< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النسخ

     الاصل العملي هو الاستصحاب لكنه من استصحاب الكلي القسم الثالث، ولم يثبت اعتباره.

كان الكلام في النسخ، فلو تم نسخ الوجوب او الحرمة فهل يبقى الجواز بالمعنى الاعم او الجواز بالمعنى الاخص او الاستحباب؟ قلنا بان من استدل على بقاء الجواز استدل بأمرين: بدليل لفظي وهو ان الوجوب عبارة عن جواز مع المنع من الترك. وأجبنا ان الوجوب أمر بسيط وليس أمرا مركبا فإذا رفع الوجوب لم يبقى شيء، أما المنع من الترك فهو لازم وليس جزء المفهوم.

استدلوا بأمرين على بقاء الجواز: اولا بالأصل اللفظي وقد بيّناه وثانيا بالأصل العملي.

وأما الاصل العملي فقد قيل بالاستصحاب، أي بجريان استصحاب الجواز بالمعنى الأعم لانه كان ثابتا يقينا قبل النسخ، ونشك ببقائه بعده.

هذا الاستصحاب وان كان للوهلة الاولى جار، إلا انه بالتحقيق من الاستصحاب من القسم الثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلي، وهذا الاستصحاب أكثر الاصوليين الحديثين لا يجريه مع ملاحظة أن بحث الاستصحاب لم يكن بهذا التفصيل في السابق، كان الاستصحاب في كتاب المعالم عبارة عن بضعة اسطر، بينما في رسائل الشيخ الانصاري (ره) بحث في عشرات الصفحات.

والجواب: اولا: أن الجواز بالمعنى الاعم لم يكن موجودا حتى نستصحبه، لم يكن عندي شيء ثابت يقينا حتى استصحبه، بل الموجود هو الاعتبار البسيط والوجوب البسيط، هذا الذي كان موجودا يقينا، وهذا قد رفع، فأي متيقن استصحب؟ والجواز بالمعنى الاعم هو كلي منتزع من الاحكام الاربعة: الوجوب والاستحباب والاباحة والكراهة.

وثانيا: ان هذا الاستصحاب هو من استصحاب الكلي من القسم الثاني من القسم الثالث [1] ، مثل أن اتيقن بوجود الانسان لوجود زيد في البيت، ثم خرج زيد قطعا، وشككنا في دخول عمرو، فنشك حينئذ في وجود كلي الانسان في البيت.

وقد أجاب الاصوليون عن هذا الاستصحاب بعدم جريانه سواء قلنا ببساطة الوجوب او قلنا بتركيب الوجوب، لانه شك في الحدوث لا شك في البقاء.

فإذن ملخص الكلام والنتيجة انه عند نسخ الوجوب او الحرمة او نسخ أي حكم لا دليل على بقاء شيء منها لانها امور بسيطة وحتى لو قلنا انها مركبة لا يجري الاستصحاب، فإذا نسخ الوجوب فلا دليل الناسخ يدل على بقاء شيء، سواء كان الجواز بالمعنى الاعم، أو الجواز بالمعنى الأخص أو الاستحباب ولا دليل المنسوخ يدل على شيء من ذلك أيضا، وهكذا. هذا ما يهمنا كأصوليين وان كان الكلام فيه واسعا وخصوصا عند ابناء العامة. [2]

غدا ان شاء الله نبحث مسألة الواجب التخييري ومعناه.


[1] للتذكير: الاستصحاب على قسمين: استصحاب شخصي من قبيل كان زيد موجودا او لا، كنت متيقنا من وجوده فاستصحب وجوده. والثاني استصحاب الكلي وهو استصحاب وجود الانسان كانسان وهو على ثلاثة اقسام. الانسان موجود ضمن زيد وكان زيد في الغرفة يعني ان الانسان موجود في الغرفة، فخرج زيد فاشك في وجود الانسان، يختلف هذا عن استصحاب الشخص انه في استصحاب الشخص استصحب وجود زيد نفسه اما هنا فاستصحب كلي الانسان ولو في ضمن زيد، هذا هو القسم الاول وهذا لا يشك في جريان الاستصحاب فيه. القسم الثاني إذا دار الامر بين الطويل والقصير، كما إذا دار الامر بين الحدث الاصغر والحدث الاكبر، فأيضا قالوا انه يجري الاستصحاب في هذا القسم. القسم الثالث ومحل الكلام فيه، وهو اني اتيقن بوجود كلي الانسان ضمن زيد في هذه الغرفة، ثم خرج زيد قطعا واشك في دخول عمرو، عندما خرج زيد زال اليقين بوجود الانسان، ثم اشك في دخول عمرو فتولد عندي شك بوجود الانسان، سابقا وجود الانسان كان متيقنا ضمن زيد والآن اشك في وجوده ضمن عمرو، يعني ان هناك يقين سابق وشك لاحق، هل يجري الاستصحاب أو لا؟ اكثرهم قالوا بان الاستصحاب لا يجري لانه في الواقع هذا شك في الحدوث لا شك في البقاء. الاستصحاب هو " لا تنقض اليقين بالشك "، يقين سابق وشك لاحق، ولذلك عرف الشيخ الانصاري (ره) الاستصحاب " إبقاء ما كان "، فلنلاحظ في القسم الثالث هل هنا ابقاء ما كان، الانسان ككلي كان موجودا ضمن زيد وهذا الانسان خرج واشك في دخول ووجود حصة اخرى بسبب دخول عمرو، صار هناك شك في الحدوث لا شك في بقاء الانسان، فلا يكون هناك استصحاب، يقين بذهاب ما كان وليس الشك ببقاء ما كان، بل اتيقن بذهابه وعند دخول عمرو اشك في حدوث كلي الانسان. ولذلك مع التأمل جيدا نجد ان هذه المسألة ليست من باب ابقاء ما كان، بل من باب الشك في الحدوث.
[2] استطراد: عند ابناء العامة يوجد العشرات من الاحكام التي يعتبرونها منسوخة او قد سقطت، في صحيح مسلم في ج3، كتاب القراءة الطبعة الاولى الحجرية قبل ان تعبث بها ايدي المغرضين، يوجد روايات تقول: جمع شريح القاضي قراء البصرة وقال لهم بعد مدحهم : ولقد كان سورة الاحزاب اكبر من سورة التوبة واشد ونسيتها ولا اذكر منها إلا آيتين: الاولى: لو كان لابن آدم واديين من مال لابتغى واديا آخر. الثانية: ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب. وهم ما جرى في جلد الزاني والزانية والكبير والكبيرة. فهذه امور قد نسخت عندهم لكن عندنا ان شاء الله نبحثها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo