددة والملاكات متعددة والمطلوب ليس هو الجامع والمطلوب الغرض الواحد. إذا كان كذلك فاحد الاقوال ان المطلوب الواجب لا بعينه كلام الاشاعرة، كيف يكون الواحد لا بعينه؟.
[7] الحمل الشائع صناعي: هو الحمل على الطبيعة بلحاظ افرادها.
[8] حيث لا يمكن تعلق الحكم بالمرد، حتى في الفتاوى الشرعية من قبيل إذا صام مرددا بين شهر رمضان وبين شهر شعبان، فلا يقع لا هذا ولا ذاك لان المردد لا وجود له في الخارج.
[9] اغراض متعددة يدل على ان الواجب متعدد وليس واجبا واحدا، وانت تقول ان متعلق الوجوب واحد الذي هو واحد والذي هو المردد، مفهوم احدهما لا بعينه هو المتعلّق، أي ان الواجب واحد. فإذا كان الواجب واحد والاغراض متعددة كيف اصبح هناك غرضا واحدا. وهذا هل يمكن تصوره؟.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo