< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نظرة على بعض القواعد والمسلمات.

     التفريق بين العلّة الجامعة المباشرة وغيرها، فتجري القاعدة في الاولى دون الثانية.

     لا بد من اتحاد العلل وإن كانت في تسلسها الاعلى.

     التفريق بين البسيط والمركب، فتجري في البسيط دون المركب، ولا مانع في المركب من تعدد العلل، وإن كان لا بد من جامع بينها أيضا.

بعد التذكير بالقواعد التي نتداولها وبقاعدة الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وما هو المراد من السنخية وانها حالة خاصة بين العلّة والمعلول من نسق واحد، وإلا لصدر كل شيء عن كل شيء واصبح الكون بلا ضابطة مع العلم انه لا بد من ضابطة، الشيء لا يصدر ألا عن شيء آخر ولهذا لا بد من نسق ففي مثل الاحراق والنار لولا اتحاد السنخ بينهما لصدر الاحراق عن أي شيء. هذه المسألة وجدانية لا تحتاج إلى دليل وإلا لأصبح الكون فوضويا، وعدم جواز فوضوية الكون تمنع عدم السنخبة بين العلّة والمعلول. نعم الكلام في التفاصيل. وهناك ملاحظة قبل الكلام عن التفاصيل، وهي ان الكلام في العلل المتعددة للمعلول الواحد مباشرة وليس استلزام العلل إلى وصولا اعلى العلل، الواحد لا يصدر إلا عن الواحد الواحد مباشرة بلا واسطة. وليس المقصود تسلسل العلل العالية.

ونقرب مثالا شرعيا على ذلك في الامور الشرعية:

كفارة إفطار شهر رمضان عمدا مخيّرة بين عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.

فبناء على أن الغرض واحد من هذه الكفارات، لأن الأثر واحد، وهو مثلا إزالة الأثر السلبي للإفطار العمدي، يكون هذا الغرض الواحد صادر عن الجامع المشترك بين الخصال الثلاث، لأن الواحد لا يصدر إلا عن واحد.

أما بناء على أن الاغراض متعددة بتعدد الخصال، فعتق الرقبة غرضه إلغاء الفوارق بين الناس مثلا، وصوم الشهرين غرضه تربية النفس، والاطعام غرضه سدّ الجوع، وإلى ما هنالك، فبناء على تعدد الاغراض لا يكون الأثر واحدا، فلا تنطبق القاعدة.

ولا يقال: إن الاغراض المتعددة تنتج أمرا واحد وأثرا واحدا، فلا بد من أن يكون هذا الاثر ناشئا من أمر واحد هو الجامع بين الاغراض المتعددة، لان الواحد لا يصدر إلا عن واحد، وبهذا عدنا إلى القاعدة من جديد؟

فانه يقال: إن هذا الجامع المشترك هو بين أغراض الخصال لا بين الخصال نفسها، فلا جامع بين الخصال نفسها، فلا تنطبق القاعدة على نفس الخصال وذلك لتعدد الأثر، نعم هي تنطبق على الاغراض لانها ناشئة من غرض واحد، فلا بد من جامع بينها، وتنطبق القاعدة حينئذ. هذا ما قصدناه بالمباشر وغير المباشر.

نقول بعد التسليم بالسنخية بين العلّة والمعلول الامور على قسمين إما بسيطة او مركبة، هذا البسيط سواء كان فردا، أو طبيعة، او عنوانا منتزعا أو عنوانا اعتباريا، فان ما قلناه ينطبق عليه.

اما الفرد فواضح، يعني ان الفرد البسيط يحتاج إلى علّة بسيطة، واما الطبيعة والنوع فكذلك، إذ من دون ثبوت القاعدة يصدر كل نوع عن أي شيء، واما الواحد الانتزاعي كالفوقية فكذلك، لان المنتزع غير موجود في الخارج أصلا، أي لا أصل له، والموجود هو منشأ الانتزاع، فكذلك إن لم يكن منشأ الانتزاع واحدة لصدر كل شيء عن كل شيء. هذا كله في الواحد البسيط.

أما الواحد المركب، فكل جزء يحتاج في وجوده وتشخصه لعلتين، علّة لوجود الجزء نفسه، وعلّة لوجود التركيب، وهما متباينان مختلفان. ففي هذه المرحلة وهذا القسم لا تصح القاعدة فيه. لان علّة الجزء تختلف عن علّة التركيب، ففي المثال الذي ذكره صاحب الكفاية (ره) في مسألة اسامي العبادات والمعاملات حيث قال: إن الصلاة موضوعة لمعنى واحد يشير إليه هو أثر واحد وهو كونها " قربان كل تقي " " الصلاة معراج المؤمن " " الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " فهي علّة له والواحد لا يصدر إلا عن واحد، لكن ما هي الصلاة؟ عجز عن تصويرها فيشير اليه اشارة عبّر عنها بقول " وكل إلى ذاك الجمال يشير "، صاحب الكفاية (ره) قال ان ذلك الامر المركب الذي هو الصلاة فيه شيء هو الموضوع له لفظ الصلاة، وهو الذي ينتج انه " قربان كل تقي "، فـ " قربان كل تقي " معلول وهو واحد فرد لعلّة واحدة هي الجامع بين افراد الصلاة، وهذا الجامع هو العلّة الواحدة الذي صدر عنها معلول واحد، لكن ما هي العلّة الواحدة؟ قال انا لا استطيع ان اتصورها بنفسها ومجرد عدم التصور لا يعني ان هذا الوضع غير ممكن، بل يكفي الاشارة اليه لانه يكفي تصوره ولو بوجهه، [1] لكن الموضوع له هذه العلّة الواحدة الموجودة في كل افراد الصلاة وهي هذا الجامع بين افراد الصلاة الذي لم استطع تصوره، وعدم امكان التصور ليس مشكلة، فالتصور اما بنفسه ويكون من القسم الاول والقسم الثاني من الوضع، واما ان اتصوره بغيره الحاكي عنه ويصبح من القسم الثالث والرابع.

ونعود هنا إلى صاحب الكفاية (ره) قال انه هناك شيء واحد في الصلاة وهو " قربان كل تقي " وله الاثر الواحد يصدر عن شيء واحد، هذا الشيء الواحد ما هو؟ هو الصلاة، والصلاة ما هي؟ الجواب لا اعلم فلا بد ان تكون امرا واحدا نشأ من الجامع المشترك بين هذه الافراد وهو الموضوع له لفظ الصلاة.

ونحن نقول: ان الاثر " قربان كل تقي " واحد ناشئ عن تحقق عنوان الصلاة لكن الصلاة امر مركب في الخارج الصلاة افراد كثيرة لها، وهذه كلها صلاة وهي خارجا امر مركب. فيكون لها علل وأغراض متعددة من صحية ونفسية وأخروية، نعم هذه العلل لا بد من جامع بينها يكون هو " قربان كل تقي "، وهذا لا يعني أن العلّة المشتركة بين العلل هي الموضوع له، فانه ليس العلّة المشتركة بين الافراد، بل هي أي " قربان كل تقي " العلّة المشتركة بين علل الافراد.

إذن نقول: اننا نفرق بين البسيط والمركب، فتجري القاعدة في البسيط دون المركب، البسيط الواحد لا يصدر إلا عن واحد هذا صحيح، والمركب الواحد يصدر عن اكثر من واحد، نعم في تسلسل العلل لا بد من وصوله إلى واحد.

 


[1] ذكرنا ذاك في اقسام الوضع في القسم الثالث والقسم الرابع، ان نتصور شيئا ونضع لشيء آخر، أي ان المتصور غير الموضوع له، لا مانع من ان نتصور شيئا ونضع لشيء آخر، من قبيل ان يرى صورة من يريد ان يتزوجها فيقول اتزوج صاحبة الصورة، هو لم يتزوج الصورة أي انه تصور الفتاة لا بنفسها بل بأمر يشير اليها وحاك عنها، وهذا كاف في الوضع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo